تونس غداة الإستفتاء / الطاهر المعز

355

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 13/8/2022 م …

أعلن الرئيس قيس سعيد عن حلول عهد جديد مساء 25 تموز/يوليو 2022، بعد إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد. صادق 2,6 مليون ناخب على الدستور، وهو رقم قياسي لعدد الأصوات التي لم تحصل عليها أي قُوة سياسية، منذ سنة 2011، لكن نسبة الامتناع عن التصويت بلغت 70%، وهي أقل نسبة إقبال على التصويت منذ سنة 2011، فالغالبية التي لم تُشارك في عملية الإقتراع تشعر بأنها غير ممثلة في هذا النظام الديمقراطي الشّكْلِي الذي تم وضعه في أعقاب انتفاضة 2010/2011، وأدّى هذا النظام الدّيمقراطي الشّكْلِي إلى إنشاء أحزاب سياسية ذات قيادات انتهازية لم تهتم سوى  بمصالحها المادية، وبالإستمرار في السلطة، وأهملت مصير السّكّان، وفي مقدّمتها قيادات الإخوان المسلمين، التي حكمت البلاد، طيلة عقد كامل، بالتحالف مع رجال السّلطة السابقين ورُموز رجال الأعمال الفاسدين واللصوص، واعتبَر قادة الإخوان المسلمين الإستيلاء على السّلطة هدفًا بذاته، واعتبروا ذلك “غنيمة”، واسْتخدموا (مع حلفائهم) السّلْطَةَ كمنصّة للنّهب وللإثراء الشّخسي والعائلي، وتجاهلوا المطالب الشعبية للإنتفاضات المتتالية من 2008 (الحَوْض المَنْجِمِي) إلى 2011، لصبح الفساد ركيزةً من ركائز نظام الحكم (باسم الله ورسوله؟) مما أثار حفيظة السكان، وما أدّى إلى إسقاط نظام التحالف الذي قادَهُ الإخوان المسلمون الذين أظْهَرُوا براعة فائقة في القمع والسّرقة والفساد والعمالة والتّطبيع مع الكيان الصهيوني، وحاولوا ترسيخ نظام “ديمقراطي” في ظاهره، لكنه في جوهره نظام سياسي فاسد وقمعي ورجعي وكومبرادوري (عميل وَوَكيل مصالح الشركات وللقوى الإمبريالية)، فارتفعت بذلك البطالة والفقر وأسعار الضروريات الأساسية، وعجز الميزانية، كما ارتفعت الديون الخارجية، وغابت برامج التنمية، بل تم قَمْعُ الحُرّيات والحركات الإجتماعية بعنف شديد…

لقد حَفَرَ الإخوان المُسلمون قُبُورَهُم بأيديهم، لكن بإمكانهم، وبإمكان الدّساترة، أنصار بورقيبة وبن علي، العودة إلى السّلطة، من خلال انتخابات ديمقراطية، إذا لم تتمكّن القوى التّقدّمية من إنشاء جبهة وبرنامج وقُوى قادرة على التّصدّي لأي محاولة لاستعادة الحُكْم من قِبَل الرّجعية…

لم يقل الناخبون “نعم” لنص الدّستور، ولم يصوتوا لصالح بديل، بل صوتوا ضد الأحزاب السياسية والحكومات المتعاقبة، بقيادة الإخوان المسلمين، منذ عام 2011، والتي انتهجت سياسات لا تختلف البَتَّةَ عن سياسات الحكومة التي شكلها ويقودها الرئيس قيس سعيد، فهي تستجدي صندوق النقد الدولي، منذ أشْهُر عديدة، للحصول على قرض جديد بقيمة أربعة مليارات من الدولارات، مع التعهد بتطبيق سياسة التقشف التي ستزيد من تدهور وضع غالبية السكان، فضلاً عن قمع الحُرّيّات الأساسية…

إنَّ دور القوى الثورية والتقدمية هو الدفاع عن العمال والأجراء والفقراء، أي غالبية السكان، ضد السلطة والأثرياء، وهي تُشكل أقلية عددية، لكنها تستفيد من استغلال واضطهاد أغلبية المُواطنين، ولا يكفي ترديد الأهداف الإستراتيجية، إذْ تكمن الصّعوبة في ترجمتها إلى أفعال، لكن هل تمتلك القوى التقدمية خُططًا ووسائل وقُوى قادرة على تغيير موازين القوى؟