إيفلين ترينت – نسوية أمريكية شيوعية مناهضة للاستعمار / الطاهر المعز

463

الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 22/3/2024 م …  

كانت إيفلين ترينت ( 1892 – 1970 ) شيوعية أمريكية ( من كاليفورنيا) أُمَمِيّة، ساهمت خلال عقد العشرينيات من القرن العشرين في تأسيس الحزبين الشيوعيين في المكسيك والهند، وكانت علاقتها بالهند عميقة ومتينة بفعل زواجها من  الثوري الهندي “مانابندرا ناث روي” ( 1887 – 1954 ) كما قامت بتدريب المسلحين المناهضين للاستعمار في العديد من مناطق العالم، كما دَرّست في جامعة كادحي الشرق في موسكو،  وشاركت في تأسيس الحركة النسائية الشيوعية العالمية، ومع ذلك فهي ليست معروفة، وأهملها تاريخ اليسار الأمريكي والهندي والمكسيكي، واعتُبِرَتْ مجرد زوجة أمريكية للثوري الهندي المناهض للاستعمار مانابندرا ناث روي الذي لم يذْكُرْها في مُذَكّراته، رغم مساهمتها في نضال الشيوعيين بالهند ضد الإستعمار البريطاني، وفي تأسيس الحزب الشيوعي الهندي، لأن إيفلين ترينت كانت نسوية شيوعية أمريكية ومناضلة أُمَمِيّة ضد الإمبريالية، ولذلك اهتمّت بالقوميين الهنود المناهضين للإستعمار البريطاني الذين كانوا يعيشون بالمنفى في الولايات المتحدة، عندما كانت طالبة في جامعة ستانفورد بين سَنَتَيْ 1912 و1916، حيث شكّلوا حزب “الغد” الثّوري، قبل الحرب العالمية الأولى، وكانت تلك ظروف لقائها ب”مانابندرا ناث روي” سنة 2016، وكان مُطاردًا من قِبَل الإستعمار البريطاني، وأدْرَكت إيفلين ترينت – من خلال احتكاكها بالثوريين من الهند ومن المكسيك – خصوصيات المرحلة الإمبريالية للتطور الرأسمالي – فقاومت الإمبريالية والرأسمالية، وأث”ّرت على رُوي ليتحول من القومية الرّاديكالية إلى الشيوعية، وذهبا معًا إلى المكسيك لما بدأت الولايات المتحدة تُضيّق الخناق على اللاجئين القادمين من المُستعمَرات البريطانية والفرنسية (حلفاءها خلال الحرب العالمية الأولى) وكانت المكسيك في حالة ثورة، بداية من سنة 1910، بقيادة إميليانو زاباتا (وُلد سنة 1879 وتم اغتياله سنة 1919)، وهي إحدى أكبر الثورات العالمية قبل الثورة البلشفية، وشاركت إيفلين ترينت في النشاط الفكري والعقائدي، ومع نساء الحزب الاشتراكي المكسيكي، وأشْرفت على جمعية “أصدقاء الهند”، وساعدت في تأسيس الحزب الشيوعي المكسيكي، وأخفت في منزلها “ميخائيل بورودين”، مبعوث الأممية الشيوعية الذي طلب من ترينت و روي – بعد الثورة البلشفية – السفر إلى موسكو سنة 1920 للمشاركة في المؤتمر الثاني للكومنترن، خلال الحصار الذي فرضته بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على الإتحاد السوفييتي ( من 1918 إلى 1922) والذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص، فضلا عن المجازر التي ارتكبتها البرجوازية الأُوروبية ضدّ الشيوعيين، وخصوصًا في ألمانيا، سنة 1919، ورغم الحصار تمكّن الإتحاد السوفييتي من تحقيق بعض الإنجازات، وكانت إيفلين ترينت مبهورة بدرجة تحرير المرأة وبإنجازات الإصلاح الزراعي…

أما زوجها مانابندرا ناث روي فقد ذكر لينين إنه ناقشه حول المسألة الاستعمارية وله الفضل في تطوير فكر لينين حول ما يحصل في آسيا وفي المُسْتعمَرات وحول مسائل التّحرّر الوطني من ربقة الإستعمار، وساهمت ترينت في كتابة وثيقة رئيسية بعنوان “البيان الشيوعي الهندي” التي أكّدت أن استقلال الهند لن يتحقّق إلاّ من خلال التعبئة الجماهيرية والثورة الاجتماعية، ضدّ النهب الاستعماري، ومَثّل روي و ترينت الكومنترن ( الهيئة الإدارية للأممية الشيوعية) في أوزبكستان حيث كانت القوات الإستعمارية تدعم وتُسلِّحُ مليشيات الأعيان المَحَلِّيِّين وقطاع الطرق الأوزبكيين الذين ارتكبوا مجازر ضد الأرمن – بسبب دعم الأرمن للبلاشفة –  بين 1918 و 1920، واستوحت إيفلين ترينت رواية من أحداث ثورة بخارى ( عاصمة أزبكستان) ضد الإقطاع وتجاربها في الإصلاح الزراعي والتعليم الجماهيري، واستقرّت ترينت بها فترةً حيث دَرّست النساء في مدرسة عسكرية أنشأها زوجها “روي” لتدريب المهاجرين المناهضين للإمبريالية الذين شكّلوا لواءً في الجيش الأحمر، كما ساهمت إيفلين ترينت في تأسيس الحزب الشيوعي الهندي (تشرين الأول/اكتوبر 1920) في المهجر (في طشقند)، ثم أصبحت، بداية من سنة 1921، مُدَرِّسَة لمادة الحركة النسائية وتاريخ الثورات للطلاب من الهند والصين وكوريا وآسيا الوسطى السوفيتية، بالجامعة الشيوعية لكادحي الشرق بموسكو، وهي مدرسة للتثقيف السياسي لمناهضي الاستعمار من جميع أنحاء العالم، وكان هوشي مينه من أصْغَر طلبتها سنًّا، وكانت تتنقل أحيانا إلى أوروبا وخصوصًا إلى برلين وباريس، وكتبت مقالات – وقعتها أحيانًا بأسماء مستعارة – أشادت بغاندي لحشده الجماهير وانتقدته لمحاولته السيطرة على الجماهير، ومكّنتها تجاربها ونشاطها المستمر من الجمع بشكل إبداعي بين النسوية البلشفية ومناهضة الاستعمار، وكانت معجبة بالتحولات التي تمكّن الإتحاد السوفييتي من إنجازها في وقت قصير، رغم الحصار، فألغى تجريم الإجهاض والمثلية الجنسية، وحرر قوانين الزواج، وأعطى المرأة حق التصويت، وافتتح مدارس محو الأمية لملايين الفلاحات، وكتبت إيفلين ترينت عن هذه الإنجازات…  

شاركت إيفلين ترينت، سنة 1920، بالمؤتمر الدولي الأول للنساء الشيوعيات، وانتقدت مساهماتها ومداخلاتها قرارًا صاغه الشيوعيون الأوروبيون بشأن “نساء الشرق”، واعتبرته قرارًا “يركز بشكل أساسي على تخلف نساء الشّرق، وهو موضوع يتم طرحه باستمرار لمهاجمة النساء الشرقيات لأنهن مختلفات عن نساء أوروبا ولسن بالضّرورة مُتخلّفات” وأكّدت “إن الأوروبِّيِّين الليبراليين يعتقدون إن للإستعمار جوانب إيجابية، وهم مسؤولون بذلك عن اضطهاد شعوب الشّرق” وكانت طيلة حياتها النضالية مُلتزمة بالمبادئ الشيوعية قولا وفِعْلاً وقاومت المواقف الإستعلائية التي تنم عن شكل من أشكال العنصرية “الغربية البيضاء” تجاه نساء أمريكا الجنوبية أو آسيا، وقاومت النزعة التي تسعى إلى إملاء ما يجب أن تكون عليه النسوية على الآخرين…

شاركت ترينت، سنة 1925، في مؤتمر مناهض للإمبريالية في أمستردام، حيث أوصت بتشكيل “لجنة من الهنود والمصريين والأيرلنديين للعمل المتضافر ضد الإمبريالية البريطانية، وكانت هذه المُشاركة متبوعة بمطاردة المخابرات البريطانية لها طيلة عقد من الزمن، وبقيت خلال هذه الفترة مُطاردة ومتخفية ولم تُشارك في النشاط العَلَنِي، منذ سنة 1925، وأدّت الضغوط والشائعات والمُطاردة وموجهة الإحتجاز والتّرحيل عدة مرات، إلى  توتر علاقتها مع زوجها مانابندرا ناث روي، وعادت إلى الولايات المتحدة، واستاءت كثيرًا من تجاهل “روي” لها في مذكراته، فأصبحت صحفية تكتب عن الشؤون العالمية لصحيفة “سان فرانسيسكو كرونيكل”، ثم عملت في مشروع الكتاب الفيدراليين، ولم تعد تُشارك في النشاط الحزبي، بل كرست كتاباتها للحركات النسوية في آسيا (الهند واليابان…)، وندّدت بقمع الحركة المناهضة للإستعمار في الهند وبقمع الشيوعيين في الصين، ولما اتصل بها الشيوعيون الهنود – خلال فترة الماكارثية – لتكتب عن بدايات الحركة الشيوعية بالهند وعن مُشاركتها في المؤتمرات الدّولية، رفضت ذلك، رغم مكانتها ضمن برامج الأُمَمِيّة الشيوعية لمناهضة الإستعمار وضمن أوائل الرافضين للنسوية البيضاء، وضمن مؤسسي حزبين شيوعيين هامّيْن، رغم الحصار

دَوّن “مظفر أحمد”، وهو من زُعماء الحزب الشيوعي الهندي في بداياته في كتابه المُهم عن أصول الحزب الشيوعي الهندي إن عمل إيفلين ترينت كان أساسيا في تكوينه مع جيل الشيوعيين الأوائل، وفي فهم الرابط بين الأهداف الشيوعية والنضال من أجل التحرّر الوطني، خصوصًا بين سنتي 1920 و 1925، ورسَم صورةً لها كمعلمة ومُنظِّرَة واعتبرها شيوعية هندية واستنكر “مَحْوَ دورها في مذكرات رُويْ”، وأَسِف (عند نشر كتابه خلال عقد الستينيات من القرن العشرين) لتجاهلها، فلا يُعرف سوى القليل جدًا عن إيفلين ترينت بين الوطنيين والشيوعيين والديمقراطيين الراديكاليين في الهند..

أما زوجها السابق ” مانابندرا ناث روي ” فقد غادر الحزب الشيوعي ( وتنكّر للفكر الشيوعي) بعد سجنه (قبل الحرب العالمية الثانية)، فانتمى لحزب المؤتمر الهندي، ودعم الحلفاء في الحرب العالمية، وأعلن تراجعه عن قناعاته النظرية السابقة، وكتب بعض الأعمال الفكرية التي ابتعدت في منهجها عن الماركسية وتوفي يوم 25 كانون الثاني/يناير سنة 1954.

لعبت إيفلين ليونورا ترينت دورًا كبيرًا في الحركة الشيوعية الهندية والعالمية والحركة النّسوية، ومع ذلك، لم يعد يذكرها أحد في الهند، وشكّلت دراستها في جامعة ستانفورد – وكانت جامعة مرموقة – نقطة تحول في مسيرتها الأكاديمية، حيث كانت كثيرة النّشاط بين سنتَيْ 1912 و 1915، في مجالات الرياضة والحركة النّسوية والمسرح والكتابة في مجلة الجامعة، وتعرفت على طلبة من المكسيك والبنغال، لما كانت تناضل ضد الحروب الإستعمارية وساعدها احتكاكها بهم على تطوير نظرتها لقضايا الإستعمار وطبيعة الثورة في المُسْتَعْمَرات، وكانت أثناء دراستها الجامعية تُدَرِّسُ الأطفال الفقراء مجانًا لمدة ساعة يوميًا، وبعد تخرجها، بدأت في أوائل العام 1916 تكتب عن مشاكل البطالة والفقر والقضايا الاقتصادية…  

تم إحراق منزل إيفلين ترينت سنة 1963 وتم تدمير جميع سجلاتها، وتوفيت يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، دون أن تترك وراءها سوى القليل من الوثائق التي جَمَعها ابن أخيها وتبرع بها لمؤسسة هوفر…