هذا هو التوحّش الإمبريالي الأمريكي … ديمقراطيا كان الرئيس أم جمهورياً / عاطف زيد الكيلاني

0 206

عاطف زيد الكيلاني ( الأردن ) – الأحد 22/6/2025 م …

لا فرق يُذكر بين رئيس ديمقراطي وجمهوري حين يتعلق الأمر بالإمبريالية الأمريكية. فقد أثبت التاريخ الحديث والمعاصر أن السياسات الخارجية للولايات المتحدة، بغضّ النظر عن من يسكن البيت الأبيض، محكومة بمنطق السيطرة والهيمنة، مدفوعة بجشع الشركات الكبرى ومجمعات الصناعات العسكرية.

من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى ليبيا وسوريا، ظلّت الولايات المتحدة تسوّق تدخلاتها العسكرية تحت شعارات “نشر الديمقراطية” و”حماية حقوق الإنسان”، بينما الواقع على الأرض يشهد على دمار الدول، وسفك دماء الأبرياء، ونهب الموارد، وتفتيت المجتمعات.

الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون قاد عمليات قصف في العراق ويوغوسلافيا، بينما أطلق جورج بوش الابن، الجمهوري، حروباً مدمرة في العراق وأفغانستان تحت راية “الحرب على الإرهاب”. أما باراك أوباما، فكان بطل الهجمات بالطائرات المسيّرة في اليمن وباكستان والصومال، والمهندس الأساسي لتفجير ليبيا. وجاء دونالد ترامب ليعمّق الحصار على الشعوب، وينقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مُشعلاً النار في الشرق الأوسط. ولم يكن جو بايدن مختلفاً، فاستمر في دعم إسرائيل بلا قيد أو شرط، وتجاهل المجازر في غزة، كما واصل تسليح أوكرانيا في صراع جيوسياسي جديد مع روسيا.

السياسات لا تتغير بتغير الحزب، لأن الإمبريالية الأمريكية ليست طارئة أو مرتبطة بشخص، بل هي منظومة مؤسسية متجذرة، تحركها مصالح استراتيجية عابرة للحدود، وشهية لا تُروى للسيطرة على مقدرات الشعوب.

في وقت يتصاعد فيه الخطاب الغربي عن “النظام الدولي القائم على القواعد”، نجد أن الولايات المتحدة هي أول من ينتهك هذه القواعد عندما لا تخدم مصالحها. من انسحابها من معاهدات دولية، إلى فرض العقوبات الاقتصادية الجائرة، إلى دعم الانقلابات والتدخلات السرية عبر الـCIA، كلها أدوات تستكمل بها أمريكا مشروعها الإمبريالي.

لقد آن الأوان أن يدرك العالم أن الشعارات الأمريكية ما هي إلا قناع يغطّي وجهاً شرساً، لا يؤمن إلا بالقوة والهيمنة، سواء كان ذلك باسم الديمقراطية أو الأمن القومي أو حتى حقوق الإنسان.

استعراض مختصر لأبرز الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة عبر تاريخها، بدءاً من إبادة السكان الأصليين وحتى الحروب الحديثة:

  1. إبادة السكان الأصليين (الهنود الحمر)

منذ وصول المستعمرين الأوروبيين، وخاصة الإنجليز، بدأت حملات تطهير عرقي بحق السكان الأصليين. ارتكبت القوات الأمريكية مجازر جماعية مثل:

  • مجزرة ووندد ني (Wounded Knee) عام 1890، حيث قُتل أكثر من 250 من شعب لاكوتا، أغلبهم نساء وأطفال.
  • سياسات التهجير القسري مثل “درب الدموع” (Trail of Tears) التي تسببت بموت الآلاف خلال طرد قبائل بأكملها من أراضيهم.
  1. العبودية والتمييز العنصري
  • العبودية في الولايات الجنوبية استمرت حتى منتصف القرن الـ19، وكانت أساس الاقتصاد الأمريكي.
  • بعد الإلغاء الرسمي، تواصل القمع من خلال قوانين الفصل العنصري (جيم كرو) والاعتداءات العنصرية المنظمة مثل مجزرة تولسا (1921) ضد السود.
  1. قصف هيروشيما وناغازاكي (1945)

في نهاية الحرب العالمية الثانية، أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 200 ألف شخص، أغلبهم من المدنيين، في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية.

  1. الحرب في فيتنام (1955–1975)
  • استخدمت الولايات المتحدة أسلحة محرمة مثل النابالم والعامل البرتقالي (Agent Orange)، مما أدى إلى مقتل ملايين المدنيين وتشوهات خلقية مستمرة حتى اليوم.
  • مجزرة ماي لاي (My Lai) عام 1968، حيث قتلت القوات الأمريكية أكثر من 500 مدني أعزل.
  1. الانقلابات والتدخلات في أمريكا اللاتينية
  • دعمت أمريكا انقلابات دموية في تشيلي (1973) وغواتيمالا وأماكن أخرى، وساندت ديكتاتوريين مسؤولين عن التعذيب والقتل الجماعي.
  • دعمت “فرق الموت” في السلفادور وهندوراس ونيكاراغوا خلال الحرب الباردة.
  1. غزو العراق (2003)
  • الغزو بُني على أكاذيب عن “أسلحة دمار شامل”.
  • أدى لمقتل أكثر من مليون عراقي بحسب بعض التقديرات، وتدمير البنية التحتية بالكامل، وخلق فوضى أنتجت الإرهاب والفقر.
  1. دعم الكيان الصهيوني بلا شروط
  • التمويل والدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل مكّنها من ارتكاب مجازر في فلسطين، أبرزها:
    • قصف غزة (2008، 2014، 2021، 2023–2024).
    • دعم الاحتلال والاستيطان رغم مخالفتها للقانون الدولي.
  1. حرب أفغانستان (2001–2021)
  • استمرت هذه الحرب الظالمة 20 عاماً، خلّفت أكثر من 240 ألف قتيل، أغلبهم من المدنيين، ودماراً اقتصادياً واجتماعياً شاملاً.
  • انتهت بانسحاب مهين وعودة طالبان إلى الحكم، دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة.
  1. حروب الطائرات المسيّرة (Drones)
  • في اليمن، باكستان، الصومال وغيرها، نفذت الولايات المتحدة مئات الضربات بالطائرات بدون طيار، راح ضحيتها آلاف المدنيين، دون محاسبة أو اعتذار.

يمكنك اضافة موقفها من ايران وحصارها لها منذ بداية ثمتنينيات القرن العشرين وحتى ضربها بالطيران اليوم؟

  1. العداء المستمر لإيران (منذ 1979 حتى اليوم)

منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وإسقاط نظام الشاه الموالي للغرب، اتخذت الولايات المتحدة موقفاً عدائياً ثابتاً تجاه طهران، تمثّل في:

  • الدعم الكامل لنظام صدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980–1988)، بما في ذلك تزويده بمعلومات استخباراتية ساهمت في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد الإيرانيين.
  • فرض حصار اقتصادي خانق منذ أوائل الثمانينيات، تم تعزيزه مراراً بعقوبات مالية وتجارية وقطاعية طالت الغذاء والدواء، ما أثّر مباشرة على المدنيين الإيرانيين.
  • الانسحاب من الاتفاق النووي (2015) من طرف إدارة ترامب، وفرض “عقوبات قصوى” خنقت الاقتصاد الإيراني وزادت من معاناة الشعب.
  • الاغتيال الجوي لقادة عسكريين، أبرزهم قاسم سليماني في بغداد عام 2020، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والسيادة العراقية.
  • ضربات عسكرية متكررة ضد مواقع مرتبطة بإيران في سوريا والعراق، وأخيراً قصف مباشر لمواقع إيرانية داخل إيران نفسها في يونيو 2025 – وهو تصعيد بالغ الخطورة يُنذر بتوسّع الصراع، ويمثل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وتهديداً مباشراً للأمن الإقليمي.

العداء الأمريكي لإيران لا يرتبط بأي “خطر نووي”، بل ينبع من رفض طهران للهيمنة الأمريكية ووقوفها في محور مقاومة النفوذ الغربي، وهو ما جعلها هدفاً دائماً للعقوبات والعزل والتهديد العسكري، بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض.

 

  1. دعم مطلق للكيان الصهيوني وعداء لحركات التحرر

منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، وقفت الولايات المتحدة بشكل مطلق إلى جانبه، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، متجاهلةً الحق الفلسطيني، وراعيةً للاحتلال والاستيطان ومجازر لا تُعدّ.

  • زوّدت الولايات المتحدة “إسرائيل” بأكثر من 260 مليار دولار من المساعدات منذ تأسيسها، أغلبها دعم عسكري مباشر.
  • استخدمت حق النقض (الفيتو) عشرات المرات لإفشال قرارات تُدين جرائم الاحتلال في مجلس الأمن.
  • دعمت “إسرائيل” في جميع حروبها، من اجتياح لبنان (1982)، إلى انتفاضات الفلسطينيين، إلى الحروب المتكررة على غزة.

ورغم توثيق عشرات المجازر – مثل دير ياسين، قانا، صبرا وشاتيلا، ومجازر غزة الحديثة – لم تتراجع واشنطن يومًا عن دعمها، بل تعتبر أي نقد لإسرائيل “معاداة للسامية”، وتلاحق كل من يتضامن مع القضية الفلسطينية، حتى في الجامعات والإعلام.

إلى جانب ذلك، وقفت أمريكا دومًا ضد حركات التحرر الوطني في كل مكان:

  • في أمريكا اللاتينية، سحقت الحركات اليسارية والشعبية.
  • في إفريقيا، دعمت الاستعمار والأنظمة العميلة.
  • وفي فلسطين، صنّفت المقاومة “إرهاباً”، وضيّقت على الفلسطينيين في كل محفل دولي، وتبنّت الرواية الصهيونية بالكامل.

لقد تعاملت الولايات المتحدة مع الشعب الفلسطيني ليس كضحية استعمار، بل كتهديد يجب سحقه. دعمت الحصار، وعارضت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وشاركت في تصفية القضية عبر صفقة القرن، ونقلت سفارتها إلى القدس، مُكرّسةً الاحتلال كأمر واقع.

خاتمة

الإمبريالية الأمريكية ليست مجرد أخطاء سياسية أو تجاوزات في فترات استثنائية، بل هي جزء بنيوي من نظام قائم على استغلال الشعوب، وإعادة تشكيل العالم بما يخدم مصالح الشركات والسلاح والنفط والدولار.

سواء كان الرئيس جمهورياً أو ديمقراطياً، فإن واشنطن لا ترى العالم إلا بمنظار الهيمنة، ولا تعترف بالقانون الدولي إلا حين يخدم غاياتها.

إن كشف هذا التاريخ واجب أخلاقي وإنساني، في وجه ماكينة إعلامية عملاقة تروّج لأمريكا كـ”منارة للحرية”، بينما هي في الواقع مصدرٌ دائم للدمار والتسلط والنهب.

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

11 + 5 =