إيران في مواجهة الكيان الصهيوني: صراع سيادة أم مقاومة مشروع الهيمنة؟ / عاطف زيد الكيلاني

0 191

عاطف زيد الكيلاني ( الأردن ) – الإثنين 16/6/2025 م …

مقدمة: حرب في الظل… تتحول إلى مواجهة مفتوحة

منذ أكثر من أربعة عقود، لم تهدأ الجبهات السياسية والعسكرية بين إيران والكيان الصهيوني، لكن ما شهدته المنطقة مؤخرًا يشير إلى تصعيد غير مسبوق ينذر بتحول الحرب “الخفية” إلى صدام مباشر. هذه ليست مجرد خلافات عابرة بين قوتين إقليميتين، بل صراع يتجذر في تضاد جذري بين مشروع مقاوم تسعى إيران من خلاله إلى إجهاض الاحتلال والاستعمار في فلسطين والمنطقة، وبين مشروع صهيوني توسعي مدعوم غربيًا يهدف إلى تكريس الهيمنة والسيطرة.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنذ انبثاقها من رحم ثورة شعبية عام 1979، أعادت تعريف العلاقة مع الكيان الصهيوني بشكل قاطع. فأغلقت السفارة الإسرائيلية وافتتحت بدلًا منها سفارة فلسطين، ورفعت شعار “إزالة إسرائيل من الوجود” كشعار مركزي في خطابها السياسي والأيديولوجي. واليوم، يتجدد هذا الصراع في شكل أكثر حدة، في ظل هجمات إسرائيلية متكررة على الأراضي الإيرانية، وردود إيرانية صاروخية بطابع انتقامي ودفاعي.

الجذور الأيديولوجية والسياسية للصراع الإيراني – الإسرائيلي

تنبع عداوة إيران لإسرائيل من مزيج من الاعتبارات العقائدية والسياسية والاستراتيجية. فعقائديًا، ترى إيران أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو انتهاك واضح لكل المبادئ الإسلامية والإنسانية. وسياسيًا، تعتبر أن دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية جزء من التزامها الإقليمي والدولي تجاه المستضعفين، وهو ما يُترجم عمليًا من خلال دعم حركة حماس، الجهاد الإسلامي، وحزب الله في لبنان.

في المقابل، تعتبر إسرائيل أن إيران تمثل تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي، ليس فقط بسبب برامجها الصاروخية والنووية، بل بسبب تصدرها لما يُعرف بـ”محور المقاومة” في المنطقة، والذي يمتد من طهران إلى بغداد، فدمشق، ثم بيروت وصنعاء وفلسطين وخصوصا غزة.

إسرائيل وسياسة الاستفزازات والضربات الاستباقية

منذ سنوات، اعتمدت إسرائيل سياسة الضربات الاستباقية تجاه إيران ومصالحها الإقليمية، من خلال عمليات اغتيال لعقول علمية مثل محسن فخري زاده، والهجمات الإلكترونية على منشآت نطنز النووية، والغارات المتكررة على مواقع الحرس الثوري في سوريا.

كما قامت إسرائيل، بدعم أمريكي صريح، بشن هجمات في العمق الإيراني، في خطوة عدّتها طهران تجاوزًا للخطوط الحمراء. وردت إيران في أبريل 2025 بهجوم صاروخي واسع النطاق هو الأكبر في تاريخ المواجهة بين الطرفين، شمل أكثر من 270 صاروخًا وطائرة مسيرة، مستهدفًا مواقع عسكرية إسرائيلية في القدس المحتلة وتل أبيب والنقب.

هذا الرد غير المسبوق مثّل نقطة تحول في قواعد الاشتباك، وأعاد خلط الأوراق في المشهد الإقليمي، حيث لم يعد من الممكن اعتبار إيران لاعبًا متفرجًا أو مجرد داعم لوكلاء، بل طرفًا مباشرًا يمتلك القدرة على المبادرة والتأثير.

إيران: الدفاع المشروع عن السيادة الوطنية

من وجهة نظر طهران، فإن كل ما تقوم به إسرائيل من عمليات تخريب وتجسس وهجمات عسكرية يندرج في إطار العدوان السافر على السيادة الإيرانية. وبالتالي، فإن الرد الإيراني ليس سوى ممارسة لحق الدفاع المشروع، كما تضمنه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، تؤكد إيران أن هدفها ليس الحرب الشاملة، بل تثبيت معادلة الردع ووقف العدوان. وتستشهد بالمواقف الغربية المنحازة التي تدين الرد الإيراني وتغض الطرف عن الأعمال العدائية الإسرائيلية التي تشكل أصل الصراع.

كما تشدد القيادة الإيرانية على أن دعم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا هو التزام ديني وأخلاقي وخيار استراتيجي لن تتراجع عنه، ما دامت إسرائيل تواصل احتلالها لفلسطين وارتكاب المجازر بحق المدنيين، خاصة في غزة التي تحولت إلى رمز للصمود.

الإعلام الغربي وتزييف الحقائق

يلعب الإعلام الغربي دورًا سلبيًا في تغطية هذا الصراع، إذ يسوق الرواية الإسرائيلية باعتبارها الطرف “المدافع عن النفس”، متجاهلًا سياق الاحتلال والعدوان المستمر على دول المنطقة. كما يتجاهل تغطية معاناة الشعوب من السياسات الإسرائيلية التي لا تفرق بين مدني وعسكري.

أما الرواية الإيرانية، فتُعرض غالبًا على أنها خطاب متطرف أو تهديد إرهابي، وهو ما يُسهم في تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام العالمي.

لكن مع تصاعد الوعي الإعلامي في العالم العربي والإسلامي، بات من الصعب حجب حقيقة أن إيران تمثل، على الأقل في هذه القضية، صوتًا للمظلومين في مواجهة الظلم، ومحورًا لمشروع مقاوم في وجه الهيمنة.

التداعيات الإقليمية المحتملة

المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، إذا تصاعدت إلى حرب مفتوحة، ستؤدي إلى تداعيات كارثية في الإقليم. فإسرائيل، برغم تفوقها التكنولوجي والعسكري، لا تملك القدرة على تحمل وابل صاروخي مستمر من إيران، وربما من أطراف محور المقاومة الآخرين. كما أن ضربات دقيقة على منشآتها الحيوية قد تصيب اقتصادها في مقتل.

في المقابل، إيران أيضًا ستواجه صعوبات اقتصادية وعسكرية إذا طال أمد الحرب، لكن روح التعبئة الوطنية والمقاومة العميقة في المجتمع الإيراني تجعل من السقوط أمرًا مستبعدًا.

أما دول الخليج، فستكون أمام خيارات صعبة، إذ تخشى أن تصبح أراضيها منصات لحرب بالوكالة أو ساحات للاشتباك. وفي هذا السياق، تلعب قطر وسلطنة عمان دورًا متزايدًا في محاولة التهدئة والوساطة، بدعم من دول مثل الصين وروسيا.

الحسابات الأمريكية والغربية: ازدواجية المعايير

من اللافت أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تواصل تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل، رغم أن الأخيرة تنتهك بشكل منهجي القوانين الدولية، وتستهدف دولًا ذات سيادة، وتُمارس الفصل العنصري والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني.

الولايات المتحدة، التي تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تتجاهل هذه الانتهاكات عندما يكون المعتدي هو “حليفها الاستراتيجي”، وتندد بردود الفعل الإيرانية بوصفها “تهديدًا للأمن الإقليمي”، في تناقض صارخ يفضح زيف الخطاب الغربي حول العدالة الدولية.

الخاتمة: صراع بين مشروعين لا بين دولتين

ما يجري اليوم ليس مجرد مواجهة عسكرية بين طهران وتل أبيب، بل هو صراع بين مشروعين تاريخيين:

  • مشروع المقاومة والتحرر، تقوده إيران إلى جانب حركات شعبية تسعى إلى تحرير الأرض ورفض التطبيع والدفاع عن السيادة والاستقلال.

  • ومشروع الاستعمار والاحتلال، تمثله إسرائيل كقوة نووية غير خاضعة للرقابة، تحتل فلسطين منذ أكثر من سبعين عامًا، وتدّعي حق “الدفاع عن النفس” بينما تبني سياستها على القتل والتهجير.

في هذا السياق، فإن تأييد إيران لا يعني بالضرورة القبول بكل سياساتها الداخلية أو الإقليمية، بل هو موقف أخلاقي في وجه كيان استيطاني عنصري لم يعد يجد من يردعه إلا محور مقاوم قرر أن لا يساوم على المبادئ.

في النهاية، فإن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بإزالة جذور العدوان: الاحتلال الإسرائيلي، والكيل بمكيالين، والتدخلات الخارجية. وإلى أن يتحقق ذلك، ستبقى إيران – شئنا أم أبينا – لاعبًا مركزيًا في معادلة الردع، وصوتًا صلبًا في وجه التطبيع والخنوع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

14 − ثلاثة =