عيد العمال (الأول من أيار): تحية للنضال الإنساني من أجل العدالة الاجتماعية / عاطف زيد الكيلاني

0 258

عاطف زيد الكيلاني ( الأردن ) – الخميس 1/5/2025 م …

  • مقدمة

في كل عام، ومع مطلع شهر أيار، تقرع أجراس النضال وتُرفع الرايات الحمراء في مختلف أصقاع العالم، احتفاءً بـ عيد العمال العالمي، الذي لا يمثل مجرد مناسبة احتفالية عابرة، بل هو وقفة تأمل في تاريخ طويل من الكفاح والتضحيات التي خاضها العمال دفاعًا عن حقوقهم، وكرامتهم، وظروف عملهم. ويأتي شعار “يا عمال العالم اتحدوا” ليمثل خلاصة الوعي الأممي بأن قوة العمال الحقيقية تكمن في وحدتهم العابرة للحدود واللغات والانتماءات.

  • جذور عيد العمال: الدماء التي أنبتت الوعي

ترجع جذور هذا العيد إلى نهاية القرن التاسع عشر، حين كانت الطبقة العاملة تعاني من ظروف معيشية مزرية، وساعات عمل طويلة قد تصل إلى 16 ساعة يوميًا في مصانع غير آمنة ولا إنسانية. انطلقت شرارة الاحتجاجات من شيكاغو في الولايات المتحدة عام 1886، عندما خرج آلاف العمال للمطالبة بتحديد يوم العمل بثماني ساعات، الأمر الذي واجهته السلطات بالقمع العنيف، وأسفر عن سقوط ضحايا في ما يُعرف بأحداث “هاي ماركت” الشهيرة.

وبالرغم من العنف والقمع، أثمرت هذه التحركات عن تغيرات تدريجية في قوانين العمل، وولادة الوعي العمالي المنظم، وتم اعتماد الأول من أيار عيدًا للعمال في كثير من دول العالم، تكريمًا لأولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل كرامة العامل وحقوقه.

  • أهمية عيد العمال في العصر الحديث

مع تطور الزمن وتغير أنماط الإنتاج، لم تفقد هذه المناسبة معناها، بل ازدادت أهمية في ظل التحديات الاقتصادية المعاصرة. في عصر العولمة، توسعت الفجوة بين رأس المال والعمل، وأصبحت الأرباح تتضخم في أيدي قلة، بينما يرزح ملايين العمال تحت وطأة الاستغلال، والبطالة، والعمل غير المستقر.

عيد العمال اليوم هو تذكير سنوي بضرورة الحفاظ على المكتسبات التي تحققت بفضل نضالات طويلة، وتحذير من محاولات تفكيك قوانين العمل والضمانات الاجتماعية تحت ذريعة التحديث أو مرونة السوق. هو يوم تضامن عالمي يتجاوز الطابع الرمزي، ليصبح مناسبة للنقاش والحشد والتحريض على التغيير نحو عدالة اقتصادية واجتماعية.

  • شعار “يا عمال العالم اتحدوا”: دعوة ما تزال حيّة

أطلق كارل ماركس وفريدريك إنجلز هذا الشعار في البيان الشيوعي عام 1848، ليكون صيحة أمل ووحدة في وجه الانقسام الطبقي والقومي. لم تكن الدعوة مجرد جملة تحريضية، بل كانت رؤية لعالم جديد يتجاوز الاستغلال القائم على انقسام البشر إلى فئات مالكة وأخرى عاملة.

في عالم اليوم، الممزق بالحروب، والأزمات الاقتصادية، وتفكك الحركات النقابية، يعيد هذا الشعار حضوره بقوة. فالوحدة العمالية أصبحت أكثر من ضرورة، خصوصًا في ظل:

    = استغلال الشركات متعددة الجنسيات للعمال في الدول النامية بأجور زهيدة.

   =  انتشار العمل الهش والمؤقت الذي يفتقر لأي حماية قانونية.

    = التراجع عن حقوق مكتسبة في دول كثيرة بدعوى “الإصلاح الاقتصادي”.

    = التفاوت الضخم في الثروة، حيث يملك 1% من البشر أكثر مما يملكه نصف البشرية مجتمعة.

في ظل هذه المعطيات، فإن الدعوة إلى اتحاد العمال لم تعد فكرة رومانسية، بل أصبحت ضرورة موضوعية لإنقاذ الإنسان من سحق السوق، وإعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية في كل حقل ومعمل ومكتب.

  • العمال في العالم العربي: بين الاستغلال وغياب التمثيل

في السياق العربي، يعاني العمال من خصوصية مركبة، إذ تضاف إلى استغلال رأس المال مشاكل مثل:

    = الاستبداد السياسي الذي يمنع حرية التنظيم النقابي.

   =  العمالة غير المنظمة التي تشكل غالبية القوى العاملة.

   = غياب الحد الأدنى للأجور في بعض الدول أو عدم تطبيقه فعليًا.

    = التمييز ضد العمال المهاجرين، خصوصًا في دول الخليج.

كل هذه العوامل تجعل من شعار “يا عمال العالم اتحدوا” حاجة ملحة لبناء حركات نقابية مستقلة، عابرة للحدود والانتماءات، تدافع عن الكرامة وحقوق العيش الكريم.

  • نضال مستمر: أمثلة من الواقع المعاصر

رغم محاولات كبح الحراك العمالي، لا تزال الشعلة مشتعلة. ففي السنوات الأخيرة شهد العالم تحركات عمالية لافتة:

    = إضرابات عمال أمازون وستاربكس في الولايات المتحدة للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل.

    = احتجاجات سائقي التوصيل في آسيا وأوروبا، رفضًا لسياسات “العمل المجزأ”.

   =  نهوض الحركات العمالية النسوية في أمريكا اللاتينية، التي تربط بين نضال النساء والعمال.

   =  التحركات الطلابية – العمالية في فرنسا ضد قوانين التقاعد المجحفة.

هذه الأمثلة تشير إلى أن الوعي الطبقي لم يمت، بل يتجدد بأشكال جديدة، مستفيدًا من وسائل التواصل والتنظيم الرقمي.

  • دور النقابات والحركات العمالية اليوم

لم تعد النقابات قادرة على الاكتفاء بالدفاع عن مصالح منتسبيها فقط، بل بات مطلوبًا منها:

= الانخراط في النضال العام من أجل العدالة الاجتماعية.

 = التحالف مع الحركات البيئية، النسوية، ومناهضة العنصرية.

=  تبني قضايا العمل في الاقتصاد الرقمي والمنصات التكنولوجية.

هذا التوسع في الأفق النقابي ضروري لبناء تحالفات شعبية واسعة، قادرة على مواجهة هيمنة رأس المال وتغيير موازين القوى.

  • تحقيق شعار “يا عمال العالم اتحدوا”: كيف؟

تحقيق هذا الشعار لا يعني فقط ترديده، بل يتطلب خطوات عملية:

   =  تعزيز التنسيق بين النقابات الدولية لمجابهة الشركات متعددة الجنسيات.

    = خلق وعي طبقي جديد بين الأجيال الشابة، خاصة في ظل تفشي الفردانية.

    = تجاوز الانقسامات القومية والطائفية التي يستخدمها أرباب العمل لتفتيت وحدة العمال.

    = تبني أدوات تنظيمية عصرية تتناسب مع طبيعة العمل المتغيرة.

    = الربط بين القضايا الاقتصادية والحقوق السياسية، لأن العمل اللائق لا يتحقق بدون حرية.

  • خاتمة: عيد العمال ليس فقط يومًا… بل مسار

عيد العمال ليس مجرد تظاهرة رمزية أو مناسبة لإلقاء الخطب، بل هو فرصة سنوية لإعادة ربط الماضي بالحاضر، ولتجديد العهد مع مناضلين سقطوا من أجل أن نعيش بكرامة. إنه تذكير بأن الحقوق التي نتمتع بها اليوم لم تكن هبة، بل جاءت عبر نضالات مريرة، وأن الحفاظ عليها يستوجب يقظة دائمة، ونضالاً متصلاً.

وفي مواجهة الاستغلال العالمي، واللامساواة المتفشية، تبقى عبارة “يا عمال العالم اتحدوا” النشيد الذي يجب أن يُرفع عاليًا في كل مصنع، ومكتب، ومزرعة، ومنصة رقمية، لأنها تجسد جوهر الصراع: الكرامة مقابل الربح، الإنسان مقابل السوق، العدالة مقابل الاستغلال.

فكل عام وعمال العالم بألف خير… في وحدتهم قوتهم، وفي نضالهم خلاصهم.

كل عام وعمال وطننا العزيز ( الأردن ) بألف خير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

واحد × 1 =