دونالد ترمب: الوجه الأقبح للإمبريالية ورأس المال المتوحش / عاطف زيد الكيلاني

0 237

عاطف زيد الكيلاني ( الأردن ) – الخميس 19/6/2025 م …

في زمنٍ أصبحت فيه السياسة لعبةً إعلامية وتجارية، برز دونالد ترمب كأيقونةٍ للنيوليبرالية الفجة والإمبريالية العارية من أي قناع أخلاقي. لم يكن ترمب رئيسًا أمريكيًا “تقليديًا” كما حاول البعض ترويجه، بل كان تجسيدًا حيًا لأكثر أوجه الرأسمالية عدوانية، حيث تذوب القيم في مقابل الربح، وتتوارى الإنسانية خلف أسوار المصالح.

ترمب، الذي صعد من عالم العقارات إلى سدة الحكم، لم يأتِ ببرنامج سياسي بمعناه الكلاسيكي، بل بحزمة من الشعارات النارية التي تخاطب الغرائز القومية البيضاء، وتغذي الهواجس الاقتصادية لدى الطبقات المهمشة، دون أن يقدم حلولًا حقيقية. لكنه، في الوقت ذاته، كشف عن عمق التصدع في النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وجعل من نفسه رمزًا للوجه القبيح الذي حاولت الإمبريالية الأمريكية إخفاءه لعقود.

الرأسمالية العارية: أرباح على جثث البشر

منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى البيت الأبيض، بدا واضحًا أن دونالد ترمب لا يمثل إلا شريحة ضيقة جدًا من الأمريكيين: تلك التي تتربع على قمة هرم المال والنفوذ. منح الأولوية القصوى لتقليل الضرائب على الأثرياء، وفتح الأسواق أمام الشركات الكبرى، وقلّص الضوابط البيئية، ووقف ضد أي مسعى لتأمين صحي شامل أو حماية اجتماعية للفقراء.

وقد تجلّى هذا الانحياز الطبقي خلال جائحة كورونا، حين رفض الإغلاق الكامل رغم الكلفة البشرية، وقلّل من شأن العلم والطب في مقابل الدفاع عن “الاقتصاد”. كانت إدارته تفضّل أن تموت الأرواح على أن تتراجع أرباح الشركات في وول ستريت. هنا تتجلى الرأسمالية في أبشع صورها: لا ضمير، لا إنسان، فقط أرقام.

إمبريالية بلا رتوش

منذ نشأتها، حاولت الإمبريالية الأمريكية تزيين تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى بشعارات مثل “الديمقراطية”، “حقوق الإنسان”، أو “الحرية”. لكن ترمب ضرب بهذه الأقنعة عرض الحائط، ورفع شعارات علنية للابتزاز السياسي والاقتصادي. قالها بوضوح حين خاطب السعودية: “لولا حمايتنا لما استطعتم البقاء أسبوعًا”، وطلب مقابلًا ماليًا مباشرا لتلك “الحماية”.

لقد خاض حروبًا اقتصادية ضد الصين، وكوريا الشمالية، وإيران، وهدد الحلفاء الأوروبيين، وأصرّ على سياسة العقوبات الخانقة ضد دول مثل فنزويلا وكوبا، في محاولة لتركيعها اقتصاديًا. لم يكن ترمب مهتمًا بتحقيق استقرار عالمي، بل بخلق حالة من الفوضى التي تعيد تأكيد الهيمنة الأمريكية عبر الضغط والابتزاز.

خطاب الكراهية كأداة للسلطة

في الداخل الأمريكي، استخدم ترمب خطابًا عنصريًا صريحًا ضد المهاجرين، والمسلمين، والسود، واللاتينيين. وصف الدول الإفريقية بـ”الحثالة”، واعتبر المسلمين تهديدًا أمنيًا، وفرض حظرًا على دخولهم، وأطلق يد الشرطة في قمع الاحتجاجات الشعبية، وخاصة تلك التي قادها أصحاب البشرة السمراء بعد مقتل جورج فلويد.

كان بذلك يؤسس لما يشبه “الترامبية” كعقيدة سياسية جديدة: مزيج من القومية البيضاء، والرأسمالية المتوحشة، والانغلاق القومي، والمعاداة لكل ما هو مختلف أو “غير أمريكي بما يكفي”. وقد نجح في خلق قاعدة شعبية صلبة تؤمن بهذه القيم، وهو ما يجعل خطره مستمرًا حتى بعد مغادرته الحكم.

ترمب وظاهرة الشعبوية العالمية

ترمب ليس ظاهرة معزولة، بل هو جزء من موجة صاعدة عالميًا تعكس صعود اليمين الشعبوي، كما نراه مع بولسونارو في البرازيل، وفيكتور أوربان في المجر، وحتى الأحزاب اليمينية في أوروبا. جميعهم يشتركون في ثلاثية واحدة: استعداء المهاجرين، رفض العولمة الاقتصادية “إذا لم تكن لصالحهم”، والدفاع عن القومية الضيقة. لكن ترمب يتميز عنهم بشيء إضافي: أنه يقود أقوى دولة في العالم.

إن عودة ترمب أو أي من تلاميذه السياسيين إلى الحكم لا تعني مجرد تغيير في الخطاب، بل انقلابًا محتملًا على النظام العالمي الهش، ودخول العالم في طور جديد من الحروب التجارية، والصراعات العرقية، والاستقطاب الداخلي. لقد أصبح من الممكن أن تنهار ديمقراطيات باسم “إرادة الشعب”، وتُخنق الحقيقة تحت شعارات “الإعلام الكاذب”.

هل ترمب ماضٍ أم مستقبل؟

رغم خسارته الانتخابات الرئاسية في 2020، لم تنتهِ قصة ترمب. فقد ظل لاعبًا مركزيًا في الحزب الجمهوري، ويسيطر على قاعدته الشعبية والإعلامية. وحتى وهو يواجه قضايا قانونية متعددة، يواصل خطاب الضحية، ويقدّم نفسه كمنقذ لأمريكا من “اليسار المتطرف”، و”الدولة العميقة”، و”المهاجرين الغزاة”.

ترمب اليوم ليس فقط مرشحًا محتملاً للرئاسة، بل هو رمز لتيار عالمي أوسع يرفض التعددية الثقافية، ويتبنى أيديولوجيا الصدمة لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الاستقرار والسلم. إن تجاهل هذا التيار، أو التعامل معه باعتباره “ظاهرة إعلامية”، هو تجاهل خطير لحقيقة التهديد.

في الخلاصة: التوحش بلا خجل

لقد كان دونالد ترمب بمثابة المرآة التي عكست الوجه الحقيقي لمنظومة ظلت تتزيّن طويلاً بالديمقراطية، لكنها في عمقها تستند إلى قوة المال، وقانون الغاب، ومبدأ الربح قبل كل شيء. هو ليس انحرافًا عن المسار الأمريكي، بل تكثيفًا له، وتجليًا واضحًا لما يمكن أن يكون عليه النظام العالمي إذا ما تخلّى عن آخر ما تبقى من قيمه الإنسانية.

إن مقاومة “الترامبية”، داخل أمريكا وخارجها، ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة أخلاقية وإنسانية. لأن العالم لا يمكن أن يتحمّل المزيد من الرأسمالية المتوحشة، التي ترتدي بدلة فاخرة، وتلوّح بعلم، بينما تبيع الأسلحة وتبني الجدران وتحرق الأرض تحت أقدام الفقراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

6 + 12 =