أهداف الحرب «الإسرائيلية» ـ الأميركية / حسن حردان

حسن حردان ( لبنان ) – السبت 28/6/2025 م …
كيف يمكن تقييم نتائج الحرب بين «إسرائيل» وإيران؟ ماذا حققت «إسرائيل» وماذا حققت إيران؟ وما الذي دفع «إسرائيل» لطلب وقف النار؟ ولماذا وافقت إيران على وقف النار بعد أن وجهت الضربة الأخيرة لـ «إسرائيل؟ وهل عادت الأمور إلى نقطة الصفر من جديد؟
إنّ تقييم نتائج الحرب يجب أن ينطلق من ماهية الأهداف التي وضعتها «إسرائيل» لشنّ الحرب على إيران، وهذه الأهداف هي:
الهدف الأول، إضعاف نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد الضربة الأولى المباغتة التي جرى خلالها اغتيال سلسلة القيادات العسكرية والأمنية الإيرانية إلى جانب اغتيال العديد من العلماء.. وصولاً إلى شلّ منظمة القيادة والسيطرة والتحكم، وإدخال إيران في الفوضى وتمكين المعارضة الإيرانية بدعم من الموساد وخلاياه ومن الاستخبارات الغربية في استغلال ذلك للقيام بانقلاب على نظام الحكم، وبالتالي تحقيق الهدف «الإسرائيلي» الأميركي في إعادة إيران إلى عهود الهيمنة والتبعية للولايات المتحدة و»إسرائيل»، وهو ما كان يستعدّ للقيام به حفيد شاه إيران السابق الذي خلعته الثورة الإيرانية الخمينية.
الهدف الثاني، تدمير البرنامج النووي الإيراني ومنع تحوّل إيران إلى قوة نووية تمتلك التكنولوجية النووية، واستطراداً الحيلولة دون تعزيز قوتها كدولة مستقلة غير تابعة للغرب و«إسرائيل»، وتدعم قوى المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وتساند نضال الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه واستعادة حقوقه المغتصبة.
الهدف الثالث، تدمير القدرات الصاروخية الإيرانية وإضعاف قدرتها على مواجهة العدوان عليها والدفاع عن نفسها وحماية سيادتها…
لكن ماذا حققت «إسرائيل» من هذه الأهداف، وأين فشلت؟
أولا، على صعيد الهدف الأول، نجحت «إسرائيل» في اغتيال قيادات عسكرية وأمنية، وعدد من العلماء، بمساعدة عملاء الموساد في الداخل الإيراني، لكنها فشلت في شلّ منظومة القيادة والسيطرة وإدخال إيران في الفوضى، وتمكين المعارضة من التحرك لتغيير النظام، وذلك بفعل نجاح القيادة الإيرانية بقيادة مرشد الثورة الإمام على الخامنئي في المسارعة الى أخذ زمام المبادرة وملء الشواغر في المراكز القيادية والردّ سريعاً على العدوان الإسرائيلي في العمق الصهيوني.. في المقابل شهدت إيران تماسكاً وطنياً وشعبياً خلف القيادة والقوات المسلحة في مواجهة العدوان.. كما أفشل هدف إدخال إيران في الفوضى…
ثانياً، على صعيد الهدف الثاني، يمكن القول إنّ «إسرائيل» وبدعم أميركي، نجحت في توجيه ضربات قوية للمنشآت النووية الإيرانية الثلاث في فوردو وأصفهان ونطنز.. لكنها لم تتمكن من تدميرها بالكامل، ولا تدمير قدرات إيران النووية:
ـ هناك شبه إجماع بأنّ الضربات تمكنت من إلحاق اضرار كبيرة في المنشآت، لكنها لم تدمرها…
ـ تأكيد إيراني، دعمته صور الأقمار الاصطناعية، بأنه تمّ نقل المعدات والمواد النووية وكميات اليورانيوم العالية التخصيب إلى أماكن آمنة قبل حصول الضربات الأميركية.
ـ إعلان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي: «خططنا لعدم حدوث ايّ توقف في مسار الصناعة النووية، وأخذنا التدابير اللازمة ونحن الآن في طور تقييم الأضرار».
ثالثاً، أما على صعيد هدف القضاء على القدرات الصاروخية الإيرانية، فإنّ «إسرائيل» فشلت في تحقيقه، لأنّ الصواريخ الإيرانية ظلت منذ اليوم الأول وحتى اللحظة الأخيرة التي سبقت سريان وقف إطلاق النار، ظلت تنهمر على الكيان الصهيوني، وألحقت خسائر جسيمة في المواقع العسكرية والأمنية والاقتصادية الإسرائيلية الحيوية، وظهر بشكل واضح عجز منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية في اعتراض الكثير من الصواريخ لا سيما المتطورة منها والتي تتميّز بالسرعة وبقدرة فائقة على المناورة ورأس حربي متعدد الرؤوس.. وقدرة تفجير كبيرة.
ماذا حققت إيران في هذه الحرب التي فرضت عليها؟
1 ـ نجحت إيران بفعل قدراتها الصاروخية في فرض معادلة من توازن الردع عبر الردّ على القصف الصهيوني لأراضيها بقصف العمق الصهيوني، وتحويل فلسطين المحتلة من الشمال إلى الجنوب مروراً بالوسط إلى ساحة حرب لم تعرف لها «إسرائيل» مثيلاً منذ قيامها على أرض فلسطين عام 1948.
2 ـ إدخال «إسرائيل» في حرب استنزاف متبادلة، لا قدرة لها على مواصلة تحمّل أثمانها، مما أجبرها في اليوم الثاني عشر للحرب إلى طلب وقف النار بمساعدة أميركا، لكن إيران التي لها مصلحة أيضاً بوقف حرب الاستنزاف بدون شروط، سياسية، هي التي وضعت النهاية لهذه الحرب التي بدأتها «إسرائيل»، وذلك من خلال توجيه الضربة الأخيرة القاسية والموجعة لـ «إسرائيل»، قبل سريان وقف النار.
3 ـ نجحت إيران في الخروج من هذه الحرب أكثر تماسكاً ووحدة، في مواجهة العدوان، والتمسك بحقوقها النووية، ورفض الخضوع للشروط والإملاءات الأميركية الإسرائيلية التي هدفت إلى انتزاع قدرات إيران وحرمانها من حقوقها وضعضعة وحدتها الداخلية.. وإجبارها على التخلي عن دعمها لقوى وحركات المقاومة ضد الاحتلال.
4 ـ نجحت إيران في تفكيك وإضعاف الكثير من شبكات الموساد، وبالتالي إضعاف هذه الورقة الإسرائيلية التي مكنت «إسرائيل» من تحقيق اختراقات أمنية خطيرة.. مما جعل البعض في الكيان الصهيوني يحمل نتنياهو مسؤولية التفريط بهذه الورقة من دون التأكد من أنّ استخدامها سيحقق الهدف المطلوب منها وهو تقويض نظام الجمهورية الاسلامية من الداخل.
5 ـ لقد انتهت الحرب من دون أن تتراجع إيران عن ثوابت موقفها وحقوقها، مما جعل أحد الخبراء في واشنطن يقول انّ نتيجة الحرب هي العودة إلى نقطة الصفر، مع فارق أنّ إيران اخذت الدروس والعبر المهمة من أنه لا يمكن الركون الى الدبلوماسية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ورقابة وكالة الطاقة الذرية الدولية، للاحتفاظ بحقها في امتلاك برنامجها النووي للأغراض السلمية، وانّ أميركا و»إسرائيل» اللتان تملكان السلاح النووي، أقدمتا على شنّ الحرب عليها لحرمانها من حقها الشرعي بامتلاك برنامج نووي سلمي، مما بدأ يولد قناعة لدى الشعب الإيراني والكثير من الطبقة السياسية بضرورة تغيير العقيدة النووية الإيرانية، على غرار ما فعلت كوريا الديمقراطية لأجل حماية سيادتها واستقلالها ومنجزاتها النووية والعلمية، وردع ايّ عدوان عليها، خاصة بعد أن تاكد بأنّ أميركا و»إسرائيل» لا يمكن ردعهما إلا بامتلاك القوة الرادعة، لأنهما لا يفهمان لغة سواها… ولولا انّ إيران تمتلك قدرات صاروخية متطوّرة تمكنت من خلالها التصدي للعدوان عليها وفرض نوع من معادلة توازن الردع، لما نجحت في الخروج من هذه الحرب مرفوعة الرأس، قوية، ومحافظة على كرامتها الوطنية، متمسكة بحقوقها، وحقها في الدفاع عن سيادتها واستقلالها الوطني.. مما أحبط رهانات نتنياهو على تحقيق النصر على إيران وتغيير نظامها الثوري التحرري، وبالتالي تبديد أحلامه بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وخلق الظروف التي تتيح له تصفية القضية الفلسطينية وفرض سلطانه على كامل المنطقة…