ضرورة التحالف بين القوى اليسارية والماركسية في العالم العربي مع إيران لمواجهة الإمبريالية والصهيونية / عاطف زيد الكيلاني

0 243

عاطف زيد الكيلاني ( الأردن ) – الخميس 26/6/2025 م …

في ظل التغيرات الجيوسياسية العميقة التي تعصف بالمنطقة العربية، ومع تزايد التهديدات الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف شعوبنا وثرواتنا وحقوقنا في تقرير مصيرنا، تبرز اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة إعادة بناء مشروع تحرري جذري، يستند إلى تحالف واسع بين القوى اليسارية والماركسية العربية من جهة، وإيران كدولة ذات موقف مناهض للهيمنة الغربية والصهيونية من جهة أخرى.

هذا التحالف، وإن بدا للبعض مفاجئًا أو غير متوقع، يمثل فرصة تاريخية لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة بما يخدم قضايا التحرر الوطني والاجتماعي.

 اليسار العربي ومأزق العزلة

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع المشروع القومي العربي، دخلت القوى اليسارية والماركسية في المنطقة العربية مرحلة من التراجع والعزلة، ترافقت مع صعود الإسلام السياسي من جهة، وتنامي الهيمنة الليبرالية الجديدة من جهة أخرى.

ولم تنجح هذه القوى، رغم محاولاتها المتكررة، في بلورة بديل جذري قادر على استقطاب الجماهير أو مواجهة المشاريع الرجعية المتحالفة مع الغرب.

لكن رغم هذه التحديات، ما زالت هناك قوى يسارية ماركسية حية، تمتلك مشروعًا نقديًا عميقًا، وتعي جيدًا طبيعة التناقضات الطبقية والإمبريالية في المنطقة.

غير أن هذه القوى غالبًا ما كانت تفتقر إلى الحلفاء الفعليين، وإلى الإمكانيات اللازمة لتطبيق رؤاها على الأرض.

من هنا، تبرز أهمية إيران كقوة إقليمية تملك إرادة المواجهة ومصادر القوة.

 إيران كدولة مقاومة للمشروع الإمبريالي

منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979، أعلنت إيران موقفًا صريحًا ضد الهيمنة الأمريكية والصهيونية، ووضعت دعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسوريا على رأس أولوياتها.

ورغم التناقض الأيديولوجي الظاهري بين النظام الإسلامي في طهران والمشروع الماركسي أو اليساري، إلا أن الموقف السياسي العام لإيران خلال العقود الماضية كان في جوهره معاديًا للإمبريالية، وداعمًا لنضالات الشعوب المستضعفة.

لقد كانت إيران من بين القلائل في المنطقة الذين رفضوا التطبيع مع “إسرائيل”، بل وقدموا دعمًا فعليًا للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، بينما انخرطت معظم الأنظمة العربية في مسارات التبعية والتطبيع والانبطاح أمام واشنطن وتل أبيب.

هذا الموقف الإيراني لا يمكن لليسار العربي إلا أن يتوقف أمامه باحترام وتحليل عقلاني، بعيدًا عن الانفعالات أو الأحكام المسبقة.

 المشتركات في الموقف من الإمبريالية

يشارك اليسار العربي وإيران، رغم الاختلافات الأيديولوجية، في عدد من المواقف الجوهرية:

  1. رفض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، باعتباره أداة للنهب والاستعمار الجديد.

  2. دعم القضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية في الصراع مع المشروع الصهيوني.

  3. مناهضة التطبيع والتصدي لتحويل إسرائيل إلى جزء طبيعي من نسيج المنطقة.

  4. مقاومة الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تفرضها الدول الغربية على الشعوب المستقلة.

  5. العداء لنظام الهيمنة النيوليبرالي الذي يسحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

هذه المشتركات، رغم كونها سياسية بالدرجة الأولى، تفتح آفاقًا لتعاون ميداني واستراتيجي بين اليساريين والماركسيين في العالم العربي من جهة، وإيران ومحور المقاومة من جهة أخرى.

 من التكتيك إلى الإستراتيجية

لقد أثبتت تجربة العقود الماضية أن التحالفات “النقية” التي تقتصر على قوى أيديولوجية متجانسة لا تصمد أمام تعقيدات الواقع. الصراع مع الإمبريالية والصهيونية ليس نضالًا فكريًا صرفًا، بل معركة سياسية واقتصادية وعسكرية تتطلب تحالفات واسعة تتجاوز الانتماءات العقائدية الضيقة.

من هنا، فإن التحالف مع إيران لا يجب أن يُفهم على أنه تبنٍ للمشروع الديني أو القومي الإيراني، بل كجزء من استراتيجية مقاومة إقليمية واسعة، تتضمن التقاءات مرحلية حول قضايا كبرى، من دون أن تلغي خصوصية كل طرف. فاليسار لا يُطلب منه التخلي عن نقده للأصولية أو السلطوية، لكنه مطالب بالتمييز بين العدو الرئيسي (الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية) وبين التناقضات الثانوية.

 إعادة الاعتبار للمقاومة بكافة أشكالها

في ظل انهيار الدولة الوطنية العربية، وتفكك المجتمعات بسبب الحروب والنزاعات، وغياب المشروع التحرري الجامع، يجب إعادة الاعتبار لفكرة المقاومة بكل أشكالها: مقاومة الاحتلال، مقاومة الحصار، مقاومة التطبيع، مقاومة التبعية الاقتصادية.

إن دعم حركات المقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، رغم ما يثيره من جدل، هو اليوم من بين أدوات المواجهة القليلة الفاعلة على الأرض. وإيران، بفضل قدراتها المالية والتكنولوجية والسياسية، لعبت وتلعب دورًا مركزيًا في استمرار هذه المقاومة، في وقت انسحب فيه معظم العرب إلى دوائر الخنوع والحياد.

 نحو جبهة تحرر عربي – إقليمي

إن الهدف النهائي من هذا التحالف لا يجب أن يكون فقط تكتيكيًا لمواجهة مرحلة مؤقتة، بل جزءًا من إعادة بناء جبهة تحرر عربي – إقليمي قادرة على مواجهة مشاريع الهيمنة بكل أشكالها.

هذه الجبهة يجب أن تضم:

  • قوى اليسار والماركسية الثورية.

  • حركات المقاومة الوطنية والإسلامية.

  • منظمات المجتمع المدني المناهضة للتطبيع.

  • النقابات والاتحادات العمالية المستقلة.

  • المثقفين المستنيرين القادرين على بناء خطاب تعبوي بديل.

خاتمة

إن المرحلة التي نعيشها لا تحتمل الترف الأيديولوجي أو الانغلاق الفئوي. فنحن أمام مشروع استعماري جديد يعيد تشكيل المنطقة على أسس التجزئة والطائفية والتطبيع، وتفرض علينا الضرورة التاريخية بناء تحالفات جديدة تتجاوز الحواجز التقليدية. في هذا السياق، يشكل التحالف بين اليسار العربي وإيران ضرورة لا خيارًا، تحالف يقوم على أساس المواجهة المشتركة للإمبريالية والصهيونية، وعلى قاعدة احترام الاختلاف والالتقاء في ساحات النضال.

هذا التحالف، إذا ما تم العمل عليه بجدية، يمكن أن يعيد الاعتبار لمشروع التحرر الوطني والاجتماعي في العالم العربي، ويفتح أفقًا جديدًا أمام الشعوب التي لم تفقد بعد الأمل في العدالة والسيادة والكرامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ستة − ستة =