إيران والسلاح النووي.. ماذا عن التهديد الوجودي
كانت لافتةً التصريحات الأخيرة لمستشار قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي، كمال خرازي (الذي يشغل أيضاً منصب رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية)، والتي لمّح فيها إلى إمكانية أن تقوم الجمهورية الإسلامية بتغير عقيدتها النووية، إذا ما تم تهديد وجودها من قبل الكيان المؤقت.
فوزير الخارجية الأسبق خرازي هو من الشخصيات التي حرصت طوال السنين السابقة، على الإدلاء بتصريحات دبلوماسية هادئة، بما يتعلق بالقضايا الوطنية ذات البُعد الدولي. بينما التصريحات الأخيرة له، تعكس لغة تهديد غير مسبوق، يتشارك فيها خرازي مع الكثير من المسؤولين العسكريين والسياسيين الإيرانيين، عن موضوع اضطرار إيران الى تغيير استراتجيتها النووية، بهدف تأمين ردع استراتيجي وجودي، في ظل تداعيات معركة طوفان الأقصى، التي كشفت بأن إسرائيل ومن خلفها أمريكا وكل المعسكر الغربي، لن يمنعهم أي قانون واتفاقات وهيئات دولية، عن القيام بجرائم ضد الإنسانية، طالما أمّن ذلك مصالحهم واهدافهم الاستراتيجية.
وبالعودة الى تصريحات خرازي، فقد أكّد بأن بلاده لم تتخذ قرارا بعد بصنع قنبلة نووية، لكنه نبّه بأنه “إذا أصبح وجود إيران مهددا، فلن يكون هناك أي خيار سوى تغيير عقيدتها العسكرية”. مضيفاً بأنه في حال قيام إسرائيل بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، فإن ردع الجمهورية الإسلامية سيتغير. مشيراً إلى أن إيران ألمحت بالفعل إلى امتلاكها القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة. ومن جانب آخر بما يتعلق بعملية الوعد الصادق ضد إسرائيل، والتي جاءت رداً على استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، كشف خرازي بأنه كان بإمكان إيران شن عملية عسكرية أوسع على إسرائيل، ولكنها اكتفت حالياّ بهذا القدر.
خرازي ليس وحده
سبق خرازي الى هذا الموقف العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية، التي أشارت خلال الفترة الى إمكانية مثل هذا الخيار، وأبرز هذه الشخصيات:
_ قائد وحدة حماية المنشآت النووية في حرس الثورة الإسلامية العميد أحمد حق طلب الذي قال في الـ 18 من نيسان / أبريل الماضي: “إذا أراد الكيان الصهيوني استخدام التهديد بمهاجمة المراكز النووية في بلادنا كأداة للضغط على إيران، فمن الممكن مراجعة العقيدة والسياسات النووية للجمهورية الإسلامية والعدول عن مواقفنا المعلنة سابقاً”.
_العضو الأسبق في لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي كريمي قدوسي: أشار في أواخر نيسان / أبريل 2024، إلى أن إيران إذا صدر الامر (من الإمام الخامنئي) تحتاج الى نصف يوم كي تخصب اليورانيوم بنسبة نقاء 90%، وهي قادرة على صنع صواريخ باليستية عابرة للقارات ذات مدى 10 آلاف كلم (أي الصواريخ القادرة على حمل أسلحة نووية). مبيناً بأن جوابه هذا هو في سياق الرد على التهديدات النووية الموجّهة ضد إيران، وأن هذا الرد ليس على اسرائيل فقط بل ضد اوروبا وامريكا رعاة إسرائيل. واوضح ان موقف الامام الخامنئي حتى اللحظة هو عدم تجاوز صواريخ ايران البالستية عتبة ال2000كلم.
تهديدات أمريكية وإسرائيلية باستخدام السلاح النووي
أمّا على الجانب الآخر، فقد صدرت العديد من التصريحات من قبل مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أشاروا فيها الى سهولة استخدام بلادهم للسلاح النووي، دون أن يرفّ لهم جفن، ودون أن يظهروا أقل مستوى من احترام القوانين والمواثيق الدولية، وهذا ما يدقّ ناقوس الخطر ليس في إيران وحدها وفي منطقة غرب آسيا، بل في كل دول العالم.
وآخر هذه التصريحات ما صدر عن السيناتور الأمريكي التابع للحزب الجمهوري ليندسي غراهام، في معرض دفاعه عن جرائم إسرائيل في قطاع غزة حيث قال: “اسرائيل تحارب حرباً عادلة والتكتيكات التي تستخدمها ليست المشكلة”، مضيفاً “لقد ألقينا قنبلتين نوويتين على هيروشيما و ناغازاكي، ولو سألتموني: هل كان علينا فعل ذلك؟ سأجيبكم: نعم!“.
وعلى الجانب الإسرائيلي، فلا ينسى أحد تصريحات الوزير عميحاي إلياهو في أول أسابيع العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة، حينما قال بأن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن، مضيفا أن قطاع غزة يجب ألا يبقى على وجه الأرض.
قائد الثورة الإسلامية والسلاح النووي
لكن بالرغم من كل التهديدات باستخدام السلاح النووي من قبل إسرائيل وأمريكا، فإن الموقف الحاكم في الجمهورية الإسلامية حتى الآن، هو ما سبق للإمام الخامنئي إعلانه وتوضيحه في مناسبات عديدة منذ مطلع الألفية الثالثة، وهو تحريم اقتناء واستخدام الأسلحة النووية وسائر أسلحة الدمار الشامل، انطلاقاً من المبادئ الإسلامية، وليس خوفاً من أي أحد، حيث قال في أواخر العام الماضي: “وإلّا لو قرّرنا ذلك، ما استطاعوا صدّه، ومثلما عجزوا حتى الآن عن منعنا من تحقيق أنواع التقدّم النوويّة سيعجزون في المستقبل”.
وعليه، فإن جميع التصريحات الإيرانية هذه، هي في سياق رفع سقف التهديد أمام إسرائيل وأمريكا، بهدف تحصين مفهوم الردع الجديد الذي تحقق في 14 نيسان / أبريل 2024، خاصةً بأنها تضمنت الاحتمالية والإمكانية، مع الإشارة أو التلميح أن كل مراجعة هي مرتبطة حصراً بقيادة الثورة الإسلامية.
التعليقات مغلقة.