الصحفي المعرفي / أسعد العزوني
أسعد العزوني ( الأردن ) – الإثنين 19/10/2020 م …
بات في حكم المؤكد أن ما نشهده من نقلات نوعية في مظاهر الحياة في العالم أجمع ،جعلنا بحاجة لمراجعات نقدية شاملة لواقعنا ،من أجل الخروج من التقليد الضيق إلى الإبداع الشامل ،لمواكبة تطورات العصر ،وتعد الصحافة أولى المظاهر التي تحتاج للمراجعة النقدية ،ولن يتم ذلك إلا بإعتماد الصحافة المعرفية والصحفي المعرفي .
يقول رائد المعرفة في العالم د.طلال أبو غزالة ان العالم بات يرتهن لوجوده على المعرفة ،وباتت كلمة المعرفة تقترن بكل مظاهر حياتنا من إقتصاد معرفي وسياسة معرفية وغيرذلك ،ونحن كما أسلفت بأشد الحاجة للدخول في آفاق الصحافة المعرفية ،مستندين بذلك على الصحفي المعرفي الذي يختلف عن الصحفي التقليدي ،الذي حصر مهمته وعقله ودنياه في نشر الخبر الذي يحتمل الصدق أو الكذب ،وأحيانا يضطر لإلغاء خبره وهو متأكد من صحته ومصداقيته ،ولكنه يفعل ذلك راضخا لضغوط المتنفذين وأصحاب السطوة والمال.
المعرفة ليست كلمة جامدة ،ولا هي محددة بسياح له مقاسات متفق عليها ،ولا يجوز لأحد القفز عنها ،بل هي عملية ديناميكية متحركة ،تعتمد على التثقيف والقراءة والتفكير العلمي الهاديء والهادف ويحركها العقل النقدي ،من أجل الخروج بحلول منطقية لمشاكلنا وواقعنا ،ولن ننجح في ذلك إلا بإعتماد الصحافة المعرفية الفضفاضة غير المقيدة بقواعد وضعها ربما أحدهم قبل مئة عام ،وما يزال الصحفيون مرتهنون لها مثل قاعدة الهرم المقلوب على سبيل المثال.
الصحافة المعرفية لا تستند على الخبر ،ولا ترتهن له بل تقوم على الخوض في ماهية الخبر وما وراء الخبر وتحليل الخبر،ولن يقوم بذلك صحفي تقليدي يعد نفسه موظفا في صحيفته بساعات دوام ثمان ،بل يحتاج الأمر إلى صحفي معرفي إنخرط في مهنته وركب قطار التطوير الذاتي وتعب على نفسه ،وقرأ كثيرا وفهم ما قرأ ،وأصبح قادرا على التحليل والتوقع بما سيحدث ،إستنادا على ما وقع وحدث.
كان عدم لجوء الصحافة الورقية للعمل المعرفي ،سبب إنهيارها لحساب مواقع التواصل الإجتماعي التي غزت الفضاءات كافة والذي نسميها الإعلام الأسود ،وأصبح بعضها أداة هدم حادة لعدم وجود مهنية عند من يديرونها ،ولا شك أننا الآن أصبحنا منقادين للامهنيين ،وينطبق علينا ما قاله غورباتشوف لمحطة السي إن إن عن دوره في هدم الإتحاد السوفييتي حيث قال انه وضع النجار وزيرا للصحة وهكذا.
الصحفي المعرفي صاحب أفق مفتوح ،وهو بعيد عن الإنغلاق ومنفتح على كافة الثقافات والطرق المعرفية ،ويتسم بالتواضع ،والقدرة على الإعتراف بأنه في طور التعلم ،حتى لو قضى في المهنة عشرات السنين،ولست أغالي إن قلت أن “الباراشوت”لن يصنع صحفيا معرفيا ،لأنه أصلا فشل في صناعة صحفي تقليدي نشأ على الخبر وكتبه بطريقة قال وأضاف.
التعليقات مغلقة.