ثقافة تقدّمية … المُبدع الشيوعي الياباني في مجال أشرطة الرّسُوم المُتحركة: هاياو ميازاكي / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 27/2/2025 م …
اشتهر استوديو جيبلي الياباني لأفلام الرُّسُوم المُتحرّكة بفضل أعمال هاياو ميازاكي، ليُصبح أحد أهم استوديوهات الرسوم المتحركة في اليابان، وهو ليس ديزني الياباني، بل هو نقيض ديزني، حيث تم تصميم أفلامه من قِبَلِ رسامين من الحركة الشيوعية اليابانية، وتُمَجِّدُ هذه الرُّسُوم والأشرطة العمل الإبداعي والتضامن الإنساني ضد الرأسمالية والحرب.
كانت ظروف العمل في استوديوهات الرسوم المتحركة قاسية خلال عقد الستينيات من القرن العشرين، حيث كانت فرق الرسوم المتحركة تنتج مئات الرسومات يوميًا لرسوم متحركة تلفزيونية مثل أسترو بوي، وكانت شركة “توي دوجا” إحدى أكبر الشركات التي تمتلك أهم وأنجح استوديوهات الرسوم المتحركة، ولم تكن الشركة تُعير أهمية لجودة الرُّسُوم لأن الضّغط كبير، بحكم الفترة القصيرة لصناعة الأشرطة، وأدّت ظروف العمل السيئة إلى إصابة العديد من العاملين بأمراض، وتوفِّي أحد رسامي الرسوم المتحركة أثناء عمله، وكان رسامو الرسوم المتحركة الشباب هاياو ميازاكي (1941-) وإيساو تاكاهاتا (1935-2018) من بين أبرز ممثلي النقابات في استوديو شركة توي دوجا، فقد كان الشاب ميازاكي نقابيًا، ومحرضًا، يحمل مكبر صوت في يده، ويقود الإضراب… كان العديد من العاملين في استوديو توي، مثل العديد من الاستوديوهات في الستينيات، وخصوصًا النقابيون، ينتمون أو يتعاطفون مع الحزب الشيوعي الياباني، ولم يكن ميازاكي وتاكاهاتا عضوًا أعضاء يدفعون رسوم الاشتراك، لكنهما كانا رفاق طريق الحزب الشيوعي الياباني.
بعد عشرين عامًا، أسس ميازاكي وتاكاهاتا معًا الاستوديو الخاص بهما، استوديو جيبلي، المختلف عن الاستوديوهات الأخرى، وظلت شركة جيبلي ملتزمة بإنجاز أشرطة تندرج ضمن “الترفيه الشعبي”، لكن هذه الرُّسُوم المتحركة تصور، بسلاسة ومهارة نادرة، مخاطر تدمير البيئة ومخاطر الرأسمالية والحرب، مع محاولة تجنب مقص الرقابة والبقاء “تحت الرادار السياسي“.
لا تَبْدُو أفلام استوديو جيبلي دعائية مطلقًا، رغم التوجه السياسي الذي لم يكن سراً أبدًا، بل أدت هذه الأفلام إلى ولادة شكل معين من أشرطة “الاشتراكية البيئية”، ويُعَدُّ الثُّنائي ميازاكي وتاكاهاتا من بين المخرجين الماركسيين القلائل الذين يُعترف بهم كمُبدِعِين بدون مُنازع.
هناك بعض الإشارات الى اشتراكية هذا الثُّنائي في العديد من الأشرطة، وعلى سبيل المثال، يرفض الطيار الماهر في فيلم “بوركو روسو” (1992) الانضمام إلى القوات الجوية تحت قيادة بينيتو موسوليني ــ معلناً أنه “من الأفضل أن تكون خنزيراً من أن تكون فاشياً”، وفي أحد المشاهد تغني عشيقته جينا النشيد الشيوعي لكمونة باريس ( Le Temps des Cerises ) ، “زمن الكرز“
تحدّثَ “ميازاكي” سنة 1982 عن رفضه لموجة القصص المصورة العدمية التي انتشرت بعد سنة 1968، وأوضح أنه قرر التعبير بصدق عما يعتبره جيدًا أو جميلًا، مُعتَبِرًا إن العمل اليدوي هو أحد الأشياء الجميلة التي يُكرّمُها مع رفيقه تاكاهاتا باستمرار في أفلامهما، حيث تحتوي أفلام استوديو جيبلي على صور لأشخاص يصنعون أشياء، مثل فيلم “قلعة في السماء” وفيلم “بوركو روسو” الذي يظهر نساء عاملات يجمعن الطائرات، وتتناول الأفلام الحديثة مثل “بونيو على الجرف” (2008) قضية تغير المناخ بشكل صريح، وينتقدها البعض هذه الأفلام – من خلال تقديمها بطريقة كاريكاتورية – باعتبارها معادية للتكنولوجيا، بالنظر إلى حجم الدمار البيئي الذي تصوره.
وُلِدَ هاياو ميازاكي في طوكية ( عاصمة اليابان) سنة 1941 وبعد تخرجه سنة 1963 من جامعة جاكوشوين في العلوم السياسية والاقتصاد، انضم إلى شركة توي أنيميشن كرسام رسوم متحركة، وعمل تحت إشراف إيساو تاكاهاتا في شريط حورس أمير الشمس (1968)، ثم انضم إلى استوديو الرسوم المتحركة A Production مع تاكاهاتا سنة 1971 حيث عمل على السيناريو والرسوم التوضيحية والرسوم المتحركة لفيلم Panda Little Panda 1972) ) كما عمل ميازاكي في العديد من الاستوديوهات الأخرى، بما في ذلك Zuiyo Eizo مع Takahata، و Nippon Animation و Telecom، وكان مشاركًا في إنشاء الرسوم التوضيحية لمسلسلات تلفزيونية مثل Heidi، الفتاة الصغيرة من جبال الألب (1974) و Marco (1976)
أَخْرَجَ أول مسلسل تلفزيوني له، كونان، ابن المستقبل (1978)، وأول شريط كمخرج، قلعة كاغليوسترو (1979) و كتب ميازاكي وأخرج فيلم “ناوسيكا أميرة وادي الرياح” سنة 1984، وهو مقتبس من روايته المصورة التي تحمل نفس الاسم والتي نشرت في المجلة الشهرية اليابانية أنيميج.
شارك ميازاكي في تأسيس استوديو جيبلي سنة 1985 مع تاكاهاتا وأخرج عشرة أفلام رسوم متحركة، بما في ذلك قلعة في السماء (1986)، وجاري توتورو (1988)، وخدمة كيكي للتوصيل (1989)، وبوركو روسو (1992)، والأميرة مونونوكي (1997).
حطم فيلم Spirited Away (2001) الأرقام القياسية لشباك التذاكر في اليابان وحصل على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان برلين السينمائي الدولي سنة 2002 وجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة، كما حصل فيلم قلعة هاول المتحركة (2004) على جائزة أوسيلا في مهرجان البندقية السينمائي سنة 2004.
حصل ميازاكي على جائزة الأسد الذهبي لمجمل أعماله في مهرجان البندقية السينمائي سنة 2005، كما كتب وأخرج فيلم بونيو على الجرف (2008). شارك في كتابة سيناريو فيلم هيروماسا يونيباياشي، أريتي، العالم السري للمقترضين (2010) وفيلم ابنه غورو ميازاكي، من أعلى تلة الخشخاش (2011).
تم ترشيح شريطه The Wind That Shakes the Barley (2013)، لجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة في حفل توزيع جوائز الأوسكار للعام 2013، وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، حصل على جائزة أوسكار فخرية عن مُجمل إنجازاته وصرح ( سنة 2024) إنه بصدد إعداد شريط جديد.
نشر ميازاكي عددًا كبيرًا من الكتب والرسومات والقصائد، بما في ذلك Shuppatsuten 1979-1996 (نقطة البداية: 1979-1996، 1996)، وقام بتصميم عدد كبير من المباني، بما في ذلك متحف جيبلي في ميتاكا، الذي افتتح سنة 2001 وهو المدير التنفيذي له، وحصل ميازاكي سنة 2012، على وسام الاستحقاق الثقافي الياباني، وأصبح له تمثال في قاعة ويل إيسنر للمشاهير منذ تموز/يوليو 2014
فيلموغرافيا هاياو ميازاكي
المسلسلات التلفزيونية : كونان، ابن المستقبل (ميراي شونين كونان)، 1978
أشرطة الرُّسُوم المتحركة: قلعة كاجليوسترو (روبان سانسي كاريوسوتورو نو شيرو)، 1979 / ناوسيكا أميرة وادي الرياح (كازي نو تاني نو ناوسيكا)، 1984 / قلعة في السماء (تينكو نو شيرو لابوتا)، 1986 / جاري توتورو (توناري نو توتورو)، 1988 / خدمة توصيل كيكي (ماجو نو تاكيوبين)، 1989 / بوركو روسو (كوريناي نو بوتا)، 1992 / الأميرة مونونوكي (مونونوكي هيمي)، 1997 / المخطوفة (سين تو تشيرو نو كاميكاكوشي)، 2001 / قلعة هاول المتحركة (هاورو نو أوجوكو شيرو)، 2004 / بونيو على الجرف (جاك نو أوي) لا بونيو، 2008 / الريح ترتفع (كازي تاتشينو)، 2013