التعليم الخاص في الدول الفقيرة: فرصة للنخبة أم خطر على بنية المجتمع؟ / عاطف زيد الكيلاني

0 232

عاطف زيد الكيلاني ( الأردن ) – الأحد 29/6/2025 م …

في العقود الأخيرة، شهدت الدول الفقيرة تصاعدًا ملحوظًا في انتشار مؤسسات التعليم الخاصة، من مدارس وروضات إلى جامعات ومعاهد عليا.

وعلى الرغم من أن هذه المؤسسات تُروَّج غالبًا على أنها حلول بديلة لأنظمة التعليم الحكومي المتعثرة، فإنها في الواقع تشكل تهديدًا حقيقيًا لبنية المجتمع وتماسكه في هذه الدول.

فجوة طبقية تتسع

أحد أبرز المخاطر هو تعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.

فالتعليم الخاص غالبًا ما يكون مرتفع التكلفة، ما يجعله حكرًا على الفئات الميسورة.

وبذلك يُحرم غالبية أبناء الفقراء من الوصول إلى تعليم بجودة مشابهة.

هذه الديناميكية تؤسس لمجتمع منقسم: فئة تملك أدوات النجاح والتقدم بفضل تعليمها المدفوع، وأخرى تُدفع تدريجيًا إلى هامش الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

خصخصة المعرفة وتفكيك المساواة

التعليم، في جوهره، يفترض أن يكون حقًا مشتركًا، لا امتيازًا يُشترى.

عندما تسيطر المؤسسات الخاصة على مشهد التعليم، فإنها تحوّل المعرفة إلى سلعة، وتُخضعها لمنطق السوق.

وهذا يتناقض مع الدور المفترض للتعليم كأداة للعدالة الاجتماعية.

في هذه الحالة، يصبح تفوق الفرد مرهونًا بقدرته على الدفع، لا بجهده أو موهبته، ما يؤدي إلى تآكل مبدأ “تكافؤ الفرص” الذي يُعد أحد ركائز أي مجتمع سليم.

تجريف التعليم العام

انتشار التعليم الخاص لا يأتي بمعزل عن التأثير على التعليم الحكومي.

فعندما يلجأ الطلاب القادرون إلى المدارس والجامعات الخاصة، يتراجع الضغط الشعبي لتحسين المؤسسات العامة.

وغالبًا ما يُهمل التعليم الحكومي وتُخفض ميزانياته، مما يزيد من تدهوره، ويُحكم القبضة على الفقراء الذين لا خيار أمامهم سوى القبول بالجودة المتدنية.

محتوى تعليمي منفصل عن الواقع المحلي

كثير من المؤسسات التعليمية الخاصة تعتمد مناهج مستوردة أو مصممة وفق معايير عالمية دون مراعاة للواقع الثقافي والاقتصادي المحلي.

هذا يُنتج أجيالًا منفصلة عن مجتمعاتها، تفكر بلغة غير لغتها، وتبحث عن فرص خارج أوطانها بدل المساهمة في بنائها.

التعليم الخاص كأداة للصراع الطبقي

في عمق هذه الأزمة، يبرز التعليم الخاص كأحد تجليات الصراع الطبقي في الدول الفقيرة، حيث تُستخدم مؤسسات التعليم – خصوصًا الخاصة منها – كوسيلة لإدامة الهيمنة الطبقية، لا كجسر للترقي الاجتماعي.

فالنخب الاقتصادية، التي غالبًا ما تملك هذه المؤسسات أو تستفيد منها، تستثمر في التعليم ليس بهدف تنمية المجتمع، بل لضمان استمرارية نفوذها وسيطرتها على الموارد والمراكز من خلال تقديم تعليم “نخبوي” منفصل عن عامة الناس، لتُعاد صياغة وتصنيع طبقة متعلمة ومهيمنة تتحدث لغات أجنبية، وتتبنى ثقافات بعيدة عن سياقها المحلي، وتُجهَّز لتولي المناصب العليا في الدولة والقطاع الخاص.

هذا النموذج لا يخدم سوى توسيع الهوّة الطبقية، إذ يُقصى الفقراء من دوائر التأثير والقرار، وتُكرَّس بنية اقتصادية تخدم القلّة وتُقصي الأغلبية.

وفي المحصلة، يتحول التعليم إلى أداة لتغوّل الرأسمالية، حيث تُسحب مقدرات الدولة – بما فيها العقول والكوادر – إلى خدمة مصالح رأس المال المحلي والدولي، بدل أن تكون رافعة لتحقيق العدالة والتنمية الوطنية الشاملة.

نحو حلول عادلة

لا يعني هذا رفض التعليم الخاص من حيث المبدأ، بل الدعوة إلى ضبطه وتنظيمه.

فالدولة يجب أن تضمن ألا يُستخدم التعليم الخاص كأداة لإعادة إنتاج الامتيازات.

ويمكن وضع ضوابط على الرسوم، وتحديد نسب للطلاب من خلفيات مختلفة، وفرض التزامات اجتماعية على هذه المؤسسات.

في المقابل، يجب أن يكون الاستثمار الحقيقي في التعليم العام، من حيث الجودة، والبنية التحتية، والتدريب، والرواتب، ليعود قادرًا على أداء دوره كقاطرة للتنمية، لا عبئًا على كاهل المجتمع.

خاتمة

التعليم ليس سلعة، بل حق إنساني، وأداة لتشكيل المستقبل.

وفي الدول الفقيرة، لا يجوز أن يُترك للعرض والطلب.

فبقدر ما نضمن عدالته، بقدر ما نبني مجتمعات متماسكة، لا تستند إلى التفاوت، بل إلى الأمل المشترك.

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان × 4 =