وأزهرت الدماءُ نصراً! / الياس فاخوري
الياس فاخوري ( الأردن ) – الخميس 28/11/2024 م …
وأزهرت الدماءُ نصراً!
دماء تتسلَّق الجدران لتزهر نصراً .. دماء تروي الارض وتجعلها اكثر خصباً ..
هنا يذكر التين، ويذكر الزيتون، ويذكر الارز غارسه .. وهنا صار الزيت دمعا، وهنا أيقظوا الارض واخرجُوا من خلاياها ضحاياهم فأعطوا حكمة الأجداد من لحمهم درعا .. هنا قلعوا بالرموش الشوكَ والأحزانَ قلعا، هنا حملوا صليبهم والكون يسعى .. هنا حموا السنابل من الأعصار بالصدر المسَمَّرْ .. هنا جاؤوا بالسياج من الصدور .. من الصدور؛ فكيف يُكسرْ؟؟ هنا الأرض، ورجال الله في الميدان، والإصرار .. قل لي : كيف تُقهرْ .. هذي الأقانيم الثلاثة ليس تُقهرْ – هنا يستحق الاعتذار لمحمود درويش كما الاعتزاز به!
وهنا لا بد لي من العودة لمقالي في النصف الاول من اكتوبر المنصرم [من زيتون فلسطين إلى أرز لبنان: صفر هي المسافة الى النصر بزوال اسرائيل؛ سَّمَاءُ الكيان “كَالْمُهْلِ”، وجِبَالُ الكيان “كَالْعِهْنِ”]!
أتذكرون الدعوة لتغيير الشرق الأوسط و”إسرائيل” الكبرى من لبنان/ولادة شرق أوسط جديد من لبنان:
– جورج بوش بعد اجتياح العراق .. من خلال ايهود اولمرت وكونداليسا رايس
النتيجة: هزيمة 2006
– قرار أمريكي/اطلسي .. من خلال النتن ميلكوفسكي وأنتوني بلينكن
النتيجة: هزيمة 2024
بالعودة لعام 2006 وحسب الوثائق الأميركية، انقلبت دعوة نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، “الاسرائيليين” عليه وعليهم فألقت المقاومة “بجثثهم (الاسرائيليين) للكلاب”! ومنذ الأسبوع الثالث لحرب الـ 33 يوماً، أعرب ايهود أولمرت عن قناعته أنه إنما يخوض حرباً عبثية، فصُعِقت ادارة الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش (تشيني , دونالد رامسفيلد , وبول وولفوويتز , وريتشارد بيرل , ودوغلاس فايث , وكوندوليزا رايس) من وبهشاشة رئيس الحكومة “الاسرائيلية”، ومعه ومعهم ذلك “القطيع” من الضباع الاسرائيليين .. وكان جنرال إسرائيلي قد سأل رئيس الأركان، الجنرال دان حالوتس، مستنكراً: “هل يريد الأميركيون أن يصيبنا في لبنان ما أصابهم في فيتنام ؟” .. اما “هاآرتس” فقد كتبت ” منذ اليوم الأول للقتال شعر جنودنا بأنهم يقاتلون الأشباح”!
اما اليوم فلا تغرّنك الحملات السيبرانية والاغتيالات، والعقوبات بالتدمير والذبح والابادة، ومحاولات الهجوم والتوغل البري .. وهذا مسار حرب الإبادة الأخيرة وجرائم الإرهاب الجماعي في لبنان يتماهى مع تاريخ اسرائيل والحركة الصهيونية .. تذكروا رفضنا للاستعمار وحتى للممالك الصليبية .. ومع ذلك، ما زلنا نسمع تنبيهات حول أنّ العدوّ الاسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمر وخرق كل السقوف! اوليست هذه طبيعة إسرائيل ومَاهِيَّتها منذ ثلاثينيّات القرن الماضي، أي قبل النكبة!؟ اولم يسمَّمَوا آبارَنا في فلسطين!؟ أولم يبتدعوا البراميل المتفجّرة في احتلال يافا وتوسيع تل أبيب!؟ الم يفخّخوا السيارات وعربات الإسعاف والطرود ويفجّروا الفنادق والمنازل قبل النكبة!؟ هل وفّر العدو الاسرائيلي جريمة حرب في خططه الاحتلاليّة!؟ هل احترمت اسرائيل يوماً ميثاقاً أو اتفاقيّةً أو عهداً أو وعداً!؟ هل يفهم هذا العدو غير لغة القوة، وهل يتراجع الا ذليلاً تحت ضربات المقاومة!؟
تلك المقاومة هي التي حالت دون “صفقة القرن” وبلوغ “النهاية السعيدة”؛ تطوف المنطقة، بكليتها – بأهلها، وبكل ثرواتها – حول الهيكل (هيكل سليمان صاحب ال 1,000 امرأة بين زوجة – 700, ومحظيّة – 300) وهذا ما اعتبره اليوت آبرامز “السبيل الوحيد أمام العرب للبقاء، كدول وكمجتمعات” .. ولكن ألم تكن تلك الأنظمة صناعة أميركية لمنع الأجيال من الدخول في لعبة القرن، والبقاء هكذا في مهبّ الزلازل تارةً، وفي مهبّ الحرائق تارةً أُخرى؟ وبعد الم يلاقي آبرامز هذا – وهو أحد أدمغة اللوبي اليهودي – النتن ميلكوفسكي عندما قال علناً ان نهاية اسرائيل تعني نهاية أميركا في الشرق الأوسط وكانت هذه خلاصة كلمة النتن في الكونغرس!
وهذا ايهود باراك، رئيس حكومة الكيان السابق وصاحب أكبر عدد من الأوسمة، يتحدى النتن: ان أردت أن تنتحر في لبنان، اذهب بمفردك وقاتل هناك. لا تجرنا وراءك، ولا تستطيع أن تجرّ أميركا وراءك” .. وكان باراك قد خَبِرَ أقصى المرارات على الأرض اللبنانية، ليطلب “الخروج من الجحيم”!
اما ريان كروكر – الديبلوماسي المخضرم والذي عمل في المنطقة العربية – فقد لاحظ المفارقة اذ قال: “لا بد من أن تعترينا الدهشة حين نرى بنيامين نتينياهو يجرنا الى حرب كبرى في الشرق الأوسط، كما لو أننا سرب من البط في بحيرة كاناوكي في نيويورك، ليتفرغ فلاديمير بوتين للشرق الأوروبي، وليتفرغ شي جين بينغ للشرق الآسيوي”!
وهكذا قالت المقاومة لواشنطن بالذات: “اذا استطاع نتنياهو ازالة هذه الجبال، يستطيع ازالة لبنان والمقاومة في لبنان”!
نعم، اليوم التالي لنا والحرب بتوقيت ساعتنا .. اليوم التالي لاهل الميدان – مقاومين، حسينيين، مستمرين .. وعليه، كررتُ أسئلتي للمحتفين تمجيداً بالقوة الإسرائيلية وتصويرها على الطريقة الهوليوودية في فيلم رامبو – أسئلتي التى جاءت في بعض مقالاتي منذ منتصف شهر ايلول الماضي حيث قامت القوى الدولية – حاضنة العدو الصهيوني وداعمة أدائه العدواني البربري – بالسيطرة على الفضاء الواسع والأثير المفتوح وما انفكت تنشر وتعمم ثقافة المهادنة والخنوع وتتلاعب بعقول وقلوب وأذواق الرأي العام المحلي والإقليمي من خلال جبروت وضخامة وحشد الاعلام المضاد وماكينته!
أعلن “النتن ميلكوفسكي” “حرب القيامة” ظنّاً منه (وبعض الظن اثم) انه يرمي لبنان وغزة والمنطقة على طريق الجلجلة، ولكن صدى صرخات ايهود باراك “لا تذهب بنا الى جهنم”، وتحذيرات أوستن “اياكم وجهنم” ما فتئت تطارده! اماالمقاومون فرحّبوا قائلين: “بكل الشوق، جهنم تنتظركم”!
الم يحدث هذا في جنوب لبنان، بالأيدي العارية، لا بالقاذفات ولا بالدبابات، حيث تمكن المقاومون من اجتثاث أي اثر للاحتلال عام 2000؟ ثم الم يتكرر المشهد عام 2006 ببكاء الميركافا؟ واليوم ترون كيف يواجه المقاومون اياهم محاولات “التوغل” بعد “التغول” بالأرمادا العسكرية الاسرائيلية، بالأسلحة الأميركية عظيمة التطور وشديدة الفتك، وبالترسانة الالكترونية التي “ترصد حتى دبيب الملائكة في العالم الآخر” .. وهنا لا بد من بابلو نيرودا فنستعير قوله عن حرب فيتنام: “حيث أزهار الاقحوان تكسر ضوضاء الأعاصير”!
نعم، نقطة الضوء في صراع اليوم أنّ المقاومة الزينبية جاهزة لإجهاض الحلم الصهيوني حيث دأبت ديانا فاخوري على الدعوة لتٓمٓثُّل النفحات الملكوتية في الترنيمة الملائكية فنرى عاشوراء في اللوحة الزينبية: “ما رأيت الا جميلا”!
الأرض الآن كربلاء .. وها هم المجاهدون اولو البأس في خيبر الجديدة، يكرّون ولا يفرّون .. يهزؤون بالمنايا ولا يبالون بالموت .. ويضمّدون بجراحهم جروح الأرض!
اما اللحظة التاريخيّة فقد اكتملت بتوقيت ساعة السابع مِن أكتوبر/تشرين الاول 2023. لم تبدأ في تلك الصبيحة عند تخوم غزّة، بل اكتملت هناك، وكانت اللحظة التي نودّع فيها عالم ما قبلها لنفتح صفحة جديدة مِن التاريخ: “بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”(القمر – 46) .. وهنا سنوقظ هذه الأرض التي استندت إلى دَمنا// سنوقظها ونُخرجُ من خلاياها ضحايانا .. فهل تمكن الأميركيون من البقاء في فيتنام او في أفغانستان، ام انهم فروا تحت جنح الظلام!؟ كيف إذن لـ “الاسرائيليين” البقاء في غزة او لبنان، وحيث الكلام حيناً عن “مراقصة الجحيم”، وحيناً عن “مراقصة المستحيل”؟ فلا شرق أوسط جديد، ولا “اسرائيل” كبرى!
رجال الله في الميدان بقامتهم الأسطورية وهم يتصدون لذلك الغول العسكري التكنولوجي وكأنه خارج لتوه من الجحيم ليحوّل بلادنا الى جهنم .. رجال آمنوا ان من تخلى عن “حي على الكفاح” خان “حي على الصلاة” .. تمكن أولئك الرجال من قهر القوة التي لا تقهر، وقد شاهدنا الميركافا وهي تبكي في وادي الحجير، ليصرخ أحد الضباط في بنت جبيل “لقد تركونا نقاتل الأشباح”.. “جنوبيون كان الله يعرفهم , وكان الله قائدهم وآمرهم , لذا كانوا بكل تواضعٍ .. كانوا رجال الله يوم الفتح في لبنان وكل ميدان”!!
انهم، لن أملَّ تكرارها، مقاومون حسينيون مستمرون يَرَوْن “النتن ميلكوفسكي” مجرد هيكل عظمي كما قدّمته لافتة احدى تظاهرات “تل أبيب” – وان ببهرجةٍ سِيبرانية! لا يغرنّك انتفاش الطغاة، ففي قمّة ثقتهم بالنصر يقلب الله الموازين وتأتي الهزيمة من حيث لا يحتسبون وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ العداةُ ليهزموكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ: “وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” (الأنفال -٣٠)!
و هذا ما كتبته “الهاآرتس” : لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون .. لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا سيرى؟ سيرى حرباً مستمرة منذ أكثر من سنة من دون أن تظهر نهايتها، وأنه لم تتحقق أي من أهداف الحرب؛ لم يطلَق سراح المخطوفين، ولم تتحقق عودة النازحين في الشمال إلى منازلهم، ولم نهزم “حماس” أو “حزب الله”، ولم نبعِد إيران عن الذين يدورون في فلكها. كما سيرى اقتصاداً إسرائيلياً منهاراً، والحصانة الاجتماعية في وضع من التفكك وعلى شفير حرب أهلية، والعالم المتنور يبتعد عن إسرائيل، وسلاح البر منهَك إلى حد كبير جداً.
كل المعلومات التي كانت تنشر أظهرت أن الجيش “الاسرائيلي” ، وهو العمود الفقري للدولة ، ولبقاء الدولة ، كان على وشك الانفجار بالدوران السيزيفي داخل حلقة الدم المقفلة .. اما النتن فلم يقل انها المؤسسة العسكرية التي رفعت البطاقة الحمراء في وجهه (الى أين تذهب بنا في هذا الجحيم!؟).
وهذا بيان المقاومة رقم 4638 يلخص حصيلة عملياتها كما يلي:
• بلغ عدد عمليّات المُقاومة الإسلاميّة منذ انطلاق عمليّات طوفان الأقصى في 08-10-2023 أكثر من 4637 عمليّة عسكريّة (مُعلن عنها) خلال 417 يوماً، بمعدل 11 عمليّة يوميًا.
• من ضمن هذه العمليّات 1666 عمليّة عسكريّة متنوعة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان وانطلاق عمليّات أولي البأس في 17-09-2024، وبمعدل 23 عمليّة يوميّا. استهدفت هذه العمليات مواقع وثكنات وقواعد جيش العدو الإسرائيلي، والمدن والمستوطنات الإسرائيلية بدءاً من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة حتى ما بعد مدينة تل أبيب، كما تضمنت التصدي البطولية للتوغلات البريّة لقوات العدو داخل الأراضي اللبنانيّة.
• وفي إطار عمليّات “أولي البأس” نفذت المُقاومة الإسلاميّة 105 عمليّات عسكريّة ضمن سلسلة عمليّات خيبر النوعيّة، استهدفت من خلالها عشرات القواعد العسكريّة والأمنيّة الاستراتيجيّة والحساسة، والتي جرى استهدافها للمرّة الأولى في تاريخ الكيان، باستعمال الصواريخ النوعيّة البالستيّة والدقيقة، والمُسيّرات الانقضاضيّة النوعيّة، التي وصلت حتى ما بعد تل أبيب، بعمق 150 كلم داخل الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة.
• بلغت الحصيلة التراكميّة للخسائر التي تكبدها جيش العدو الإسرائيلي منذ إعلانه عن بدء التقدم البرّي داخل الأراضي اللبنانيّة في 01-10-2024 وحتى تاريخ إصدار هذا البيان:
– مقتل أكثر من 130 جندياً وضابطاً وأكثر من 1250 جريحاً.
– تدمير 59 دبابة ميركافا، و11 جرّافة عسكريّة، وآليّتي هامر، ومُدرّعتين، وناقلتي جند.
– إسقاط 6 مُسيّرات من طراز “هرمز 450″، ومُسيّرَتين من طراز “هرمز 900″، ومُحلّقة “كوادكوبتر”.
• مع الإشارة إلى أنّ هذه الحصيلة لا تتضمّن خسائر العدوّ الإسرائيلي في القواعد والمواقع والثكنات العسكريّة والمُستوطنات والمُدن المُحتلّة.
إذن، “اسرائيل الى زوال” كما وكم بشَّرت ديانا ..من زيتون فلسطين إلى أرز لبنان: صفر هي المسافة الى النصر بزوال اسرائيل؛ سَّمَاءُ الكيان “كَالْمُهْلِ”، وجِبَالُ الكيان “كَالْعِهْنِ”!
فاذهب الى “المعارج” واقرأ: “فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)”!
واذ يطالعنا الشهداء الذين “صعدوا” والسماء ووجه “ديانا” ببسمة لكأنها بسمة انبياء، نستذكر سميح القاسم:
“هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي.
هنا .. سفر تكويننا .. في ابتداء!”
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..