أبو شجاع.. الجنرال النحيل / علي أبو هميلة
هذا الشاب نحيل الجسد الذي وصفته وسائل إعلام الكيان الصهيوني بأنه الشجاع، ملامحه تشير إلى ملامح عقل قائد بنحالة الجسد وسعة العيون التي تذكرنا بعيون الصقور الشريفة في هجومها والقوية في اقتناصها الفريسة، وصاحب الأنف الحاد والملامح القريبة منا جميعًا، تشعر مع هذه الملامح التي أمتلأ بها الفضاء الإعلامي إنه واحد مننا يشبهنا لا يختلف عن أي فتى عربي ولكنه مقاوم صلد لا يقارن بأحد.
لا يتمتع بقوة جسدية ضخمة لكنه يمتلك من العقل والقلب ما يتسع لأرض فلسطين وأهلها، إنه محمد جابر الملقب بـ”أبو شجاع” الذي خصص له الكيان الصهيوني حملة واسعة تجتاح محافظة طولكرم ومخيم عين الشمس لاغتياله، واستشهد الخميس الماضي رفقة أربعة من زملائه في كتيبة طولكرم التي يصفها الكيان الصهيوني بأنها أخطر كتائب المقاومة في الضفة الغربية.
أبو شجاع الذي يذكرني بمقولة رئيسة وزراء الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 جولدا مائير حينما وصفت القائد المصري العسكري محمد عبد الغني الجمسي بالجنرال النحيف، ها هو جنرال جديد يظهر على أرض فلسطين ويكبد العدو الصهيوني الكثير من الخسائر على مدار عشر سنوات هي عمر انضمامه للمقاومة الفلسطينية.
صبي صغير يتعرض للاعتقال في عمر الـ17 ويقضي سنوات من عمره معتقلًا لأكثر من خمس سنوات على يد الاحتلال وبعضها على يد أجهزة الأمن للسلطة الفلسطينية، ويمضي القائد النحيل في طريقه منذرًا روحه وبيته لله والوطن والشهادة، وكما يقول أبو شجاع ” لا نملك بيتًا ولا نريد سيارة، لا نريد إلا تحرير الوطن هكذا الذين يشترون الآخرة بالدنيا وصدق الله العظيم الذي قال في محكم كتابه “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدًا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن. ومن أوفى بعهده من الله؟ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به”
أرض تنبت الأبطال
لا يعوق البطولة في أرض فلسطين المقدسة عمر ولا جسم، فتلك الأرض لا تنبت إلا الأبطال والشهداء، إذا فقد أحدهم يدًا أو أصيبت قاوم وحارب باليد الأخرى، ومحمد سامر جابر العائد من الاستشهاد إلى استشهاد يبقى حيًا من قبل استشهاده، وحيًا من بعد.
هو ابن هذه الأرض التي لن تستكين إلا بعد التحرير من النهر إلى البحر، والتي تحييها دماء الشهداء على مدار التاريخ، لا يتخاذل أبناؤها عن الوفاء بالوعد والعهد، كان لمحمد جابر أن يستكين قليلًا بعد محاولة اغتياله في إبريل/نيسان الماضي في عملية عسكرية استمرت 50 ساعة قضاها جيش الاحتلال في محاصرة ومهاجمة المنزل الذي تواجد فيه.
أعلن الكيان بعد هذه العملية عن استشهاده، بل إن كتائب المقاومة ومساجد طولكرم نعته ولكن أبو شجاع ظهر حاملًا بندقيته في تشييع زملائه الذين كانوا معه، ولقبه أهل الضفة الغربية بالشهيد الحي، كان لهذا الفتى الذي لم يبلغ بعد الـ27 من عمره أن يتوقف ويهدأ، ولكنه لم يفعل فمن يبغي الشهادة لا يتوقف حتى ينالها.
صبي المخيم
أبو شجاع صاحب الـ26 عامًا وثلاث محاولات اغتيال ومثلها مرات الاعتقال، بدأ مشواره مع المقاومة في عمر مبكر واعتقل لأول مرة في عمر الـ17 عامًا وصار من المطلوبين للاغتيال من قبل الجيش الصهيوني لما يمثله كقائد لكتيبة طولكرم التي يعتبرها الكيان الصهيوني أخطر القوات المقاومة في الضفة الغربية.
من أبناء عائلة هجرت من حيفا منذ عام 1948، عاش في مخيم نور الشمس في محافظة طولكرم والتحق بصفوف المقاومة مبكرًا بعد أن ترك الدراسة للظروف الصعبة، والغريب أن هذا الشجاع عربي الملامح صاحب العيون العربية الواسعة والأنف الحاد كان مطاردًا من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ووصفته الأجهزة بأنه خارج عن القانون نظرًا لكونه أحد المؤسسين لكتيبة طولكرم وقائدها الثاني بعد استشهاد قائدها المؤسس، والتابعة لحركة الجهاد.
شارك أبو شجاع في العديد من العمليات الفدائية في طولكرم ومخيم عين شمس، واتهم في عديد من عمليات اغتيال لبعض من الشخصيات الصهيونية، وكذلك بإلقاء عبوات ناسفة على آليات عسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني، وكانت له مشاركات في الدفاع وقيادة المقاومة في مخيم نور الشمس الذي عاش فيه وانضم إلى صفوف المقاومة من خلاله.
لا نتحدث إلا في الميدان
أبو شجاع الذي قال في إحدى مقابلاته “إن الجميع يتحدث ويتكلم ولكن نحن لنا الميدان فعلى من يتحدث أن يتحدث في الميدان، العين على الميدان” وقد صدق وعده، فلم يترك الميدان حتى عندما أصيب في يده ظل يقاتل بيد واحدة، ولم يقبل التخلي عن سلاحه فقد نذر نفسه وحياته من أجل تحرير فلسطين.
وظل أبو شجاع يناضل حتى استشهد مع أربعة من رفاقه، يوم الخميس الماضي، في عملية تفاخر بها جيش الاحتلال الصهيوني كون أبو شجاع أهم القادة في الضفة الغربية، وأخطر المطلوبين للاحتلال، وقائد أهم كتائب المقاومة في الضفة الغربية المحتلة.
كتيبة طولكرم والمقاومة الفلسطينية بكامل فصائلها في الضفة، تعتمد عليها المقاومة في غزة للانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني، ووجهت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نداءات متعددة لكل المقاومين في الضفة الغربية وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل مقاومة العدو الصهيوني بعد صمودها في غزة أحد عشر شهرًا.
في قلوب الناس
ولا أنسى المهندس الفلسطيني الغزاوي الذي قابلته بعد شهرين من بداية طوفان الأقصى وقال لي “انتظر عندما تقوم الضفة الغربية، سوف يرى العدو الصهيوني الأمرّين” وكان المهندس الفلسطيني يشير إلى عدة كتائب للمقاومة منها كتيبة طولكرم التي يقودها الشجاع محمد الجابر (أبو شجاع)
أخطر ما يواجه المقاوم الفلسطيني هو أن يُصبح من يعتقده أخًا له معوقًا أمام مقاومته وعملياته الاستشهادية، وهذا ما تعرض له الشهيد الشجاع بحسب وسائل إعلام العدو، والخطير بحسب الجيش الصهيوني حينما حاصرته قوات الأجهزة الفلسطينية في المستشفى الذي كان يعالج به بعد إصابته في يوليو/تموز الماضي من أجل اعتقاله.
لكنّ جمعًا غفيرًا من الشعب الفلسطيني تصدى لتلك القوات واستطاع والمقاومون إخراجه من المستشفى، وفشلت قوات أمن السلطة في اعتقاله، وكانت تلك المرة الأخيرة قبل أن يصبح استشهاده ودماؤه نهرًا جديدًا يتدفق بالمقاومة في الضفة الغربية، على طريق تحرير فلسطين وبناء الأمة الجديدة، وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.