ماذا يعني فوز أردوغان بولاية جديدة لسورية والحلفاء؟ / د. خيام الزعبي

355

بعد فوز أردوغان بالانتخابات.. تداول فيديو "مسيرة" احتفال في الدوحة - CNN  Arabic

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الإثنين 29/5/2023 م …

عام مليء بالمتغيرات والأحداث في تركيا، حيث فاز الرئيس أردوغان بولاية ثانية في انتخابات رئاسية اعتبرت منعطفاً مفصلياً في الحياة السياسية للأتراك، فقد نال الرئيس التركي أصوات نحو 52.14 % من الناخبين الأتراك، في انتخابات بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 99.43 %، وفقا لما أعلنته هيئة الانتخابات التركية. 

في إطار ذلك يمكنني التساؤل، بعد إعلان الرئيس التركي إردوغان فوزه بولاية جديدة، كيف ستبدو الصورة في داخل تركيا وخارجها؟ وما احتمال عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق ؟

إن حساسية الإنتخابات بالنسبة الى حزب العدالة والتنمية أنها جرت في ظل ظروف بالغة الصعوبة، فأجواء فضائح الفساد تهيمن على المشهد التركي، والصراع مع المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بلغ مرحلة غير مسبوقة، والإقتصاد يشهد مرحلة من التضخم وسط تراجع قيمة الليرة التركي،  وفي الخارج فإن سياسة أردوغان أمام تحديات كثيرة بفعل التطورات الإقليمية والدولية، حيث فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار إذ تعاني تركيا من نوع من العزلة الإقليمية . 

بمتابعتي للأحداث لم تكن هذه الانتخابات عادية فنتائجها هى تأييد لتدابير الرئيس المتزايدة والتي ستثير أجراس الانذار فى أروقة القوى الغربية،كما ستكون لها نتائج كبيرة وستقلب الموازين بالنسبة لتركيا وعلاقاتها من الغرب والشرق الأوسط. 

اليوم لم يعد يخفى على أحد إشتعال الخلافات بين الإدارة الأمريكية وتركيا، ومن بين تلك القضايا حقوق الإنسان في تركيا، والتي انتقدها الديمقراطيون على وجه الخصوص، واعتراف واشنطن بالإبادة الجماعية التي تعرّض لها 1.5 مليون أرمني في عهد السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، بالإضافة الى شراء تركيا لنظام الصواريخ الروسي “إس-400” الذي أغضب حلفاءها في الناتو وأدى إلى عقوبات أميركية، وكذلك عملها العسكري ضد حلفاء أمريكا الأكراد في شمال سورية، فضلاً عن تحركات أردوغان العدوانية ضد اليونان وقبرص بسبب موارد الغاز في شرق البحر المتوسط، لتتبعها المزيد من الخلافات بشأن التصريحات التركية المعادية لأمريكا، الأمر الذي وصل بالعلاقات الأمريكية التركية إلى حالة غير مسبوقة من التوتر، وفي هذا التطور الجديد أعلنت الرئاسة التركية عزمها على إعادة تقييم ومراجعة العلاقات التركية مع أمريكا في حال استمرار اتخاذ قرارات ضد تركيا، بمعنى أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن وباقي العواصم الغربية، ستكون “خاليةً من المرونة، وعرضةً للأزمات الظرفية”. 

في تقديري أن الرئيس أردوغان سيستمر في إقرار التماهي التركي مع المحور الشرقي، مع استمرار الانعطافة التركية تجاه روسيا، والتهدئة في ملفات الشرق الأوسط وتعزيز العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي، واستكمال التطور في العلاقات مع عدد من الدول بينها مصر والسعودية والإمارات.

 في سياق مواز، إن العلاقات العربية-التركية ستمضي قدماً الى الامام، خاصة بعد محطات التقارب التي أقدم عليها الرئيس التركي قبل نحو عامين لإعادة صياغة السياسة الخارجية مع دول الإقليم  كما أن العلاقات الخليجية-التركية يمكن أن تشهد المزيد من التقدم في الفترة المقبلة، فضلا عن التقدم على مستوى الملف السوري والتي يمكن أن تكلل بتطبيع كامل للعلاقات برعاية روسية.

واليوم يرى المهتمين بالسياسة التركية بأن أنقرة ضبطت ساعتها على توقيت فوز أردوغان بالانتخابات، بما يمنح أنقرة القدرة على التقليل من حدة الخلافات التي باتت تربطها بأغلب جوارها الجغرافي، ويدعم التوجهات الخاصة بإعادة ضبط وتيرة علاقاتها الإقليمية، خصوصاً مع طهران، وبالتالي مع دمشق. 

في المرحلة الراهنة، يحظى الرئيس أردوغان كل الدعم من الدول الحليفة لدمشق (روسيا وايران) على خلفية معلومات تؤكد بأن المعارضة التركية والتي ستقدم مرشحها لمواجهة أردوغان تميل بشكل كلي لأمريكا والدول الغربية، ومن هذا المنطلق فإن المصلحة الروسية الإيرانية دعم بقاء اردوغان بالسلطة. 

ومن جانب آخر فإن وقوف اردوغان على الحياد تجاه الحرب الروسية الاوكرانية بعد الضغوط الغربية على روسيا ومحاولة تطويقها بكل الوسائل جعل من أردوغان وحزبه حاجة ضرورية للبقاء في السلطة ومن هذا المنطلق بدأت قاعدة المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات الروسية التركية. 

من الواضح أن الرئيس الأسد أكد على أن مسار التقارب مع تركيا يجب أن يكون مبني على إنهاء الاحتلال و الانسحاب الكامل للقوات التركية ومرتزقتها من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن، ووقف الارهاب، وهو ما اخذته روسيا في عين الاعتبار وشكلت بالضرورة  قاعدة لمواصلة وساطتها المستمرة بين دمشق وأنقرة. 

بالمقابل، إن فوز أردوغان يثير قلق الأكراد ليس لأكراد تركيا فحسب، بل بالنسبة لأكراد سورية أيضاً،  حيث يعتبر أردوغان عدواً لدوداً وسط مخاوف من تنفيذه عمليات توغل أخرى كان قد هدد بها في شمال سورية.

مجملاً…..لا  يمكن لأحد في العالم أن ينكر الدور الرئيسي الذي لعبته تركيا بالحرب على سورية ولكن الآن وبعد ان فشل المخطط الرئيسي لأنقرة في إضعاف سورية وبعد الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في الميدان، نتساءل: هل تعلن  تركيا عودة علاقاتها مع دمشق قريبا ؟ وهل يتكون محور روسي إيراني سوري تركي لحل الملفات الشائكة بينهما؟ فالقراءات السياسية تقول أن إقتراب أردوغان من المعسكر الإيراني السوري الروسي، سيؤدي الى حل مشاكل كثيرة في بلاده، كما ان تركيا مقبلة بشكل أساسي على تغيرات حاسمة وعميقة تجاه الأزمة السورية، خاصة بعد إنسداد الأفق لديها للخروج من مأزقها الذي وضعه أردوغان في وجهها، وفي تقديري أن الأشهر القادمة ستشهد تدويراً للكثير من الزوايا والقضايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.