حسابات الرِّبْح والخسارة في العلاقات الأمريكية الصّهيونية / الطاهر المعز

776

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 1/6/2021 م …

المُعْطيات:

تمتلك الولايات المتحدة نحو ثمانمائة قاعدة عسكرية حول العالم، من بينها قواعد ضَخْمَة تُحاصر الوطن العربي، في الخليج، وفي القرن الإفريقي وفي المنطقة المُحيطة بالصّحراء الكُبْرى، وفي جنوب أوروبا، بالإضافة إلى الأسطول السادس الذي يجوب البحر الأبيض المتوسط، كما أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية، في فلسطين المحتلة، خصوصًا منذ العدوان على العراق، مواقع عسكرية لتخزين معدات وعربات عسكرية وذخائر وصواريخ وقنابل “ذكية”، بهدف استخدامها في المنطقة، ويستخدم الجيش الصهيوني هذه المعدّات والأسلحة، كلما احتاج إليها، كما حصل خلال العدوان على الشعب الفلسطيني بغزّة، سنة 2014، وكانت “القُبّة الحديدية” ضمن “المخزون الأمريكي، فمعظم المكونات الرئيسية لهذه المنظومة الدّفاعية، من تصنيع شركة “رايثيون” العسكرية الأمريكية التي “تَخَرّج” منها عددٌ من السياسيين والوزراء الأمريكيين، وفشلت “القبة الحديدية في رَصْد ثُلُثَيْ الصواريخ التي أطلَقَتْها المُقاومة الفلسطينية من غزة المُحاصَرَة، استهدف بعض هذه الصواريخ، وبعضها سوفييتية الصّنع وقديمة، ست قواعد عسكرية للجيش الصهيوني، ومطارات ومنصات نفط بحرية ومفاعلات توليد وتوزيع الطاقة، وخزان نفط في عسقلان، وأنبوب نفط اسدود – إيلات، وأدّى إطلاق الصواريخ إلى إغلاق المطارات في فلسطين المحتلة، بحسب نشرة “بوليتيكو” (الأمريكية) بتاريخ 19 أيار/مايو 2021، وشَكّكت الصحيفة الأسبوعية الأمريكية “ناشيونال انترست” (13 أيار/مايو 2021) في فعالية هذه المنظومة الدفاعية التي بالغت الدّعاية الأمريكية والصّهيونية في تعداد مزاياها، مع الإشارة أن تكلفة صواريخ المقاومة تُعادل نحو 300 دولار للصاروخ الواحد ( متوسّط التكلفة)، فيما تبلغ تكلفة صاروخ الإعتراض الواحد الذي تُطلِقُهُ “القُبَّة الحَديدِيّة” نحو خمسين ألف دولارا، وفقاً لمحطة “بي بي سي” 13 أيار/مايو 2021. 

جمعت المقاومة مخلفات ذخائر السّفن الغارقة في سواحل غَزّة، منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك آلاف القذائف والقنابل التي لم تنفجر خلال عُدْوان 2014، وأعادت تصنيعها لتصبح مادّة أوّلية لترسانة صاروخية ناجعة قادرة على اختراق القُبّة الحديدية، وإصابة المُستعمرات الإستيطانية في أماكن عديدة من فلسطين…

نشر موقع “بي بي سي” تحليلاً للإستراتيجية الأمريكية، ومكانة الكيان الصهيوني في المُخطّطات الأمريكية، واستنتجت “تحولات في العلاقة الثنائية” بينهما، حيث “انخفضت الأهمية الاستراتيجية (للكيان الصهيوني) عمّا كانت عليه خلال الحرب الباردة”، بل أصبح البعض (القليل جدًّا) يعترف إن الكيان الصهيوني يُشكّل نزيفًا ماليا كبيرًا، متمثلاً في المُساعدات المالية والعسكرية والسياسية، في حين تُحاول الإمبريالية الأمريكية توجيه جُهُودها لمحاصرة الصّين وروسيا، بحسب مجلة “فورين بوليسي” بتاريخ 27 أيار/مايو 2021.

نشَرَ موقع “بروكينغز” (26 أيار/مايو 2021) بيانات استطلاع أجْرَتْه جامعة “نورث كارولينا” في “بيمبروك”، تُفيد انخفاض مستوى تأييد الكيان الصهيوني بالولايات المتحدة، بما في ذلك بين صُفُوف المَسِيحِيِّين الإنجيلِيِّين، وكتبت مجلة “فورين بوليسي” (27 أيار/مايو 2021): “آن الأوان لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل… لأن تكاليف الدّعم الامريكي، السياسي والمَالِي والعسْكَري، أصبحت تفوق فوائده، وسوف ترتفع هذه التكاليف باستمرار…”، ونشَرَت صحيفة “نيويورك تايمز” (14 أيار/مايو 2021) مقالاً للمرشح الرئاسي السابق “بيرني ساندرز” ينتقد (بلُطف واعتدال شدِيدَيْن) الدّعم الأمريكي غير المَشْرُوط “لحكومة نتن ياهو” (وليس للكيان كدولة ومُؤسسات)، ويُطالب بفَرْضِ قُيُودٍ أو شُرُوط على الدّعم…

الإستخلاصات:

تخضع العلاقات الدّولية لحسابات الرّبح والخسارة، وقد تكون الخسارة مالية أو عسكرية أو سياسية، ولذلك تكثّفت حملة التنديد الرّسْمي والإعلامي بالمَيْز العنصري بجنوب إفريقيا، في مرحلة انهيار الإتحاد السوفييتي، وانتهاء دَوْر نظام الميز العُنصُري (دون وضع حدّ للإمتيازات الإقتصادية للمُسْتعْمِرِين البيض)، وأصبح دعم هذا النّظام مُكلِّفًا، وغير مُجْدٍ…

ينطبق الأمر على الكيان الصّهيوني، فالشعب الفلسطيني واقع تحت الإحتلال والقمع والإضطهاد، والقِسْم الأكبر منه مُشَرّدٌ في المنافي ومخيمات اللُّجُوء، ومن حَقّ هذا الشعب (وأي شعب واقع تحت الإحتلال) المقاومة من أجل تحرير وطنه من الإستعمار الإستيطاني. هذا من حيث المبدأ.

عمليًّا تتمثل فوائد المُقاومة، بكافة الأشكال المُتاحة، والأشكال التي يجب ابتكارُها، في خفض عدد الزائرين والسّائحين والمُترشِّحين من المُستوطنين (المُحْتَمَلِين) لأنهم لا يُريدون أن يُهاجروا ليموتوا أو ليقضوا معظم أوقاتهم مُختبِئِين في الملاجئ، وتؤدّي المقاومة إلى هجرة مُعاكسة (ولو بشكل طفيف)، وإلى خفض حجم المبادلات التجارية، والإستثمارات الأجنبية، لأن رأس المال جَبان بطبيعته، ويبحث عن الإستقرار، ويُغادر المناطق التي تُصبح “غير هادئة” و”غير مُستقِرّة”، كما قد تُؤَدِّي مُقاومة الشعب الواقع تحت الإحتلال إلى خلق شُرُوخ وخلافات داخل صفوف المُسْتَعْمِرِين…

تُؤَدِّي المقاومة (بكافة أشكالِها) إلى زيادة الإنفاق العسكري والأمْنِي للإحتلال الذي يرتفع ثمنه المادّي (الإقتصادي) وكذلك السياسي، فلا يمكن لدولة الإحتلال الصهيوني الإستمرار دون دعم الإمبريالية الأمريكية والأُوروبية، وأَظْهَرَت التجارب التّاريخية أن الإمبريالية تتَخَلَّى عن مَحْمِيّاتها عندما يُصبح الثّمن مُرتفعًا…

شكّلَ احتلال فلسطين أَرْخَصَ استعمار في تاريخ البشرية، لأن الحركة الصهيونية أفرغت البلاد من سُكّانها واستولت على الوطن، واستوْرَدَت سُكّانًا جُدُدًا، بدعم امبريالي بريطاني أوروبي (ثم أمريكي)، ثم بدعم من الأنظمة العربية، ومن قيادات فلسطينية، ومَوّلت الولايات المتحدة وألمانيا الإستعمار مُباشرة بواسطة المِنَح المالية والدّعم العسكري والسياسي، حيث فاق حجم التمويل الألماني تكلفة جميع الحروب العدوانية التي شنّها الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى منحِه سلاحًا متطورًا بخصم يفوق ثُلُثَ القيمة المالية لهذا السلاح (منها سَبْع غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية)، ويبلغ حجم المنحة العسكرية الأمريكية القارة 3,8 مليارات دولارا سنويا، بالإضافة إلى المِنَح الأخرى التي تُقدّر بنحو 3,5 مليارات دولارا سنويًّا، والدّعم السياسي غير المَحْدُود…

أدّت مقاومة الشعب اللبناني إلى مُغادرة جيش الإحتلال لجنوب لبنان، دون مفاوضات ودون شُرُوط، كما أظْهَر عُدوان 2006 أن تكلفة العدوان كانت مُرتفعة، ماليا وعسكريا وسياسيا، لذلك “اقتصَر” جيش العدو على العُدْوان الجَوِّي، دون المُغامرة بالإجتياح البَرِّي، وقد يتطور الأمر في غزة والأراضي المُحتلّة سنة 1967، لو توفَّرَ الدّعم العسكري والمالي والسياسي للمقاومة، ليُصبِح دعم العدو أعلى ثمنًا من فوائد هذا الدّعم، وعلى أي حال وجب أن يرتفع ثمن دعم الإحتلال ليَنْفَضَّ عنه الحُلَفاء، من الإمبريالية والرجعية العربية (ومنها الفلسطينية)، لتبدأ مَسِيرَة التّحْرِير، فللمُقاومة وللإنتصارات الجُزئية والصغيرة تأثير إيجابي على معنويات الجماهير، ويُمثّل تراكم الإنتصارات الجُزئية بدايةً لعملية التّحرير، بشرط عدم تقزيم قضية الوطن المحتل وحصْرِها في مسألة القُدْس أو الجِدار أو مدينة الخليل، وما إلى ذلك، فالقضية تشمل الوطن من البحر إلى النّهر، وتشمل الشّعب الفلسطيني، حيثما كان مَكان إقامته، في الجليل أو النّقب أو غزّة أو أريحا أو مخيمات اللجوء وبقية البلدان التي اضطر الفلسطينيون للإقامة بها، كما لا يمكن فَصْل موضوعات “الإنقسام” الفلسطيني، أو دَوْر منظمة التحرير أو الإنتخابات (تحت الإحتلال)، عن تحديد طبيعة المَرْحَلَة (تحرير وطني)، ومُهامّاتها…  


* يُرجى الإطلاع على تحليل “مركز الدراسات الأميركية والعربية” بواشنطن، بتاريخ 28 أيار/مايو 2021

 

 


التعليقات مغلقة.