تهنئة فلسطينية للمسيحيين العرب والآخرين بعيد الميلاد المجيد / د. كاظم ناصر

320

د. كاظم ناصر ( فلسطين ) – الخميس 24/12/2020 م …

فلسطين بلد الأنبياء والرسل والتآخي الإنساني والعيش المشترك بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة؛ إليها هاجر النبي إبراهيم الخليل من العراق، وعاش وتجول فيها، ودفن هو وزوجته سارة وابنهما يعقوب في مدينة الخليل، وفيها ولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وعلى ترابها وفي قدسها صلى ودعا للمحبة والوئام بين الناس، ومن موقع كنيسة القيامة صعد إلى السماء لينعم بالخلود، وفي القدس أيضا صلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها انطلق للقاء ربه في ليلة الإسراء والمعراج، وعلى ترابها وشوارع ودروب وأزقة مدنها وقراها وقلاعها وسهولها وجبالها وتلالها سار آلاف الأنبياء والمصلحين يدعون الناس للخير، وفي كنائسها ومساجدها ومعابدها تقرب عباد الله من ربهم، ونشروا كلماته وتعاليمه وحبه في فلسطين والعالم.

هذا التآخي الإسلامي المسيحي في فلسطين والوطن العربي رعته وباركته وسقته بالحب تعاليم عيسى المسيح عليه السلام، وطهر ونقاء مريم العذراء التي ” فضّلها الله على نساء العالمين”، وتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعزّزته أخلاق وإنسانية عمر ابن الخطاب، وسيظلّ شامخا وصلبا كشموخ وصلابة شجرة الزيتون الفلسطينية بجذورها العتيقة العميقة، وعلى هذا الهدى الرباني والتعاون والاحترام المتبادل عاش الفلسطينيون معا، واحترموا اختلافاتهم الدينيّة، وتعلّموا قيم وأهمية المحبة والسلام والتسامح من المسيح الذي كان رسول خير وسلام للإنسانية جمعاء، وعلمنا درسا خالدا في المحبة والتعايش المشترك بقوله ” سمعتم أنه قيل: تحبّ قريبك وتبغض عدوّك أمّا أنا فأقول لكم أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم.”

ولهذا يجب علينا ألا نفرّق بين الرسل وما جاؤوا به من ربهم؛ وألا ننسى أن الديانة المسيحية تلتقي مع الإسلام في التوحيد، وأن ندرك أن المواطنة الحقيقية تقوم على المساواة بين المواطنين ولا تفرق بين أديانهم؛ فنحن أبناء شعب عربي واحد شركاء في هذا الوطن الذي نضحي ونكافح معا من أجل تحريره ورفعته وازدهاره، وتاريخ فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، ومصر، والدول العربية الأخرى شاهد على ذلك، ويثبت أن المسيحيين العرب كانت لهم دولهم المزدهرة، وبنوا حضارات عظيمة في منطقتنا ما تزال آثارها باقية كدليل على أصالتهم وإبداعهم وتضحياتهم في بناء وتقدم الوطن العربي ، وساهوا مساهمة محورية في النهضة العربية الحديثة بتقديمهم خدمات جليلة لأمّتنا في السياسة، والإعلام، والأدب، والاقتصاد، والفن، والعلوم.

شعبنا الفلسطيني الذي علم العالم التسامح والعيش المشترك يؤمن بأن ” الدين لله والوطن للجميع “، ويرفض التعصب الديني الذي تبنّته، وموّلته، وعملت على انتشاره بعض الدول العربية خلال العقود اخمسة الماضية، وسخّرته في خدمة حكامها وأنظمتها الدكتاتورية الوراثية التسلطية، والذي بدأ يتراجع لكونه دخيلا على الثقافة الفلسطينية والعربية.

فنحن كفلسطينيين مسيحيين ومسلمين احترمنا تعدديّتنا الدينيّة طيلة تاريخنا، وعشنا معا في مدننا وقرانا، وكنّا وما زلنا وسنظلّ أبناء فلسطين والعالم العربي نكافح معا ضد الاحتلال والظلم والاستبداد والتخلف، ونسجن معا، ونستشهد معا، ونحزن ونفرح معا، وسنظل شعبا واحدا يحترم إرادة الله، ويجلّ أديانه، وننتهز هذه الفرصة لنقول لإخواننا المسيحيين الفلسطينيين والعرب والآخرين أينما كانوا هنيئا لكم بعيد الميلاد المجيد، وكل عام وأنتم بخير، ونردّد معكم قول الله تعالى في إنجيله المقدس” المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة.”