الأزمات اللبنانية المتلاحقة والخوف الدائم على المصير.الجزءالثاني: (1978-1988) / موسى عباس

395
موسى عباس ( لبنان ) – الأحد 13/12/2020 م …
الجزء الثاني
: مرحلة 1978-1982
حدثان بارزان كان لهما  التأثير الأبرز على الساحة الداخلية اللبنانية في العام 1978 :
الأوّل:
إجتياح الجيش الصهيوني في 14آذار 1978 معظم الجنوب اللبناني ووصلت قواته إلى محاذاة مدينة صور. في عملية سمّتها الصحف العبرية(عمليّة الليطاني)
مستغلاً الحرب الأهلية في لبنان، واستخدام الهجوم الإسرائيلي وسيلة لزيادة التفرقة والخلاف بين اللبنانيين، ولتمتين العلاقات مع فريق من اللبنانيين، معادٍ لوجود المقاومة الفلسطينية، ضد الفريق الآخر المتعاطف والمساند  للمقاومة. وقد أدى ذلك فعلاً إلى انشاء جيب عميل متعاون مع الكيان الصهيوني محاذٍ للحدود مع فلسطين المحتلة (ميليشيا سعد حداد)والذي كان موجوداً منذ العام 1976 في بعض قرى “مرجعيون وبنت جبيل”.
كان الكيان الصهيوني يسعى من خلال عدوانه لتحقيق أهداف عدة:
1) الهدف الأول هو: كما حدّده البيان الرسمي الصهيوني، “تصفية القواعد  والمنشآت التابعة للمقاومة الفلسطينية القريبة من الحدود.
2) الهدف الثاني هو: إنشاء ما دعاه الجنرال “مردخاي غور” رئيس الأركان الصهيوني “حزام آمن” على امتداد الحدود اللبنانية بعمق 10 كم داخل لبنان .
وصدر قرار مجلس الأمن رقم 425  بوجوب إنسحابهم إلى الحدود الدوليّة مع فلسطين المحتلّة ودخول قوّات الطوارئ الدولية ، ولكنّهم احتفظوا بمنطقة سمّوها الحزام الأمني على طول الحدود بعمق وصل في بعض المناطق إلى أكثر من عشرة
كيلومترات  ، حكموها  مع ميليشيات العميل “سعد حدّاد” وبعده العميل “أنطوان لحد”.
-الحدث الأبرز  الثاني في العام 1978 كان: إختطاف سماحة السيّد موسى الصدر  أثناء زيارته “ليبيا” بدعوة من رئيسها “مُعمّر القذّافي” ولم يُعرف مصيره ولا مصير مرافِقيْهِ حتى تاريخه.
السيّد موسى الصدر كان معارضاً شديداً للحرب الأهلية وعمل  جاهداً  لإيقافها، كما كان قبل اندلاع الحرب يعمل لأجل تحصيل حقوق الطبقات الفقيرة والمحرومة من أبناء الشعب اللبناني وأسّس لذلك حركة المحرومين بالتعاون مع العديد من الشخصيات ومن مختلف الطوائف والمذاهب اللبنانية، كما انبرى للعمل على مواجهة الإعتداءات الصهيونية على لبنان وأنشأ  أفواج المقاومة اللبنانية لتلك الغاية.
ما من شكّ أنّ مواقفه الحادّة من إهمال وفساد السياسيين وعدم مبالاتهم بالمعاناة والحرمان الذي كان يعاني منه المواطنون  وما كان الجنوبيون يواجهونه من الإعتداءات الصهيونية من جهّة ومن ممارسات غير مسؤولة في بعض المناطق من قبل الجهات السياسية والأمنية التي كانت تهيمن على أرض الواقع من جهّة ثانية ، تلك المواقف إضافةً إلى رفضه لإستمرار الحرب الأهلية وفضحه لأدوار  الجهات التي كانت تعمل على استمرارها
وكذلك غالبية السياسيين الذين كانوا يسيطرون  ويتحكّمون بسير الأمور  والأحداث في لبنان  والذين خاطبهم بقوله:
“أيّها السياسيون أنتم الآفة، إرحلوا عن لبنان”.
وكذلك العديد من الجهّات الخارجية العربية والأجنبية كانوا يُحرّضون ضدّه ويعتبرونه  من أعدائهم ، فتآمروا جميعاً على إزاحته وإخفائه ليختفي دوره وتأثيره لا سيّما بعد أن شهدوا  مدى التأييد الشعبي له من جميع المناطق والطوائف.
– شهدت الأعوام 1978وً 1979 و1980 معارك بين أحزاب الجبهة اللبنانية في المناطق التي كانت تسيطر عليها .
 في13 حزيران 1978 وعلى إثر مقتل عضو بارز في حزب الكتائب على أيدي قوات المردة، أرسل بشير الجميل قواته بقيادة سمير جعجع  إلى “إهدن” وأدّت العملية إلى مقتل  طوني فرنجية ابن الرئيس سليمان فرنجية قائد مليشيات”المردة “وعائلته ومقاتليه فيما عُرف بـ”مجزرة أهدن”.
ووقعت  معارك “توحيد البندقية” التي شنتها القوات اللبنانية ضد مسلحي مليشيا”نمور الأحرار” 1980 (مجزرة الصفرا) وبعدها مع مسلحي “المنظمة الديمقراطية الآرامية ، على أثرها سيطرت القوات اللبنانية على جميع المناطق المسيحية وأصبحت أقوى فصيل مسيحي وأحد الاطراف الرئيسية في الصراع في لبنان.
أصبح بشير الجميّل المسيطر الوحيد على بيروت الشرقية وعلى جميع ميليشيات أحزاب الجبهة اللبنانية، فاندلعت المعارك بين ميليشياته وبين القوات السورية في زحلة وبيروت، وخلالها استغاث الجميّل بجيش الصهاينة  فأرسلوا طائراتهم الحربية التي أسقطت مروحيتين سوريتين.
في الوقت الذي كان فيه الفريق المهيمن على الواقع السياسي والإقتصادي في لبنان  منذ الاستقلال وحتى  اندلاع الحرب الأهلية في نيسان 1975مجموعة من السياسيين الرأسماليين وأصحاب الشركات الاحتكارية الذين  ينتمون إلى مختلف الطوائف الذين عُرِفوا حينها بطبقة ال4%، بينما كانت الأحزاب اليساريّة التي نشأ بعضها قبل الإستقلال وبعضها بعده غير قادرة على فرض وجودها على الرّغم من ثقلها الجماهيري في مختلف المناطق اللبنانية،ولم تكن تستطيع إيصال أكثر من بضعة نوّاب لم يصلوا إلى عدد أصابع اليد الواحدة إلى الندوة البرلمانية في انتخابات عام 1972(الحزب الشيوعي،حزبيّ البعث العربي الإشتراكي ، الحزب القومي السوري الإجتماعي ، الحزب التقدمي الإشتراكي ، حركة الشغّيلة، الأحزاب الناصريّة ) .
بعد اندلاع الحرب 1975 وانقسام بيروت بين شرقيّة وغربية لم يعد قرار تلك الأحزاب السياسي مستقلّا بسبب خضوعها لما كان “ياسر عرفات “يقرّره ويفرضه على الصعيد الداخلي اللبناني، في حين أنّ الكيان الصهيوني كان يُملي إرادته ويَفرضها على الأحزاب اليمينية الموالية له وفي مُقدّمتها (أحزاب الكتائب والأحرار  وحرّاس الأرز وعلى ما سُمّيَ فيما بعد ب حزب القوات اللبنانية) تلك الأحزاب التي لم تُخفِ ولاءها للكيان الصهيوني.
في 17 حزيران 1981، بدأت الطائرات الحربية الصهيونية تقصف  مناطق متعدّدة في لبنان، معظمها في بيروت وفي جنوب لبنان وقد تعرضت المباني والجسور  والبنى التحتية في لبنان إما للتدمير أو ألحق بها أضرار بالغة، ووفقاً للتقارير الصحيّة سقط حوالي 300 ضحيّة بين اللبنانيين والفلسطينيين.
-مرحلة 1982-1988
في 6 حزيران  1982 بدأت إسرائيل الغزو الأكبر للبنان وفي غضون بضعة ايام إحتلّت  مدن الجنوب الهامة مثل صور وصيدا وبعدها مدن جبل لبنان وصولاً إلى “بعبدا” حيث تم احتلال القصر الجمهوري والتقط وزير الحرب الصهيوني  “شارون” صوراً وهو يجلس في كرسي رئاسة الجمهورية ،ودخلت قواته بيروت الشرقية بدعم من القادة السياسيين ومن قادة الميليشيات المارونية، وفي مقدّمتهم “بشير الجميّل”.
أمر رئيس الاركان “رفائيل ايتان” ووزير الدفاع الإسرائيلي “أرئيل شارون” القوات الصهيونية بالتوجه مباشرةً إلى بيروت وفقاً لخطة كان وضعها شارون في أيلول 1981.
وصلت القوات الصهيونية في التاسع من حزيران 1982 إلى منطقة الدامور ، وبعد غارات عنيفة وقصف بحري على مواقع الجيش السوري في تلال منطقة خلدة تقدّمت مدرّعاته نحو “مُثلّث خلدة” على المدخل الجنوبي للعاصمة بيروت ، فوقعت في الكمائن التي نصبها المقاتلون من القوى الفلسطينية والوطنيّة والإسلامية وأوقعت فيها خسائر فادحة في الجنود والآليات وتمّ أسر إحدى الآليات ، وتوقّف الهجوم الذي قتل قائده نائب رئيس الأركان  “الجنرال بكتوئيل آدم “في المنطقة القريبة من “الدامور”، ولم يستطع جيش “شارون” إختراق صفوف المدافعين بالرغم من تكرار الهجمات ، لكنّ المدافعين اضطروا للانسحاب بعد ثلاثة أيّام من المواجهات العنيفة بعد نجاح الصهاينة في احتلال منطقة صحراء الشويفات .
حصار بيروت:
في 15 حزيران 1982 أصبحت منطقة بيروت الغربية محاصرةً بالكامل
ولمدّة سبعة أسابيع متتالية تعرضّت  للقصف البرّي والبحري والجوّي وقطع للكهرباء والمياه ومحاولات  متتالية للإقتحام لكنّها فشلت جميعها بفعل تصدّي بطولي من قبل مقاتلي المقاومة الفلسطينية والأحزاب الوطنية اللبنانية وأدّى القصف الصهيوني إلى سقوط آلاف المدنيين قتلى وجرحى.
– بعد الفشل المتكرّر  لجيش الصهاينة أرسلت الولايات المتحدّة الأمريكية
” فيليب حبيب” مبعوثاً إلى  المنطقة يتفاوض مع الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية لانهاء الحصار.
في 12 آب توصل حبيب إلى هدنة تقتضي خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وانسحاب القوات الصهيونية ووصول قوات أمريكية وفرنسية وإيطالية للاشراف على خروج مقاتلي منظمة التحرير وتأمين الحماية للمدنيين العزّل من الفلسطينين.
وصلت القوات الفرنسية والأمريكية والفرنسية تباعاً في 21، 24 و 26 من آب وفي 30  من آب اشرفت القوات المتعددة الجنسيات على خروج منظمة التحرير من بيروت بحراً إلى اليونان ومن اليونان إلى سوريا وتونس والاردن والجزائر والعراق.
وانسحبت القوات المتعددة الجنسيات بخلاف الإتفاق الذي كان ينص على بقائها لحماية المخيّمات.
 -وفي 23 آب وتحت ضغط الاحتلال ، انتُخب  بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية وبمقاطعة عدد من النواب  لجلسة الإنتخاب.
 -في 11 أيلول 1982، قابل بشير الجميل رئيس الوزراء الصهيوني “مناحم بيجين”  ووعده باتخاذ الخطوات لبدء علاقات دبلوماسية بين لبنان وكيان العدوّ بمجرد أن يتسلم رئاسة الجمهورية اللبنانية.
– قبل أيّام من تسلّمه منصب الرئاسة تم اغتياله في 14 أيلول 1982 عندما فجّر “حبيب الشرتوني” العضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي مبنى حزب الكتائب في بيروت الشرقية.
-بعد مقتله هاجمت ميليشيات القوات اللبنانية وميليشيات “سعد حدّاد” مخيّمات اللاجئين المدنيين العُزّل في “صبرا وشاتيلا” وارتكبوا مذبحة ضحيتها أكثر من 3000 مدني قتيل غالبيتهم العظمى من الفلسطينيين والباقي من اللبنانيين الذين كانوا يقطنون تلك المخيّمات، وذلك تحت إشراف ومتابعة وحماية المجرم “إرئيل شارون” ورئيس أركانه.
في أواخر أيلول وأوائل تشرين الأول  1982 أُرغِم الجيش الصهيوني على الإنسحاب من “بيروت” يجرّ أذيال الخيبة العسكرية بعد أن تكبّد خسائر فادحة في صفوف ضبّاطه وجنوده وآليّاته لم يتوقّعها بفعل العمليّات البطولية للمقاومين الوطنيين اللبنانيين .
وفي 3 أيلول 1983 بدأ الصهاينة انسحابهم من جنوبي بيروت ومن الطريق الدولي في منطقة الجبل واندلعت إشتباكات عنيفة بين مقاتلي الحزب التقدمي الإشتراكي وحلفائه من جهّة ومقاتلي القوّات اللبنانية بقيادة”سمير جعجع”، انتهت بطرد القوّات اللبنانية من مناطق جبل الشوف.
-اتفاق 17 أيّار 1983
-بعد  مقتل “بشير الجميّل”فرض الصهاينة على مجلس النواب اللبناني  انتخاب شقيقه “أمين الجميّل ” رئيساً للبنان .
وبرعاية أمريكية وبعد  مفاوضات بين مندوبين عن الكيان الصهيوني ومندوبين عن لبنان تمّ توقيع اتّفاقية 17 أيّار 1983
  من قبل أمين الجميّل الذي قرّر سحق أيّ معارضة للإنفاق بالقوّة العسكرية وطلب من الجيش اللبناني تنفيذ ذلك  .
ظن الصهاينة وحلفاؤهم أن حرب لبنان قد انتهت بنصرٍ مبين، وبدت اتفاقية سلام لبنانية – صهيونية  وكأنّها تحصيل حاصل، ولكن العمليّات العسكريّة  المتتالية للمقاومين الوطنيين  وإنتفاضة   6 شباط 1984 أدّت إلى سقوط الإتفاق وانقسام الجيش اللبناني وخضوعه لقيادتين  واحدة في غربي بيروت والثانية في بعبدا.
 وعاد لبنان إلى ساحة تحكمها الميليشيات الطائفية والمذهبية التي عملت على  تقسيم النفوذ في المناطق فيما بينها وشكّلت دويلاتها  وإداراتها المدنيّةالخاصّة بها , وحصلت صدامات مسلّحة فيما بينها ، وكذلك بينها وبين المخيّمات الفلسطينية  استمرّت متقطّعةً  ما بين أيّار 1985وتمّوز 1988 .
وكانت القوّات السوريّة قد عادت إلى بيروت في 22شباط من العام 1987 عادت  القوات  بناء على طلب رسمي من رئيس الحكومة”د.سليم الحصّ” وبعض القيادات في بيروت لوضع حدّ للقتال بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي الذي كان يهدّد بفتنة مذهبية خطيرة.
يتبع.