هكذا نكّل الصهاينة بأطفال اليهود العرب / سيد أمين
كنت أتصور أن الإجرام الصهيوني بحق المدنيين هو فقط نتاج عقيدة صهيونية متطرفة تعادي كل ما هو غير يهودي، لا سيما لو كان فلسطينيا، وأن ما نسمعه عن اختلافات داخل بنيان المجتمعات اليهودية إنما هو مجرد اختلافات سياسية تتعلق فقط بالاستحواذ على السلطة والثروة، لكن ما اكتشفته أن هذا الإجرام يشمل أيضا اليهود العرب.
كانت هناك تصريحات مثيرة للحاخام الصهيوني الشهير يوسف مزراحي، الذي أفتى سابقا بوجوب تدمير كنائس المسيحيين، بل ووجوب إبادة من هو غير صهيوني، أكد فيها قيام إسرائيل بالاتفاق مع السلطات الأمريكية بخطف أطفال من اليهود المنحدرين من أصول يمنية وعربية، بوصفهم غير متعلمين وفقراء وأقل تدينا من اليهود الأوروبيين “الأشكناز”، لإجراء تجارب طبية عليهم، ثم بيعهم لعائلات يهودية في أوروبا وأمريكا.
وقال مزراحي في التسجيل المصور “من أجل الحصول على أسلحة نووية، كان علينا أن نبيع أطفالا سودا سُرقوا من عائلات يهودية يمنية إلى الولايات المتحدة لإجراء تجارب طبية، والآن تمتلك إسرائيل ما يكفي من الطاقة النووية للقضاء على العالم كله في دقيقة واحدة”.
تفاصيل الجريمة
تفاصيل اختفاء “أطفال يهود اليمن”، وهو الاسم الذي عُرفت به القضية إعلاميا، تحمل الكثير من التفاصيل، منها أن هناك نحو ألف حالة تم توثيق اختفائها رسميا، ومن ثَم لم تكن هناك وجاهة لهذا الإنكار الرسمي الطويل، لأن هذا العدد كان يجب أن يكفي ويزيد للاعتراف بالظاهرة.
حتى تلك الأسباب التي كانت تطلقها السلطات لتبرير الموت الجماعي للأطفال، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 4500 طفل، لم تكن مقنعة قط، ناهيك عن أنها خصَّت فقط أطفال اليمن تحديدا وبعض القادمين من الدول العربية دون سواهم، والأنكى أنها لم تقدّم لذويهم جثث أطفالهم، ولم تكشف لهم عن قبورهم، ولم تمنحهم حتى وثائق وفاة.
وللخلاص من تلك الأسئلة التي يطرحها ذوو الضحايا، تحججت السلطات بأن الأطفال ماتوا بأمراض مُعدية، مما توجب معه سرعة دفنهم دون الانتظار لإصدار وثائق الوفاة، أو إجراء طقوس دينية تفرضها العقيدة اليهودية.
وتقول بعض العائلات المهاجرة إنه بعد ولادة أطفالها مباشرة، أبلغتهم السلطات الصهيونية بأن أطفالهم قد ماتوا، دون أن تقدّم لهم جثثهم، في حين طُلب من آخرين ترك أطفالهم المرضى في مراكز الرعاية، وعندما عادوا لاصطحابهم، قيل لهم إنهم نُقلوا إلى المستشفيات، ولكن لم تسنح لهم فرصة رؤيتهم مرة أخرى، واستمر الأمر محل شد وجذب لعقود لاحقة.
انكشاف اللغز
ومثّلت ظاهرة اختفاء الأطفال الحديثي الولادة من بين أبناء اليهود العرب المهاجرين إلى إسرائيل بعد تأسيسها لغزا محيرا كان عصيا على الحل حينها، حتى بدأت تتفكك عقدة خيوطه واحدة تلو الأخرى مع مرور الزمن.
ظلت التساؤلات عالقة حتى جاء اعتراف تساحي هنغبي، الوزير المكلَّف بفحص هذا الملف في حكومة بنيامين نتنياهو، في لقاء تلفزيوني، بخطف أطفال يهود يمنيين وبيعهم لعائلات من اليهود الأشكناز “الأوروبيين” الذين لا ينجبون، ولا يمثلون أعراقا يهودية صافية كيهود اليمن الذين كانوا يحافظون على عدم اختلاط سلالتهم بأي جنس آخر خارج قبائلهم منذ قرون.
تلت هذا الاعتراف تصريحات أخرى لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، عبَّر فيها عن تضامنه مع أسر الضحايا، وأمر بصرف تعويضات مالية كبيرة لذويهم، وبذلك أكدت تلك الاعترافات كل الاتهامات التي كانت توجهها عائلات الأطفال ومنظمات حقوقية عن الجريمة التي ارتكبتها حكوماتها ضد أطفالها، وأنهت في الوقت ذاته الجدل والغموض الذي أحاط بهذه القضية.
وكشفت هذه التصريحات، وما تبعها من نشر صور لأطفال يهود في مختبرات طبية يخضعون لفحوص طبية، كذب نتائج تحقيقات ثلاث لجان سابقة شكّلتها حكومات سابقة، ولم تُجِب جميعها عن العديد من التساؤلات، في محاولة لطمس القضية وإنكار حقيقة الاختطاف.
ألغاز القضية
ويبقى هناك سؤالان مهمّان قد يكونان السبب وراء الإنكار الصهيوني لهذه الجريمة، لأن الاعتراف بالجريمة سيتوجب معه الإجابة عنهما؛ الأول عن طبيعة التجارب الطبية التي أُجريت على أولئك الأطفال، وضرورتها، ونتائجها.
والسؤال الثاني عن البرنامج النووي الصهيوني، وسر ربط أمريكا بين اختطاف هؤلاء الأطفال وتزويد إسرائيل بترسانتها النووية الكفيلة بتدمير العالم كله في دقائق، كما يقول الحاخام الإرهابي مزراحي.
هناك إجابات ملتبسة عن السؤال الأول تتحدث عن أن السبب قد يكون حرص اليهود الأوروبيين على إدخال سلالات يهودية محافظة في عائلاتهم، وهو ما توافر في السلالات اليمنية، أو تعويض ضحايا المحرقة النازية “المزعومة” ممن فقدوا أبناءهم بأطفال آخرين، وهناك من يرى أن الهدف يدور حول التجارب العلمية التي كانت تحتاج إليها الصناعات العسكرية البيولوجية الإسرائيلية لمعرفة خصائص الشخصية العربية.
لكن الإجابة عن السؤال الثاني ما زالت بحاجة إلى التفسير.
فهل يفكر العرب في وسائل ناجعة لردع إسرائيل، غير طلب الرحمة، وقد شاهدوا بأعينهم ماذا فعلت بحق أطفال يهود لأنهم فقط تربّوا في بيئة عربية؟