دلالات نجاح اليمن بقصف مطار بن غوريون / حسن حردان

حسن حردان ( لبنان ) – الثلاثاء 6/5/2025 م …
تتوالى التطورات في جبهات المواجهة المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة، وفي سابقة لافتة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية مسؤوليتها عن استهداف مطار بن غوريون الإسرائيلي في قلب تل أبيب بصاروخ فرط صوتي جديد. وقد أكدت مصادر «إسرائيلية» سقوط الصاروخ في حرم المطار وتعطل حركة الملاحة الجوية لفترة وجيزة، مع الإقرار بفشل أنظمة الدفاع الجوي المتعددة الطبقات.
يشكل هذا الحدث، تطوراً هاماً ونقلة نوعية في القدرات اليمنية، بغضّ النظر عن التوصيف الدقيق للصاروخ، ويعكس دلالات متعددة، كما من المتوقع أن تكون له تداعيات على الداخل «الإسرائيلي» وعلى مسار حرب الإبادة الصهيونية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
أولاً، على صعيد النقلة النوعية في الصراع:
يشكل نجاح القوات اليمنية في تطوير هذا النوع من الصواريخ الفرط صوتية تطوراً هاماً لأنه يحدث نقلة نوعية في عملية إسناد غزة، ويمكّن اليمن من توسعة تأثيره على كيان الاحتلال والضغط عليه بقوة لوقف حربه على غزة، من خلال فرض حصار جوي على جواء فلسطين المحتلة يمنع شركات الطيران العالمية من تسيير رحلاتها إلى المطارات «الإسرائيلية» لا سيما مطار بن غوريون الذي يُعتبر البوابة الرئيسية التي يتواصل من خلالها الكيان مع العالم الخارجي، وهذا يعني انّ الحصار البحري بمنع السفن الإسرائيلية وتلك التي تذهب إلى موانئ الاحتلال من عبور البحر الأحمر وباب المندب، يتعزز بحصار جوي، وهو ما يرعب حكومة العدو، خصوصاً بعد فشل الغارات الأميركية المكثفة على اليمن في إضعاف القدرات اليمنية وفك الحصار البحري الذي على الموانئ الإسرائيلية.
ثانياً، على صعيد الدلالات:
ـ يعتبر اختراق الدفاعات الجوية «الإسرائيلية» والأميركية، الأكثر تطوراً في العالم، بواسطة صاروخ من اليمن نجح في الوصول إلى أهمّ منطقة حساسة هي مطار بن غوريون، يعتبر ذات دلالات بالغة الأهمية تؤشر إلى مدى تطور القدرات اليمنية.. على أنّ فشل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة مثل «حيتس» (Arrow) والأميركية مثل «ثاد» (THAAD) في التعامل معه، إخفاقاً لافتاً للمنظومة الدفاعية «الإسرائيلية» الأميركية التي طالما اعتبرت الأكثر تطوّراً وتشكل درعاً حصيناً لا يمكن اخترافه.
هذا الاختراق يمثل بحدّ ذاته «نجاحاً» للقوات اليمنية في تجاوز أربع طبقات من الدفاع «الإسرائيلي».
2 ـ توسيع نطاق الاستهداف: يمثل استهداف مطار بن غوريون الرئيسي في الكيان الإسرائيلي تطوراً في نوعية الأهداف التي تطالها الصواريخ والطائرات المُسيّرة اليمنية، والتي كانت تتركز في السابق على أهداف عسكرية أو بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن أو مدينة إيلات جنوباً… هذا التوسع يشير إلى نجاح اليمن في تطوير صواريخه القادرة على الوصول إلى عمق الأراضي «الإسرائيلية».
3 ـ تأكيد اليمن على الاستمرار في الضغط على كيان الاحتلال: حيث تأتي هذه العملية في سياق العمليات العسكرية التي تنفذها القوات اليمنية إسناداً للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة. وتؤكد على استمرار هذا الدعم والضغط على «إسرائيل» لوقف حربها الإجرامية على القطاع، بغضّ النظر عن الاعتداءات «الإسرائيلية» الأميركية التي تتعرّض لها اليمن وكلفتها، لأنّ اليمن قيادة وجيشاً وشعباً أكد استعداده لدفع هذه الكلفة وعدم التخلي عن الشعب الفلسطيني ومقاومته مهما كانت التضحيات.
4 ـ الحرب النفسية والإعلامية: يحمل الإعلان عن استخدام صاروخ «فرط صوتي» دلالة إضافية في إطار الحرب النفسية، حيث تسعى القوات المسلحة اليمنية إلى إظهار امتلاكها قدرات صاروخية متقدّمة تشكل تحدياً جديداً لـ «إسرائيل» وحلفائها. الأمر الذي يثير القلق لدى القيادات الإسرائيلية».
ثالثاً، على صعيد التداعيات على الداخل الإسرائيلي».
في هذا الإطار يمكن رصد جملة من التداعيات:
1 ـ اهتزاز الشعور بالأمان، ذلك أنّ استهداف مطار بن غوريون، الذي يمثل بوابة «إسرائيل» الجوية الرئيسية ورمزاً لحياتها الطبيعية وتواصلها مع العالم، ضربة قوية للشعور بالأمان لدى «الإسرائيليين». ولهذا أدّى الانفجار المدوّي في المطار إلى حالة من الهلع وتعطيل للحركة الجوية، ونزول الملايين إلى الملاجئ، مما يذكّر «الإسرائيليين» بأنّ الحرب التي يواصل جيش الاحتلال شنها ضدّ قطاع غزة، لا تزال قادرة على التأثير مباشرة على حياتهم اليومية.. وانّ حكومتهم لا تستطيع مواصلة الحرب، وتجنب تداعياتها الأمنية على الداخل «الإسرائيلي» والتي تؤدي إلى فقدان المستوطنين الأمن والاستقرار، والى جانب إضعاف الحركة الاقتصادية..
2 ـ التشكيك في فاعلية الدفاعات الجوية، حيث يثير فشل منظومات الدفاع الجوي في اعتراض الصاروخ تساؤلات جدية داخل «إسرائيل» حول مدى فاعلية هذه المنظومات في مواجهة التهديدات الصاروخية بعيدة المدى، خاصة تلك التي قد تأتي من جبهات غير تقليدية كاليمن. هذا التشكيك يمكن أن يزيد من الضغط على الحكومة والجيش لإيجاد حلول لهذه المعضلة.
3 ـ زيادة الضغط على الحكومة لوقف الحرب في غزة:
قد يزيد هذا التطور من الضغط الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو، التي تواجه بالفعل انتقادات بشأن إدارتها للحرب على غزة والفشل في تحقيق أهدافها المعلنة وباتت أغلبية الإسرائيلية تؤيد صفقة تنهي الحرب حسبما ذكرت القناة 12 في استطلاع آخر أجبرته وأظهر انّ 72 بالمائة مع وقف الحرب، اما الردّ الإسرائيلي الأميركي بتصعيد العدوان على اليمن فإنه لن يؤدي إلى ثني القيادة اليمنية على مواصلة إسنادها لغزة وربط وقف هذا الإسناد بوقف الحرب الإسرائيلية عليها.
4 ـ التأثير الاقتصادي: من المعروف انّ تعطيل حركة الملاحة في مطار بن غوريون يمكن أن تكون له تداعيات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، من خلال التأثير على حركة السياحة والتجارة والاستثمارات، فضلاً عن تكلفة تعزيز الإجراءات الأمنية والدفاعية حول المنشآت الحيوية.
رابعا، على صعيد التداعيات على حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة:
1 ـ عودة ربط الجبهات وتصاعد الضغط الإقليمي: يؤكد هذا الهجوم مجدّداً على استمرار ترابط الجبهات في المنطقة وتصاعد الضغط الإقليمي على «إسرائيل» بسبب حربها في غزة. فاليمن، كجزء مما يُعرف بـ محور المقاومة، يواصل عملياته لدعم غزة وربط أيّ تهدئة أو وقف لإطلاق النار بوقف العدوان «الإسرائيلي» على القطاع.
2 ـ تعقيد المشهد العسكري لـ «إسرائيل»: تضطر «إسرائيل» إلى التعامل مع جبهة اليمن التي تبعد 2000 كلم مما يستنزف قدراتها العسكرية والاستخباراتية ويجعل عملية التركيز على غزة أكثر تعقيداً.
3 ـ التأثير على حسابات التصعيد: قد يؤثر هذا التطور على حسابات «إسرائيل» بشأن توسيع نطاق عملياتها العسكرية في غزة أو في الشمال، حيث أن فتح جبهات جديدة أو تصعيد الجبهات القائمة قد يؤدي إلى ردود فعل غير متوقعة من أطراف إقليمية تمتلك قدرات صاروخية وطائرات مُسيّرة.
4 ـ دعم معنوي للمقاومة في غزة: حيث ينظر إلى العمليات التي تقوم بها اليمن كشكل من أشكال الدعم للمقاومة في غزة.
بناء على ما تقدّم، يمثل استهداف مطار بن غوريون بصاروخ آتٍ من اليمن حدثاً مهماً يسلط الضوء على اتساع رقعة الصراع وتزايد التحديات الأمنية التي تواجهها «إسرائيل» نتيجة إصرارها على مواصلة حرب الإبادة في غزة على أنه مجرد وصول الصاروخ اليمني إلى قلب مطار بن غوريون وفشل محاولات اعتراضه، يبعث برسالة قوية مفادها أنّ اليمن بات يمتلك القدرة على التأثير على العمق الإسرائيلي، مما يشكل ضغوطاً إضافية على حكومة تتتياهو بسبب استمرارها في شنّ الحرب الوحشية