نعم، سجن صيدنايا فظيع .. افتَحوا جميع السجون بالدول العربيّة / زهير حليم أندراوس
زهير حليم أندراوس* ( فلسطين ) – الخميس 26/12/2024 م …
في صيف العام 1983 عندما كنت أدرس في إيطاليا عدت لفلسطين لزيارة عائلتي في ترشيحا، شمال فلسطين، وخلال العطلة قام جهاز الأمن العّام (شاباك) باعتقالي بتهمة الانتماء للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، ونُقِلتُ إلى معتقل (الجلمة)، بالقرب من حيفا، لا أريد في هذه العُجالة الدخول في التفاصيل، ولكنّ التعذيب والتنكيل اللذين تعرضت لهما من قبل المُحققين كان أكبر وأخطر ممّا يُوصَف، حيث استخدموا الأساليب النفسيّة الحقيرة، التي تركت آثارًا وأعراضًا ما زلتُ حتى اليوم أعاني منها، وجرى كلّ هذا دون أنْ تعرف عائلتي عن مصيري.
***
سقتُ هذه المقدمة الشخصيّة، على وقع الكشف عن سجن صيدنايا في سوريّة، وكيف شنّ الإعلام العربيّ بسواده الأعظم حملة شرسةً ضدّ النظام السابق بقيادة الدكتور بشّار الأسد، وعبّر الجميع، دون استثناءٍ، عن غضبهم واشمئزازهم ممّا كان يجري في السجن. لا مشكلة بالمرّة أنْ يُكشَف القناع عن القناعِ، ولكن الهجمة الإعلاميّة على السجن السوريّ، كانت مقدّمةً لتصفية الحسابات مع النظام السابق وعرضه أمام العالم قاطبةً بأنّه كان مستبدًا ودمويًا إلى أبعد الحدود، متناسين عن سبق الإصرار والترصّد أنّ النظام السابق على علاته، حارب إسرائيل ولم يعترف بها، ورفض الإغراءات التي قُدّمَت له للتصالح مع إسرائيل، كما أنّه شكّل خطّ إمدادٍ للأسلحة لحزب الله اللبنانيّ، وتعرّض جرّاء ذلك لعقوباتٍ شديدةٍ من رأس الأفعى، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، بهدف إسقاطه، علاوةً على ذلك كان نظام الرئيس بشّار الأسد، هو الذي استقبل التنظيمات الفلسطينيّة على أراضي الجمهوريّة السوريّة وسمح لها بإقامة معسكرات تدريبٍ، أيْ أنّه كان داعمًا للمقاومة، في الوقت الذي كانت فيه دول عربيّة أخرى تقوم بالتطبيع مع الكيان الصهيونيّ وتعقد معه اتفاقيات الاستسلام، وليس السلام، المُعيبة والمُذلّة.
***
وَجَبَ عليّ التأكيد أنّني لا أدافع عن النظام السابق، ولا أسمح لنفسي كإنسانٍ وكعربيٍّ وكفلسطينيّ أنْ أدافع عن نظامٍ استبداديٍّ في الوقت الذي يتعرّض فيه شعبي الفلسطينيّ لعملية إبادةٍ جماعيّةٍ في قطاع غزّة، أمام أعين العرب والمُسلمين، الذين لا يُحرّكون ساكنًا، بل أكثر من ذلك، فإنّ عددًا من الدول قامت عن طريق واشنطن بتزويد الأسلحة والعتاد للكيان كي يُواصِل مذبحة فلسطين، وما زالت المذبحة مستمرّة، في حين يُحافظ العرب على صمت أهل الكهف، وهو مشهدٌ في قمّة العبثيّة.
***
المأساة التي نعيشها أنّ العديد ممّن يعتبرون أنفسهم من النخبة أوْ المثقفين، يُقيمون في دولٍ عربيّةٍ استبداديّةٍ، ومن هناك، عبر محطات التلفزة ووسائط التواصل الاجتماعيّ، يقومون بالتنظير عن الديمقراطيّة للشعب السوريّ، وفي هذا السياق يحِّق لنا أنْ نسأل: هل الذي بيته من زجاجٍ يحِّق له أنْ يرمي الحجارة على الآخرين؟ بأيّ حقِّ تُهاجمون النظام السوريّ السابق وأنتم تعيشون في دويلاتٍ سيادتها منقوصة ومليئة بالقواعد العسكريّة الأمريكيّة؟ لماذا لا تنتقدون الأنظمة الحاكمة الأخرى، حيثُ تعيشون أوْ تُقيمون، ما هذا الانفصام؟ إنّه يؤكِّد المؤكّد أنّ النظام الاستبداديّ في سوريّة كان بمثابة مطيّةٍ لدول الرجعيّة العربيّة للقضاء على هذا البلد، الذي نعته المارد العربيّ، المغفور له، جمال عبد الناصر، بقلب العروبة النابض، طبعًا وفق مخططٍ أمريكيٍّ-تركيٍّ-إسرائيليٍّ لتقاسم الغنائم في سوريّة.
***
مباشرة بعد سقوط النظام السابق سارعت دولة الاحتلال الإسرائيليّ إلى شنّ هجماتٍ ضدّ سوريّة واحتلت الجزء السوريّ من جبل الشيخ، وظهر رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو في قمّة الجبل وهو يحمل علم الكيان مُعتبرًا إيّاها صورة انتصارٍ على سوريّة، ولم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل قامت باحتلال أراضٍ سوريّةٍ أخرى، وأعلن أقطابها أنّهم لن ينسحبوا منها “دفاعًا عن أمن الدولة العبريّة”، وجرت هذه الأعمال الإسرائيليّة المُناقضة والمُنافية لكلّ القوانين الدوليّة في ظلّ صمتٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ مُهينٍ، ولم نسمع عن تحرّكات لوقف المدّ الصهيونيّ في البلد العربيّ الذي “تحرّر”، واستمرّت إسرائيل في عملياتها وقضت نهائيًا على الأسلحة التابعة للجيش العربيّ السوريّ، ودمرّت عمليًا الترسانة العسكريّة السوريّة والعرب يتفرّجون ويُتابعون المشاهد المُقززة القادمة من سجن صيدنايا، والآن بعد “تحرير” سوريّة وتسلّم أبو محمد الجولاني مقاليد السلطة، تحوّل هذا البلد العربيّ إلى مناطق احتلال أمريكيّةٍ وتركيّةٍ وإسرائيليّةٍ، ولا نستبعد بتاتًا أنْ يتّم تقسيم سوريّة إلى دويلاتٍ إثنيّةٍ، عرقيّةٍ، مذهبيّةٍ وطائفيّةٍ، تتصارع فيما بينها ليربح الأمريكيّ والتركيّ والإسرائيليّ، علمًا أنّ سوريّة مليئة بالموارد الطبيعيّة وفي مقدّمتها النفط.
***
والآن بعد أنْ غاب الثلج وبان المرج، ومن منطلق الاستقامة الفكريّة والانتماء للعروبة، نسأل وبحقٍّ: أنتم الذين احتفلتم بالكشف عن الفظائع في سجن صيدنايا، لماذا لا تتحرّكون، بصفتكم مدافعين عن حقوق الإنسان العربيّ؟ لماذا لا تتحرّكون وتُطالبون بفتح السجون في جميع الدول العربيّة من المُحيط إلى الخليج؟ ما الذي يمنعكم من هذا المطلب الإنسانيّ؟ هل هو خوفكم من أنْ تعود مشاهد وفظائع صيدنايا بسجون الدول العربيّة الأخرى وتخسرون الرهان؟ لماذا هذه التفرقة بين دولةٍ عربيّةٍ وأخرى؟ فتح السجون العربيّة يجِب أنْ يكون مطلبًا لكلّ عربيٍّ شريفٍ وحُرٍّ لمنع الدوس على الإنسان العربيّ بقبضةٍ من حديدٍ.
***
وفي النهاية هناك قضية أخرى: ماذا مع السجون الإسرائيليّة؟ ماذا مع المعتقلين الفلسطينيين، الذين يتعرّضون للضرب والتعذيب والتنكيل على مدار الساعة، ناهيك عن عمليات الاغتصاب والاعتداءات الجنسيّة الفظيعة، بربّكم وبدينكم لماذا تُحافظون على الصمت؟ مذبحة فلسطين مستمرّة وأنتم مع السيّد الأمريكيّ، ولكن أين إنسانيتكم؟ لماذا لا تُعّدون التقارير عمّا يجري في سجون كيان الاحتلال؟ ألا تخجلون من أنفسكم عندما تقوم صحيفة عبريّة بإعداد تحقيقٍ تقشعّر له الأبدان عمّا يفعله الاحتلال بالأسرى السياسيين الفلسطينيين؟ ألا تخجلون؟
* كاتبٌ من بلدة ترشيحا، شمال فلسطين