تحقيق استقصائى هام جدا عن العلاقات الاقتصادية والتجارية والبحرية بين مصر والكيان الصهيوني خلال حرب غزة / أحمد جمال زيادة

0 223

أحمد جمال زيادة ( مصر ) – الخميس 7/11/2024 م …

في مايو الماضي، أفاد موقع “port2port” الإخباري العبري، المتخصص في شؤون النقل والمواصلات، أن شركة “ميدكون لاينز” للشحن البحري قررت افتتاح خط ملاحي جديد يهدف إلى تسهيل عمليات الشحن بين القاهرة وتل أبيب

في تمام الساعة السابعة من صباح يوم الإثنين 28 أكتوبر الماضي، رست السفينة (MV Kathrin)، على ميناء الإسكندرية، ضمن عشرات السفن التي تصل الميناء يوميًا، حاملة علم ألمانيا، بعد رحلة طويلة قطعتها منذ يوليو الماضي، حيث انطلقت من فيتنام إلى منطقة البلقان تحت علم جزيرة “ماديرا” البرتغالية، فيما بدت الأمور بالنسبة للجميع طبيعية إلى حد كبير، قبل أن تفجر منظمات دولية وجهات حقوقية صدمة مدوية حول السفينة التي أشيع في ساعات لاحقة أنها حملت أطنانًا من المواد الحربية والمتفجرات لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأن هناك ثلاث دول – على الأقل- رفضت استقبالها: (مالطا، وناميبيا، وأنجولا).

على مدار 72 ساعة، كثفت زاوية ثالثة، من خلال فريق بحث استقصائي، التواصل مع جهات ومصادر دولية ومحلية، فضلًا عن تتبع مسار السفينة من خلال مواقع مراقبة حركة السفن العالمية، ورصد كافة المعلومات المرتبطة بمسارها، وحمولتها، وما حدث في ميناء الإسكندرية، ومَن الشركة المسؤولة عن ذلك؟، كذلك ناقشت مع خبراء ومتخصصين، فضلًا عن المصادر الرسمية، القوانين الدولية الحاكمة لاستضافة السفن التي تحمل مواد حربية وآلية التعامل معها، وأخيرًا مستقبل السفينة، التي ترسو في ميناء الإسكندرية حتى كتابة هذا التحقيق، ومن المتوقع أن تغادر في 5 نوفمبر المقبل.

رحلة السفينة الغامضة

بحسب موقع (MarineTraffic) المختص بمراقبة وتتبع حركة الملاحة الدولية، غادرت السفينة (كاثرين) والتي تحمل رقم (9570620)، ميناء فيتنام في 22 يوليو الماضي، ووصلت إلى ميناء الإسكندرية في 28 أكتوبر الجاري، فيما تشير معلومات حصلت عليها زاوية ثالثة إلى أن السفينة لم تبحر إلى موانئ الأراضي المحتلة مباشرة، خشية استهدافها؛ لذلك فضّلت المرور عبر رأس الرجاء الصالح، ما يفسر الوقت الطويل الذي استغرقته في عرض البحر، وكانت السفينة تخطط للرسو في إحدى دول جنوب أفريقيا مثل. ناميبيا أو أنجولا، قبل أن تنجح ضغوط المنظمات الدولية في مقدمتها حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) ومنظمة العفو الدولية، في إقناع العديد من الدول لرفض استضافتها، لترسو نهايةً في مصر.

خلال رحلتها، وبسبب الضغوط الدولية المتوالية عليها، اضطرت السفينة إلى تغيير العلم البرتغالي، بناء على طلب من الحكومة البرتغالية، ووضعت بدلًا عنه العلم الألماني. وقد أثبتت حركة التتبع على مواقع الملاحة أن السفينة هي نفسها وتحمل نفس الرقم، لكنها غيرت على الدولة فقط بهدف تجنب الضغط على حكومة البرتغال.

هنا تجدر الإشارة إلى أن المركز الأوروبي للدعم القانوني (ELSC) قد أرسل إشعارًا قانونيًا إلى الحكومة البرتغالية، في سبتمبر الماضي، يطالبها بإزالة العلم البرتغاليّ عن سفينة “كاثرين”، موضحًا الأسباب القانونية المتعلقة بمنع التواطؤ حسب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية، بحسب وثيقة حصل زاوية ثالثة على نسخة منها.

في أثناء ذلك، كانت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، “فرانشيسكا ألبانيزي”، قد دعت الحكومة البرتغالية للتحقيق في قضية السفينة، مسلّطةً الضوء على الالتزام القانوني للدول بفرض حظر عسكري على كيان الاحتلال، وقالت إن “ثمان حاويات من المتفجرات على متن السفينة أم في كاثرين، تمثل مكونات رئيسية في القنابل الجوية والصواريخ” التي تستخدمها تل أبيب ضد الفلسطينيين. ودعت الدول الأخرى إلى منع السفينة من أن ترسو في موانئها، وأنه ينبغي للدول أن تحترم التزاماتها القانونية بموجب المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف، ويجب عليها أن توقف فورًا جميع عمليات نقل الأسلحة إلى الاحتلال.

وفي ألمانيا، تقدم محامون مدافعون عن حقوق الإنسان بدعوى استئناف عاجلة في أكتوبر إلى المحكمة الإدارية في العاصمة برلين، سعيًا لمنع شحنة وزنها 150 طنًا من المتفجرات ذات الاستخدام العسكري على متن سفينة الشحن الألمانية “أم في كاثرين”، المتجهة إلى الاحتلال، ونقلت رويترز عن “المركز الأوروبي للدعم القانوني”، قوله إن: “الدعوى رُفعت نيابة عن ثلاثة فلسطينيين من غزة”، وأن الشحنة المأمول وقفها تشمل: “متفجرات من نوع “RDX” يمكن استخدامها في الذخائر المستخدمة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ما قد يسهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.”

ماذا كانت تحمل السفينة؟ 

تؤكد كافة التقارير الدولية خطورة محتويات السفينة، التي تحمل أطنانًا من المواد المتفجرة إلى جيش الاحتلال تزن نحو (150 طنًا) – ووفق حكومة ناميبيا، ووزير الخارجية البرتغالي-، فإن شحنة السفينة “أم في كاثرين” تشمل متفجرات متجهة إلى تل أبيب، وقد رفضت السلطات الناميبية السماح للسفينة بدخول مينائها الرئيسي في أغسطس الماضي، نقلًا عن معلومات من مُشغِّل السفينة تفيد بأن حمولتها تتضمن ثمان حاويات من متفجرات “آر دي إكس هيكسوجن (RDX Hexogen)”، وأشارت البيانات الصادرة عن مكتب رئيس وزراء سلوفينيا ووزير خارجية البرتغال، إلى أن السفينة تتجه إلى الجبل الأسود وميناء كوبر السلوفيني، حيث ستقوم بتفريغ حمولتها. ولم يكن واضحًا حينها كيف ستصل الشحنة بعد ذلك إلى الأراضي المحتلة.

في إفادة صحفية خاصة مع زاوية ثالثة توضح حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) تحمل السفينة المذكورة ثمان حاويات من المواد المُتفجّرة (RDX) التي تُستخدم لتصنيع القنابل شديدة الإنفجار. يقول مسؤولون بالحركة لنا: “أصبحت مادة RDX ذات أهمية كبيرة في الحروب منذ استخدامها على نطاق واسع من قبل الولايات المتحدة في حربها ضد شعب فيتنام. وتنفجر الألغام المضادة للأفراد المصنوعة من مادة RDX وترسل رذاذًا من الكرات المعدنية التي تعمل مثل الرصاص، فتمزق الناس والمباني والمركبات. من المؤسف أن المواد المتفجرة التي حملتها “كاثرين” والمتوجهة إلى العدو الإسرائيلي لدعم إبادته ضد شعبنا في غزة مصدرها فيتنام.”

وفي حين نقلت (رويترز) عن شركة (لوبيكا مارين) الألمانية المالكة للسفينة أنها “أفرغت حمولتها في مدينة (بار) بجمهورية الجبل الأسود، ولم يكن مقررًا لها التوقف في أي من موانئ الاحتلال، تؤكد المعلومات الموجودة على الموقع الرسمي لميناء الإسكندرية أن السفينة تم إفراغ محتوياتها (الحربية) داخل الميناء (حصلنا على توثيق لها قبل أن تمسح من سجلات الميناء)، ما فسرته بعض المصادر التي تحدثت معنا، بأن السفينة ربما أفرغت بالفعل جزءًا من حمولتها بالجبل الأسود، لكنه تفسير بعيد عن المنطق، لأنه كان بإمكانها إفراغ كل ما عليها إذا سُمح لها بذلك، فيما يذهب البعض إلى أن الحكومة الألمانية أدعت ذلك لتبرير موقفها وتخفيف الضغط الدولي عليها.

ومن جهته، ذكر مركز الدعم القانوني الأوروبي إن الشحنة كانت متجهة إلى شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهي وحدة تابعة لشركة (إلبيت سيستمز)، التي تعد أكبر مورد للمواد الدفاعية في تل أبيب، ويقول المركز في تقرير له حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه إن “السفينة “إم في كاثرين” كانت تحمل 150 ألف كيلوجرام (ثمان حاويات شحن) من متفجرات “آر دي إكس” مخصصة لشركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهي الذراع الإنتاجية للذخائر التابعة لأكبر شركة عسكرية إسرائيلية “إلبيت سيستمز”، وتستخدم شركة “إلبيت سيستمز” متفجرات “آر دي إكس” في تصنيع أسلحة حربية مثل. القنابل الجوية وقذائف الهاون والصواريخ، التي تستخدم في انتهاك للقانون الدولي لارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب في قطاع غزة.

ماذا حدث في ميناء الإسكندرية ومن المسؤول؟ 

بحسب معلوماتنا تم تفريغ شحنة السفينة داخل الميناء من جانب شركة خاصة، ولم يشارك به موظفون أو عمال من داخل الميناء، فيما تشير مستندات رسمية وصلتنا نسخة منها إلى أن السفينة دخلت ميناء الإسكندرية بتوكيل من المكتب المصري للاستشارات البحرية (EMCO)، الذي أشرف في اليوم ذاته على مرور سفينة أخرى إلى ميناء أسدود داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحسب ما كشفت عنه حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، كما تثبت المستندات ذاتها، أن السفينة تم تفريغها من مواد حربية، (309.712 ton حربي) و(29 count حربي)، وهي المعلومات ذاتها التي نشرها الموقع الرسمي لميناء الإسكندرية، وعاد وحذفها لاحقًا بعد حالة الجدل.

تعرف شريكة (ايمكو) نفسها على موقعها الرسمي بأنها وكالة شحن متكاملة تقدم خدماتها في جميع الموانئ الرئيسية بمصر، من خلال مكاتبها المنتشرة في الإسكندرية وبورسعيد والسويس. تقوم الشركة بتقديم خدماتها لكافة أنواع السفن والبضائع في الموانئ المصرية، حيث تمتلك خبرة واسعة في التعامل مع سفن الأخشاب، وسفن الشحن العام، والسفن الثقيلة، وسفن الخدمات البترولية البحرية، إضافة إلى الشحنات الخاصة وعمليات العبور عبر قناة السويس، فضلاً عن إجراء المسوحات والعمليات الخاصة.

وفي مجال الخدمات اللوجستية، تتولى “إيمكو لوجستيك” التي تديرها رنده فاروق عبد الله (تشير معلومات إلى أنها ابنة المقدم البحري فاروق عبد الله، عمل سابقًا كـ رائد بحري في هيئة قناة السويس)، مهام الشحن البحري والجوي، والتخليص الجمركي، والتعامل مع شحنات المشاريع، إضافة إلى تقديم خدمات الشحن من الباب إلى الباب لجميع عمليات التصدير والاستيراد. ومن خلال أسطولها الخاص من الشاحنات ذات الأحمال الثقيلة، توفر “إيمكو ترانس” خدمات نقل مخصصة للبضائع داخل مصر.

وكشفت مصادر، أن السفينة رست على الرصيف رقم (22) بميناء الإسكندرية، الخاص والخاضع لإدارة القوات البحرية المصرية، ووفقًا لمصدر قال لـ”صحيح مصر” إن إنزال الشحنة من السفينة تم بمعدات ثقيلة على الرصيف البحري من مساء 29 أكتوبر بل واستخدمت كاسحات حربية لإفراغ السفينة.

وتظهر نتائج البيانات الصادرة من ميناء الإسكندرية أن السفينة كاثرين التي كانت من المقرر  أن تغادر الميناء يوم 5 فبراير القادم، سرعت من إجراءات المغادرة يوم 31 اكتوبر.

وعمومًا، لا تسمح القوانين المصرية، وكذلك الاتفاقيات الدولية، بتفريغ أي شحنات إلا بضوابط وموافقات مسبقة، في مقدمتها، إخطار الجهات المعنية سواء وزارة الدفاع أو مجلس الوزراء، وحتى في حالة وجود اتفاقيات عسكرية مع بعض الدول يتطلب تفريغ هذا النوع من الشحنات تنسيق مع إدارة الجمارك والجهات الرسمية، وفق قانون الجمارك.

هل وصلت الشحنة إلى تل أبيب؟ 

تقول حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) الدولية في حديثها معنا: “للتأكد ما إذا كانت السفينة الثانية قد حملت المتفجرات التي أُفرِغت من “كاثرين” إلى ميناء للاحتلال لا بد من مساءلة السلطات المعنية والتحقيق الشفّاف والمهني والمستقل في الأمر، فالشبهة واضحة. في النهاية، لماذا يُسمح لسفينة محمّلة بمواد عسكرية لدعم الاحتلال باستخدام المياه والموانئ المصرية، في خطوة قد تضع السلطات المصرية تحت طائلة المسؤولية القانونية المباشرة حسب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية؟ ومَن الجهة التي سمحت بذلك بعدما رفضت دول إفريقية وأوروبية عدة السماح لذات السفينة بالرسوّ في موانئها؟”

يضيفون: “بحسب حدود المتابعة التي يقوم بها نشطاء الحملة الدولية (ضمن حركة مقاطعة إسرائيل BDS) لعرقلة السفن التي تحمل المواد العسكرية والمتجهة لدعم الاحتلال، لا يوجد لدينا دليل قطعي حول مصير الحمولة بعد تفريغها في ميناء الإسكندرية، ولكنّ الاحتمالات الأقوى تشير إلى إعادة شحنها وإيجاد طريقة ما لإيصالها، مع التذكير بأنّ كثير من هذه السفن تغيب عن الرادار الملاحي. فمثلاً، رُصد خروج سفينة ثانية من الإسكندرية باتجاه أسدود بعد تفريغ “كاثرين”، ما يثير شبهة جلية.”

وبسؤالها عن احتمال التوصل مع الحكومة المصرية لفهم الأمر، تقول الحركة: “في اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، أوسع ائتلاف في المجتمع المدني الفلسطيني وقيادة حركة المقاطعة (BDS) عالميًا، لا نتوجه بشكل مباشر إلى السلطات، بل ندعو المستويات المدنية والشعبية والبرلمانية والنقابية للضغط والمساءلة والمحاسبة حول أي تواطؤ محتمل. وفي هذه الحالة، كان مطلبنا واضحًا وهو فتح تحقيق مستقل ومهني وقانوني حول خلفيات استقبال ميناء مصري لهذه السفينة، بعدما لفظها العالم، فكما نبّهت المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، التابعة للأمم المتحدة، فإن أي دور في توريد أو نقل الأسلحة والمواد العسكرية إلى تل أبيب أثناء إبادتها المستمرة في غزة قد يرقى إلى انتهاك جسيم لـ اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية، جريمة الجرائم. “

وتضيف: “أيّ مساعدة في توريد أو نقل المعدات العسكرية إلى تل أبيب اليوم قد يرقى إلى انتهاك لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. كما أشرنا في البيان، فإن تفريغ الشحنة المحظورة دوليًا في مصر يتعارض مع القرارات والمواثيق الدولية التي تدعو جميع الدول إلى الامتناع عن توفير أي نوع من الدعم للجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. إذ تُلزم الالتزامات الدولية مصر، وفقًا لاتفاقيات مثل ميثاق روما اتفاقية منع الإبادة الجماعية، باعتبارها دولة شقيقة ومجاورة، بتجنّب أي شراكة غير مباشرة قد تُستخدم في دعم الجرائم الإبادة الإسرائيلية.”

تتابع الحركة: “إذا وضعنا الخرق الجلي للقانون الدولي جانبًا، كيف يمكن لأي جهة مصرية اليوم، من منظور أخلاقي ووطني وقومي، ورغم وقوف الغالبية الساحقة من شعب مصر الشقيق والعظيم مع الحق الفلسطيني، أن تقف في خدمة العدو الإسرائيلي وتمكينه من الاستمرار في إبادته المتلفزة لشعبنا؟ هل نسيت هذه الجهات كون إسرائيل عدو الشعب المصري كذلك.”

نفي رسمي

مساء الخميس، نفى المتحدث العسكري المصري في بيان رسمي، بشكل قاطع ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات المشبوهة، وما يتم ترويجه من مساعدة تل أبيب في عملياتها العسكرية جملة وتفصيلاً، وأكد في بيان على أنه “لا يوجد أي شكل من التعاون مع تل أبيب”، مضيفًا أن ” القوات المسلحة تهيب بالجميع تحرى الدقة فيما يتم تداوله من معلومات، وتؤكد أنها درع الوطن وسيفه لحماية مقدراته والزود عن شعبه العظيم.”

وكان مصدر رفيع المستوى قد نفى أيضًًا ما تردد في بعض وسائل الإعلام التي وصفها بـ”المغرضة” بشأن استقبال ميناء الإسكندرية السفينة كاثرين الألمانية التي تحمل مواد عسكرية لصالح تل أبيب، وأنه لا صحة لذلك، وقال المصدر بحسب بيان حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه إن “تلك الأكاذيب تأتي في محاولة من العناصر والأبواق المناهضة للدولة المصرية، لتشويه الدور المصري التاريخي والراسخ في دعم القضية والشعب الفلسطيني.”

من جهتها نفت وزارة النقل في ساعات متأخرة من مساء الخميس، أن “الحكومة المصرية سمحت لإحدى السفن الألمانية بالرسو بميناء الإسكندرية، وأكدت في بيان أن “الخبر غير صحيح وعار تمامًا من الصحة، وأنه تم السماح للسفينة “KATHRIN” برتغالية الجنسية وترفع العلم الألماني بالرسو بميناء الإسكندرية لتفريغ شحنة خاصة بوزارة الإنتاج الحربى وأن السفينة تقدمت بطلب رسمي للسماح لها بمغادرة الميناء في اتجاه ميناء حيدر باشا بدولة تركيا لاستكمال رحلاتها.”

بلاغ إلى النائب العام

على مستوى الداخل المصري أثارت الواقعة ردود أفعال غاضبة بشكل واسع، فيما تقدم ستة محامين ومحاميات ببلاغ للنائب العام، صباح الخميس، ضد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بصفته، ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية بصفته، والمديرة التنفيذية لشركة EMCO (المكتب المصري للاستشارات البحرية) بشأن السفينة الألمانية “كاثرين” التي تحمل حاويات تحتوي على مواد متفجرة متوجهة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وقد استقبلها ميناء الإسكندرية في 28 أكتوبر 2024، عبر توكيل ملاحي من المكتب المصري للاستشارات البحرية “إیمكو”، بعد أن رفضت عدة دول استقبالها في موانيها. هذه المواد المتفجرة يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي لقتل المدنيين في غزة، وحاليا في لبنان، منذ أكثر من عام، بحسب المحامية ماهينور المصري.

تقول ماهينور: “بعد مقابلة بعض المستشارين من مساعدي النائب العام، أضفنا في البلاغ بعض التقارير الصحفية والحقوقية الخاصة بمسار السفينة، ورفض بعض الدول استقبالها، ثم استقبالها في مصر، وقد طلب منا في النيابة العامة أن نعيد صياغة البلاغ بما يفيد طلبنا التحقيق في صحة هذه الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية في حال ثبوتها. وبالرغم من استلامه، إلا أننا لم نحصل بعد على رقم بالبلاغ، وتم إعلامنا أننا سنحصل على رقم البلاغ السبت القادم.”

وتضيف: “دخول هذه الشحنات المتفجرة إلى مصر لا يعد فقط تهديدا للأمن القومي المصري والعربي، بل أنه يظهر مصر كدولة تخالف القرارات الدولية و تساند حرب الإبادة على الأشقاء الفلسطینیین والعدوان على أخواتنا في لبنان، ونحن نرفض أن تكون مصر ممرًا لدخول أيا من أشكال الدعم العسكري وغيره لدولة الاحتلال الإسرائيلي.”

وطالب البلاغ، بعد إثبات الواقعة من قبل النيابة العامة، التحفظ على السفينة فورًا ومنع أي شحنات عسكرية من الوصول إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر أراضينا، ونطالب بالتحقيق العاجل في الواقعة والمسئولين عنها، والتي تعد انتهاكا خطيرا للقوانين والمعاهدات والأعراف الدولية والقوانين المحلية، وتخالف موقف الشعب المصري الدائم الرافض للاحتلال الصھیوني لكافة الأراضي الفلسطینیة،  كما نطالب بالتحقيق مع المكتب الاستشاري المصري “ايمكو” لمساعدتها في هذه الجريمة ووضعه على قوائم الكيانات الإرهابية طبقا لقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية.

إضرار بسمعة مصر

من جهته يرى عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين والقيادي بالحركة المدنية، طلعت خليل، أن القضية تتسم بخطورة شديدة وتمس سمعة مصر دوليًا، خاصة أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قرارًا واضحًا يمنع تسليح تل أبيب، ما يعني أن هذا الموضوع له أبعاد دولية قد تؤثر على موقف مصر أمام المجتمع الدولي.

ويشير  في حديثه مع زاوية ثالثة أن “هذا الأمر لا يقتصر على الأبعاد الدولية فقط، بل يمتد إلى مصداقية مصر وتاريخها الطويل في دعم القضية الفلسطينية، إذ تملك مصر تاريخًا طويلاً من الدعم للقضية الفلسطينية، قدمنا فيه دماء الشهداء، وأجرينا العديد من المفاوضات، وكان للمفاوض المصري دور كبير في هذا الجانب على مدار السنوات، وعندما يتم اتهامنا بمثل هذه الاتهامات، فإن مصداقيتنا في المفاوضات نفسها تصبح محل تساؤل، لأنه إذا كان هذا الاتهام صحيحًا، فنحن نكون قد تحولنا من موقع السعي لـ حلول لقضية عادلة إلى موقع مساعدة العدو الصهيوني المتغطرس.”

يتابع: “من ناحية أخرى، هناك احتقان شديد في الداخل المصري حول هذا الأمر، وكان من المفترض أن يأتي تصريح واضح وصريح من مصدر رفيع المستوى، وليس مجرد تصريح مبهم من مصدر غير محدد. إن بيانًا بهذه الأهمية ينبغي أن يصدر من مجلس الوزراء، نظرًا لجسامة الحدث، بحيث يشمل تفاصيل دقيقة للنفي القاطع.”

يوضح خليل أن الرد الرسمي كان ولابد أن يظهر في هذا البيان سجلات دقيقة لدخول وخروج السفن في ميناء الإسكندرية في ذلك التاريخ المحدد، ويجب أن يشمل عدد السفن وجنسيتها وحمولتها وأماكن تخزين وتفريغ الشحنات. هذه البيانات، والمتوفرة عادة لدى هيئة موانئ الإسكندرية، تُسجل بشكل دوري لكل السفن التي تدخل وتخرج من الميناء، حيث لا تدخل أي سفينة إلا ويكون لديها مستندات تثبت وجهتها ومن أين أتت، وما تحمله من بضائع.

علاوة على ذلك، وفق قانون الجمارك المصري، فإن جميع السفن التي تعبر الموانئ المصرية ملزمة بتقديم مستندات واضحة عن حمولة السفينة بما في ذلك طبيعة وكميات الحمولة. فإذا كانت السفينة محملة بمعدات حربية، فيتطلب ذلك موافقة مسبقة من الجهات المختصة، وهذا أمر متعارف عليه دوليًا. ولهذا السبب، إذا خرج تصريح من مصدر رفيع المستوى بمعلومات محددة، فيجب أن يكون هذا التصريح مستندًا إلى بيانات دقيقة.

أما فيما يتعلق بمصداقية مصر على المستوى الدولي، فإن “هذا الاتهام الخطير يضر بسمعتنا وقدرتنا على القيام بدور فعّال في القضية الفلسطينية، خاصةً أننا قدمنا دعمًا كبيرًا لهذه القضية على مدى العقود. تحولنا من كوننا داعمين رئيسيين للقضية الفلسطينية إلى مساندين للعدو الصهيوني يعد كارثة بكل المقاييس، فهذا العدو هو خصم تاريخي لمصر وللقضية الفلسطينية”، وفق خليل.

الملاحة بين القاهرة وتل أبيب

في مايو الماضي، أفاد موقع “port2port” الإخباري العبري، المتخصص في شؤون النقل والمواصلات، أن شركة “ميدكون لاينز” للشحن البحري قررت افتتاح خط ملاحي جديد يهدف إلى تسهيل عمليات الشحن بين القاهرة وتل أبيب. أوضح الموقع أن الشركة أطلقت خطين جديدين؛ الأول يربط ميناء “رافينا” الإيطالي بميناء الإسكندرية وموانئ أشدود وحيفا في الأراضي المحتلة، أما الخط الثاني فيربط بين موانئ مصر والاحتلال الإسرائيلي مباشرةً، حيث تعمل سفن الحاويات على كلا المسارين.

وتُعد شركة “ميدكون لاينز” إحدى شركات مجموعة “بان مارين” المصرية، التي تأسست عام 1978 ويقع مقرها الرئيسي في مدينة الإسكندرية. وتعمل المجموعة، التي يملكها رجال أعمال مصريون، في مجالات متنوعة تشمل الشحن البحري والخدمات اللوجستية، وتضم خمس شركات أبرزها “بان مارين لخدمات الشحن” و”ميدكون لاينز”.

كذلك، أظهرت بيانات ملاحية أن سفينة الحاويات المصرية “بي إيه إن جي جي” قامت برحلات متواصلة إلى ميناء أسدود الإسرائيلي انطلاقًا من مينائي بورسعيد والدخيلة في مصر، بالتزامن مع حرب الاحتلال الإسرائيلية على غزة.

وكشفت البيانات أن السفينة نفذت 25 رحلة محملة بالبضائع إلى ميناء أسدود بين منتصف فبراير 2023 و8 فبراير الجاري، مع ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات إلى ست رحلات في أكتوبر الماضي مقارنة بمتوسط رحلتين شهريًا. وفي أحدث رحلة، غادرت السفينة من ميناء بورسعيد يوم 8 فبراير ووصلت إلى أسدود في اليوم نفسه. ولم تقم السفينة بأي رحلات خارج مصر باستثناء رحلة واحدة إلى ميناء مرسين التركي في أغسطس الماضي.

وكان تقرير أكد أن خمسة موانئ بحرية مصرية أصبحت محطات رئيسية لنقل الشحنات إلى الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزة. ورُصد نشاط 19 سفينة مصرية وأجنبية تتحرك بشكل دوري بين الموانئ المصرية والاحتلال الإسرائيلي، مستغلة القرب الجغرافي لخفض تكاليف الشحن.

ويغطي التقرير حركة السفن في ثلاثة أشهر (يونيو، ويوليو، وحتى 22 أغسطس 2024) التي تضمنت عشرات الرحلات لنقل الإسمنت والبضائع بين الإسكندرية، بورسعيد، ودمياط، وحيفا وأسدود.

تُشير بيانات تتبع السفن إلى أن بعض السفن، مثل “LUCY BORCHARD” الألمانية و”Pan GG” المصرية، قامت برحلات متكررة بين مصر وتل أبيب خلال العامين الماضيين. وزادت مصر من صادراتها ووارداتها من الاحتلال خلال الحرب؛ إذ بلغت صادرات مصر إلى الاحتلال 170.1 مليون دولار، بينما تضاعفت الواردات لتصل إلى 331.6 مليون دولار خلال الفترة ذاتها.

ومن بين السفن الأكثر إبحارًا إلى موانئ مصر وكيان الاحتلال، سفينة شحن البضائع “LUCY BORCHARD” التي تبحر تحت علم “أنتيغوا وباربودا” وتعود ملكيتها إلى شركة في ألمانيا، إضافة إلى سفينة “Pan GG” المصرية، وتظهر البيانات أن سفينة “LUCY BORCHARD” أبحرت خلال العام 2023 لموانئ الاحتلال الإسرائيلي 25 مرة، وموانئ مصر 23 مرة، وخلال العام 2022، أبحرت لموانئ الاحتلال 24 مرة، وموانئ مصر 24 مرة أيضاً.

وتظهر بيانات، زيادة كبيرة في التجارة بين الاحتلال ومصر وصلت قيمتها إلى 35 مليون دولار في يونيو 2024، بزيادة 29% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024 بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين 246.6 مليون دولار، محققا نموا بنسبة 53%مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2023.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثمانية عشر − ثلاثة =