الذّكرى العاشرة لاغتيال الشرطة الأمريكية “مايكل براون”  ( 9 آب/أغسطس 2014 – 2024 ) / الطاهر المعز

0 299

الطاهر المعز (  تونس ) – الجمعة 16/8/2024 م …

تدّعي الولايات المتحدة الدّفاع عن الديمقراطية والحُرّيّات وحقوق الإنسان ولكنها حطمت كل الأرقام القياسية في عدم احترام الدّيمقراطية ولا حرية أو حياة الإنسان داخل حدودها وخارجها، وهي تمتلك الرقم القياسي العالمي في امتلاك السلاح الفردي وعدد المساجين وعدد الإعدامات خارج إطار القضاء…

أثناء العُدْوان الثّلاثيني بزعامة الولايات المتحدة على العراق، سجّل مُصَوِّر هاوٍ شريط فيديو لرجال الشرطة يعتدون على المواطن الأسود “رودني كينغ” ( وُلِدَ سنة 1965 وتُوفّي بشكل مُريب سنة 2012 وعمره 47 سنة) – الذي كان يقود دراجة نارية – بالضرب المُبرح من قبل عناصر شُرْطة مدينة لوس أنجلس يوم الثالث من آذار/مارس 1991، وتم تداول شريط الفيديو ونشْرِهِ على نطاق واسع، ما أدّى إلى احتجاجات تُندّد بعنف وعنصرية الشّرطة، وأدّى إعلان براءة أربعة من عناصر الشرطة البيض من قبل القضاء (انعقدت المحكمة في مدينة أخرى)، خلال شهر نيسان/ابريل سنة 1992، رغم الأدلة والجروح التي أُصيب بها رودني كينغ، إلى اندلاع احتجاجات كبيرة في لوس أنجلس وفي العديد من المُدُن الأمريكية الأخرى، استمرت أسبوعًا كاملا، وأدّت إلى نَشْر الشرطة والحرس القومي والجيش (قوات البحرية) مما أسفر عن قَتْل 53 متظاهر وإصابة ما لا يقل عن أَلْفَيْن، وفق البيانات الرسمية، واضطرّت السلطات إلى إعادة محاكمة عناصر الشّرطة وسجن إثنَيْن وتبرئة إثنَيْن من الشرطِيّين المشاركين في الإعتداء، وأعلنت السلطات الإتحادية “اعتماد سلوك جديد للشرطة”، لكن ذلك لم يتجاوز حدود المساحيق التي تزول بسهولة، وكانت تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر فرصةً لإقرار حالة الطّوارئ وإلغاء الحقوق والحُرّيات، ومُنحت الشرطة الأمريكية صلاحيات واسعة في “مواجهة خطر الإرهاب”، بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وتم إقرار قوانين استثنائية لتشديد الرقابة على المواطنين وتقليص أو إلغاء الحقوق الفردية والجَمْعِيّة، وأصبحت القوانين الإستثنائية دائمة و”عادِيّة”، وتم تزويد الشرطة بأسلحة خطيرة، وازداد عنف الشرطة وتعدّدت المحاكمات الجائرة، بذريعة “مكافحة الإرهاب”…  

كان مايكل براون شابًّا أمريكيًّا أسود، وكان عمره 18 سنة يوم قُتِلَ في “فيرغسون” (21 ألف نسمة) في ضواحي مدينة سانت لويس ( Saint-Louis ) – ولاية ميسوري في الولايات المتحدة، من قِبَل ضابط شرطة أبيض يسمى «دارن ويلسون» أطْلَقَ عليه ست رصاصات، منها اثنتان في الرّأس، في عز النّهار يوم التاسع من آب/أغسطس 2014، وتعدّدت الروايات عن السّبب ( منها إنه سرق علبة سيجار من متجر قريب)، وهي جميعها روايات الشّرطة التي أعادت نَشْرَها وسائل الإعلام وأجهزة الدّولة (القضاء والسلطة التنفيذية…) وتتفق جميعها إن مايكل براون لم يَكُن مُسلّحًا ولم يُشكّل تهديدًا، وسِجِلُّهُ خَالٍ من السّوابق، حيث لم يتم اعتقاله أو محاكمته في السابق، وانطلقت الإحتجاجات فوْرًا لأنه ليس الإغتيال الأول الذي يرتكبه ضابط شرطة لمواطن أَسْوَد، وتوسّعت رقعة الإحتجاجات ومواجهة الشُّرْطَة من مدينة فيرغسون بولاية ميسوري – التي تبلغ نسبة سُكّانها السود 70% لكن جهاز الشرطة يضم خمسين شرطي أبيض وثلاثة سود – إلى المدن الأمريكية الكبرى، من بينها نيويورك وشيكاغو وواشنطن، وشارك آلاف الأمريكيين في جنازة مايكل براون يوم 25 آب/أغسطس 2014، واستمرت الإحتجاجات في المدن الكبرى حتى أواخر شهر آب/أغسطس ضدّ عُنْف الشرطة واستخدام السلاح بغرض القَتْل، وتخلّلَت الإحتجاجات اشتباكات عنيفة وشعارات ضد عنف الشرطة والتمييز العنصري وللمطالبة بتطبيق العدالة في فيرغسون وغيرها من المدن، مما دفع وزير القضاء الأمريكي إريك هولدر لتقديم استقالته، وهو أول رجل أسود يتولى هذا المنصب، سنة 2008، ثم تجدّدت الإحتجاجات في ولاية ميسوري  يوم الحادي عشر من تشرين الأول/اكتوبر 2014، ضد التمييز العنصري والعنف المسلط من قبل الشرطة، حيث تظاهَرَ  نحو خمسة آلاف مواطن في شوارع مدينة سانت لويس، ويوم الثالث عشر من تشرين الأول/اكتوبر 2014 في فيرغسون حيث  تم احتجاز 42 شخصا بتهمة خرق النظام العام، و6 آخرين على خلفية سد الطرقات ورفض الامتثال لأوامر الشرطة بالتفرق…

كانت انتفاضة مدينة فيرغسون يوم التاسع من أغسطس 2014 تعبيرًا عن غضب المواطنين السود والدّيمقراطيين والتّقدّميين ضد عنف وعنصرية الشرطة التي تُؤدّي إلى قتل عناصر الشرطة للأمريكيين من أصل أفريقي مثل مايكل براون وفريدي غراي وجورج فلويد وبريونا تايلور، وواحدة من أكبر حركات التمرد التي قادها السود في تاريخ أمريكا، حيث بدأ النّاس من جميع أنحاء منطقة سانت لويس التّجمُّع حدادًا على وفاة مايكل براون والاحتجاج على تصرفات الشرطة.

كانت وحشية الشرطة سببًا مُباشرًا للإنتفاضات العديدة التي أَطْلَقَها وقادها المواطنون السُّود في الولايات المتحدة، لكن تلك الإنتفاضات كانت مدفوعةً كذلك بالتفاوت في الدّخل وبمشاكل البطالة والفقر وسياسات الإسكان وطرد الفُقراء باسم “التّجْدِيد الحَضَرِي” ( تحديث الأحياء في إطار خطط التّهْيِئَة العمْرانية) أو ما يمكن تسميتها “سياسات العنف البطيء” والكفاح اليومي العسير من أجل البقاء .

لا تقتصر مشاكل الفقراء – وخصوصًا السود – في الولايات المتحدة على عنف الشرطة بل تشمل التّفاوت المُجحف في الدّخل والثّرْوة، والسياسات الاجتماعية والعنف العنصري المنهجي الذي تُجَسّدُهُ سياسات الإسكان و”التّجديد الحضري”، ويُعد العدد المرتفع للسود بين الجنود الأمريكيين في أفغانستان أو العراق أو غيرها مؤشّرًا على انسداد الأفق واقتصار “الحُلُول” على العمل الهش وبدوام جزئي أو الإلتحاق بالجيش الذي يعتدي على شعوب العالم، ما يعني ارتفاع احتمال الموت، دفاعًا عن نظام جائر ودولة مارقة…   

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

عشرين − أربعة =