23 كيلو من الأشلاء الممزقة في كيس ! / يحيى الحموري

0 260

يحيى الحموري ( الأردن ) – الجمعة 16/8/2024 م …

في حضرة الموت، عندما يصبح الحلم رفاةً، والأمل أشلاءً، وحين يصبح المستقبل مجرد كيس من الأعضاء المبعثرة، يُفتح باب الجحيم على مصراعيه، ويتوقف الزمن في عيون الأمهات الثكالى. كيف لي أن أصف هذه اللحظة التي تحمل فيها يدٌ ترتعش كيساً بلاستيكياً يحتوي على بقايا جسد ابنٍ كان بالأمس يملأ البيت حياةً وضحكات؟ كيف أواجه تلك الأم التي لن تجد سوى قطعاً متناثرة من ابنها الذي كانت تغمره بالحنان، وتخبئه في قلبها كأغلى كنز، لتُفجع بأن ما تبقى من هذا الكنز هو 23 كيلو من العدم؟

هل تُدركون حجم الفجيعة؟ هل تشعرون بأن كل جرح في هذا الجسد الصغير هو طعنة في قلب أمه، وفي قلب الإنسانية جمعاء؟ هل تستطيعون تخيل ألم أبٍ يحاول أن يحتفظ بما تبقى من طفولته بين يديه؟ كيف يمكن أن تتحول ضحكات الأطفال إلى بكاء مدفون تحت الأرض، وأن تتحول أحلامهم إلى أشلاءٍ تحملها أيدي آبائهم المنهكين؟

يا للعالم الذي يرقص على أنغام الظلم والبطش، بينما تتحول أجيالنا إلى أرقام وأوزان في ميزان الموت. ماذا بقي لنا من الإنسانية إذا كنا نصمت أمام هذه المجازر؟ كيف نستطيع أن نعيش ونعلم أن هناك أمّاً تنتظر ابنها ليعود، لكنه يعود إليها في كيس، عاجزاً عن النطق، عاجزاً عن البكاء، عاجزاً عن العناق الذي لطالما انتظرته؟

إلى متى سنبقى ندفن أحلامنا في أكياس بلاستيكية؟ إلى متى سنبقى نشهد على هذا الموت البطيء؟ ألا ترون أن هذه الأشلاء التي نحملها هي دماء أطفالنا، وأحلامهم، وأمانينا التي اغتصبت؟ أين أنتم يا ضمائر العالم؟ أين أنتم يا قادة الأمم؟ أين أنتم يا من تدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان؟ ألم يبقَ في قلوبكم شيء من الرحمة لتبكوا معنا، لتصرخوا معنا، لتقفوا في وجه هذا الظلم الذي يحول أطفالنا إلى رماد؟

نحن لا نطلب الكثير، نطلب فقط أن تعود لنا الإنسانية، نطلب أن تعود لنا الحياة، نطلب أن يعود لنا أطفالنا كما كانوا: يركضون في الحقول، يضحكون في الأزقة، ويكبرون ليصنعوا المستقبل. نطلب أن تنتهي هذه الأكياس، أن تنتهي هذه المجازر، أن يتوقف هذا الموت الذي يحصد أرواحنا قبل أجسادنا.

أوقفوا هذا الجنون، أوقفوا هذا الرعب، أوقفوا هذا الإجرام. دعوا أطفالنا يعيشون، دعوا أحلامهم تتحقق، دعوا قلوب الأمهات تبقى مليئة بالحب، وليس بالحزن. دعوا الإنسانية تنتصر على هذا البؤس الذي يقتلنا كل يوم. هذا نداءنا الأخير، نداء من قلب مكسور، من روح ممزقة، من أمٍّ دفنت ابنها بين يديها، ومن أبٍّ يحمل بقايا حلمه في كيس. هذا نداء لكل من بقي في قلبه ذرة من حياة، أن يقف معنا، أن يبكي معنا، أن يصرخ في وجه هذا العالم الأعمى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ثلاثة × واحد =