منوش شفيق .. حينما تخون الجامعة رسالتها الأساسية / د. ربا زيدان
لا يمكن النظر إلى استقالة رئيسة جامعة كولومبيا، منوش شفيق، بعد سلسلة من الإضرابات الطلابية، إلا من منظور ما يجب أن تكون عليه الجامعات. الجامعات ليست مجرد مؤسسات أكاديمية، بل هي حاضنات للتغيير ومؤسسات لدعم الحرية والتعبير عن الرأي، والأمل في غدٍ أفضل.
تغادر “نعمت” والتي يبدو أنها تكره اسمها للدرجة التي أدى بها التبرأ من الهوية والأصل لتهميشه غير مأسوف عليها بعد أن اجتازت مطالب طلابها وأصواتهم جدران الجامعة التي اعتقدت ” منوش” أنها تملكها.
منذ عقود طويلة، كانت الجامعات دائمًا في طليعة الحركات الاجتماعية والسياسية. فقد كانت الإضرابات الطلابية في جامعة كولومبيا نفسها رمزًا للمقاومة عام 1968 ضد العنصرية والتدخل الأمريكي في فيتنام. حيث استولى طلاب الجامعة على عدة مبانٍ وطالبوا بإلغاء العقود مع مراكز أبحاث الأسلحة المرتبطة بالحرب. هذه الحركة التاريخية لم تكن مجرد احتجاج، بل كانت صرخة حق وصوت ضمير الحركات الإنسانية جميعها التي لطالما طالبت بالعدالة والمساواة.
ولنا نصيبنا في الشرق أيضا من الحركات الطلابية التي يذكرها التاريخ ولعلّ أهمها حين خرج طلاب مدرسة الحقوق بجامعة القاهرة في مظاهرات للاحتجاج ضد الاحتلال البريطاني، قبل أن تمتد موجة الاحتجاج لمخالف أطياف الشعب معترضين آنذاك على نفي زعيم الحركة الوطنية آنذاك سعد زغلول خارج البلاد. ومع استمرار هذا الهيجان الشعبي وتصاعد وتيرته، أُجبرت بريطانيا على الخضوع وعاد سعد وزملائه من المنفى. ويصنف الكثيرون أن تلك الثورة كانت شرارة استقلال مصر وتحريرها.
هذا النبض الشاب الذي لا يقبل الواقع، البشع، والمتحيّز والبائس، هو رصيدنا في مواجهة بشاعة العالم. صوت الحركات الطلابية يذكرنا بإمكانية التغيير، هؤلاء، وعلى مرّ العصور كانوا رموزًا للأمل يقودهم إيمان عميق بأن العالم يمكن أن يكون مكانًا أفضل.
ومع كل دروس التاريخ هذه، تأتي ” نعمت” رئيسة جامعة كولومبيا المستقيلة، لتحارب بكل شراسة العالم، “مخيم التضامن مع غزة” والذي أقامه شباب من كل الأعراق في محيط جامعتهم، ليعبروا عما يرونه حقهم في التعبير، والعمل الجماعي، والاعتراض على المجازر التي يشاهدونها على الشاشات.
” منوش” والتي تأتي من قلب الشرق الأوسط، والتي تقلّص اسمها الشرقي جدا، كان الأحرى بها أن تكون عامل تقريب بين الشرق والغرب، فقد أتت من منطقة عرفت وما زالت تعرف نضالات كبيرة من أجل الحرية والعدالة. كان من المتوقع أن تكون “منوش “أكثر حساسية وفهمًا للقضايا المتعلقة بالحرية وقمع الأصوات. فهي ليست غريبة عن تلك الصراعات التي عانى منها شعبها وأمتها، ومع ذلك، خذلت كل من كان يؤمن بأن القادمين من مثل هذا الإرث سيكونون حماة للحرية والعدالة.
وكانت دعوتها للشرطة باقتحام الحرم الجامعي وكبح أصوات الطلاب ضربة قاسية لقيم جامعة كولومبيا وقيم الجامعات حول العالم. جميع الدراسات الاجتماعية تظهر أن الحركات الطلابية كانت فعالة في تحقيق التغيير الاجتماعي على مستوى العالم، وهي تذكير دائم بأن على المؤسسات الأكاديمية والتربوية أن ترقى لما أنشئت من أجله، أن تكون قلاعا للحرية والتفكير الناقد، وليست ساحات للقمع والاستبداد.
ترحل “منوش شفيق” بعد ان انتصر الطلبة، تاركة خلف اسمها للأبد وصمة عار على الضمير الجماعي.