من معادلة “التطبيع مقابل رفح” عند فريدمان وبلينكن الى معادلة “شبعا بارضها ومزارعها مقابل رفح” عند المقاومة والأحرار بطوفانهم! / الياس فاخوري

2٬259
الياس فاخوري ( الأردن ) – الثلاثاء 30/4/2024 م …

 

(==) حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة المرفقة لهما معا …

ثلاثة مواقف استوقفتني هذا الاسبوع:
 
الاول – موقف/مقال توم فريدمان (Thomas L. Friedman) في نيويورك تايمز (NYT) يوم السبت:
 
“Israel Has a Choice to Make: Rafah or Riyadh ..
Israel is facing one of the most fateful choices it has ever had to make.”
 
موقف في قمة القذارة والاستخفاف بالوعي العربي ل”صويحب” المبادرة العربية للسلام: التطبيع مقابل عدم الدخول الى رفح!
 
الثاني – موقف الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، في كلمةٍ له خلال أعمال الاجتماع الخاص لـ”المنتدى الاقتصادي العالمي” يوم الأحد في  الرياض: “أخشى أن تتجه إسرائيل بعد غزة إلى الضفة الغربية؛ لترحيل أهلها نحو الأردن”.
 
موقف أتردد في وصفه، ولكن ..
كم تمنينا (ديانا وانا) ولكم كررنا التمني على “ابو مازن”، ونعلم ان كلماتنا، بل صرخاتنا، أسمعت حتى من به صمم: ماذا تنتظر (هل تنتظر الإبادة!؟) واسرائيل وحماتها ماضون في غيهم وطغيانهم، وقراراتهم تترى وتتزاحم دعماً للاحتلال الاسرائيلي!؟ قم بأضعف الإيمان واتخذ موقفا “براغماتيا”: طلق أوسلو وأعلن قيام “الجمهورية العربية الفلسطينية” المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وبلاءات الخرطوم الثلاثة .. واللاءات الهاشمية الثّلاث!”
 
الثالث – الموقف المتميز لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني حيث اشار، في كلمة له خلال جلسة نقاش في “المنتدى الاقتصادي العالمي” يوم الاثنين، الى انه “من الواضح أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لا يريد السلام وهو يخسر الآن وإسرائيل تحولت إلى دولة منبوذة”، مؤكدا ان ” نتنياهو يعطل أفق السلام وهو يقود المنطقة إلى حرب إقليمية” .. وكشف ان “عدد المستوطنات الآن وصل إلى 7000 مستوطنة والاستيطان يقتل حل الدولتين، ولا يجب السماح لنتانياهو بأن يؤدي بالمنطقة إلى الدمار”!
 وهذا الموقف الأردني البارز والمتميز يعيد الى الاذهان واقعة التدنيس باجتراء مندوب “إسرائيل” الأممي جلعاد إردان (Gilad Erdan) على تمزيق تقرير لمجلس حقوق الإنسان يدين “الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين” خلال جلسة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بحجة الانحياز: “منذ إنشاء هذا المجلس قبل 15 عاما، وهو يوجه اللوم والإدانة إلينا، ليس 10 مرات مثل إيران، أو 35 مرة مثل سوريا، بل 95 مرة” (يقصد 95 قرارا بادانة إسرائيل). وختم جلعاد إردان قائلا: “المكان الوحيد الذي يستحقه هذا التقرير هو سلة المهملات، وهذا بالضبط ما سنقوم به”، ومزّق التقرير على مرأى جموع الحاضرين!
 
ليس هذا وحسب، ف”اسرائيل” راكمت تراثاً من الازدراء، والاستهانة، والتحقير، والاستخفاف بالأمم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها التى هيأت لها “شرعيتها”! الا تذكرون كيف وصف “دافيد بن غوريون” الامم المتحدة باحتقار قائلا: ”أوم شموم” (أوم – اختصار هيئة الأمم المتحدة بالعبرية، شموم – أي لا شيء) في حرب العام 1948″؟ وأضاف: “ليس المهم ما يقوله الغوييم (الأغيار)، بل المهم ما يفعله اليهود ..”!
 
وايضاً وانسجاماً مع الموقف الأردني المتميز والمرموق — ليس هذا وحسب، فهناك اليوم حوالي 845 قرارا دوليا صادرا عن الامم المتحدة بمختلف مؤسساتها ولجانها لم تحترم “اسرائيل”، او تلتزم، او تنفذ اياً منها يؤازرها في ذلك ”فيتو” الولايات المتحدة الأميركية!
وكي لا يطول السفر، لا بد من مقالي السابق: فسِّر ما يلي: رفح (حفر، حرف، فرح) ..
 
حفر: رفح تحفر قبر الصهيونية وقادتها ..
 
حرف: ” اسرائيل الى زوال” – هكذا بالحرف نقشت الساكنة ذاكرة المقاومة (ديانا فاخوري) على ظهر الدهر، وهزمت الموت روحا نقيّا كالسَّنا فأعادت الدماء للحرف وأعلت قيمته، وسمت بها؛ كان هذا الحرف (المجبول دماً) خيراً، ويبقى ثواباً بعد ان سنته سبيلاً .. لم يكن هذا الوشم مجرد رؤية او نبؤة .. بل لعله – في الواقع – استراتيجية وقرار يطوف سماءً وبحراً و”اقصى” .. 
 
فرح: عندها “يغزو” الفرح قلب الانسانية وقلوب الناس ف”غزة” هي ارض العزة .. وها نحن نصغي لصدى خطواتِ ديانا فى أرض فلسطين .. 
 
فماذا ترى في الأفق؟ قِمماً كما علّمنا انطون سعادة: “كلما بلغنا قمة تراءت لنا قمم أخرى نحن جديرون ببلوغها” ..  او “أفقاً آخراً” بِلُغَةِ محمود درويش.
 
أبٌ من “بلفور” + أمٌ من “نفط” = الكيان المسخ!
ولدت سفاحا من أبٍ من “بلفور” وأمٍ من “نفط” وسُمّيت “اسرائيل” .. كيان مسخ يقف عاجزا عن مواجهة طفل بيده حجر أو مراهق يحمل سكينا .. كيان مسخ يتهاوی أمام “الأمعاء الخاوية” .. كيان مسخ قام على اختلاط المنطق الاسبارطي بالمنطق التلمودي بغاءً نحو الحطام حيث “تكمن” كافة الأهداف الحساسة، العسكرية منها والمدنية، في مرمى صواريخ المقاومة الامر الذي يحول دون “الاسرائيليين” الوافدين شتاتاً والتعايش مع هكذا حطام!
 
على نبض ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023 (طوفان الأقصى ينصره طوفان البحر وطوفان السماء) استمراراً تراكمياً لحرب تموز 2006، تكتب “رفح غزة” التاريخ، ولعلها هي “اللحظة الضرورية لاعادة تأهيل التاريخ ليكون تاريخ البشرية” كما قال الجنرال “دوغلاس ماك آرثر” في سياق قنبلة هيروشيما .. ما نشهده اليوم في غزة من مذابح وجرائم إنما هو عرض مكثف لأيديولوجيا الإبادة الجماعيّة التي لا تتحقق إلا بالعنف المميت، وهي لا تختلف عن مذابح الاوروبيين في العالم الجديد .. هؤلاء الذين يُمعنون بالبكاء والعويل لصالح شخصية الضحية في أفران الغاز هم أنفسهم الذين يلقون على رؤوس أهل غزة الفلسطينيين بآلاف أفران وأطنان الغاز يومياً .. وكما اخترقت التوراة ايديولوجياً عقول الأميركيين، ها هي تخترق عسكرياً وسياسياً قبور العرب وعظام العرب .. وتكراراً أُعيد ان الولايات المتحدة الامريكية انما قامت علی ما غرسه البيوريتانز (الطهرانيون) الانجليز، وقد تمثلوا التوراة، في اللاوعي الامريكي من ثقافة الغاء الآخر .. فأين ذهب أصحاب الارض الاصليون؟! ثم الا يتماهی اغتصاب البيض لامريكا الشمالية مع اغتصاب الصهاينة لفلسطين؟! وهل تحوّل رؤساء أمريكا الى أحصنة عرجاء بقيادة سائق العربة القادم من ليل الأزمنة ومن عتمة الايديولوجيات!؟
 
ومن قعر حفرة رفح ومأزق فشله الميداني، على نتنياهو ان يختار بين “الحرب والعار ليحصل في النهاية على الحرب والعار معاً” كما قال تشرتشل! وغاضباً حذّر الصحفي الاسرائيلي “جدعون ليفي” من “مراقصة الحرائق”، بعدما تحدث عن طوفان الدم في غزة، وقد تزامن مع طوفان الخراب، وقال: “إذن – كل أبواب المقبرة مفتوحة أمامنا”!
 
ادرك أبناء العبور، أبناء الله في الميدان، جدّية أرييل شارون وفداحة استخفافه عندما وصف “المبادرة العربية للسلام”، التي أطلقها القادة العرب في بيروت يوم 28 آذار عام 2002، بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به – أرضى ويغضب قاتلي فتعجبوا = يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ!
 
نعم، لم تعبأ دولة الكيان ببلاغة البيانات عن تفعيل المقاطعة العربية وما برحت تتحدى وتقضم ونحن ننحني و نغض .. غيّرت الجغرافيا، والديموغرافيا في الضفة الغربية بما فيها القدس وفي الجولان، وصادرت الأراضي، واستولت على المياه، وفرضت الحصار الوحشي على مناطق باكملها، وهجّرت، واعتدت، وزرعت المستوطنات، ورمت الأحرار في السجون والمعتقلات .. ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 100,000 قبل المبادرة العربية ليتجاوز ال 500,000 بالإضافة الى 300,000 في القدس الشرقية حالياً. كما تعمل دولة الكيان على بناء 7,300 وحدة سكنية في الجولان السوري المحتل ليصل عدد المستوطنين الى 50,000 خلال 5 سنوات.
 
ولكم كبّرت “ديانا”: الله اكبر، هذا اردننا، فاقرأ باسم ربك الذي خلقه أفقا عربيا، وعمقاً سوريا – ببعد كنعاني .. وطنا بهيا بانتظام ولايته الدستورية ومأسسة الدولة وتحصين القانون، شريفاً لا نبغي ولا نرضى عنه بديلا، ولا نرضاه وطنا بديلا .. 
 
ومن قلب الغموض البناء، يدفعنا الأمل – وقد خبرناه فغلاً مدروساً، موزوناً، ومحسوباً بدقة – لتخطي معادلة “التطبيع مقابل رفح” عند فريدمان وبلينكن نحو معادلة “شبعا بارضها ومزارعها مقابل رفح” عند المقاومة والأحرار بطوفانهم!
 
وبعد، هل تحفر رفح قبر الصهيونية وقادتها ل”يغزو” الفرح قلب الانسانية وقلوب الناس، وتعود للحرف قيمته؟
 
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
 
 الياس فاخوري
كاتب عربي أردني