غزة … والميناء البحري المؤقت الخبيث!! / سماك العبوشي

618

سماك العبوشي ( العراق ) – السبت 16/3/2024 م …

فصول مسرحية إفراغ غزة من أبنائها قد شارفت على الانتهاء، ولقد شارفت الستارة عن المشهد الأخير أن يُسدل، وإنني والله وتالله وبالله لأشم رائحة مؤامرة خبيثة يجري الإعداد لها حثيثا للبدء بتنفيذ مخطط إفراغ غزة من أبنائها بعد سفك دمائهم وترويعهم وتجويعهم!!

أتذكرون، أم أنكم قد نسيتم، بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، الذي دعا فيه أبناء غزة وحثهم على التحرك نحو مناطق محددة في رفح نزوحا وهجرة من شمال القطاع، معززا بيانه بخريطة تقسّم أراضي القطاع إلى مناطق وأحياء، في تبرير (مضحك!!) منه للحفاظ على حياة وأمن وسلامة أبناء غزة!!، في وقت استمر جيش الاحتلال بملاحقة أبناء غزة الذين استجابوا لهذا البيان ونزحوا باتجاه رفح، موقعا فيهم المجازر تلو المجازر، حتى يومنا هذا!!

لعل إحدى فصول مسرحية إفراغ غزة تتمثل بإصدار جو بايدن أوامره وتعليماته لجيشه بالبدء بتنفيذ بناء وإقامة ميناء مؤقت قبالة شواطئ غزة بذريعة وحجة تأمين إيصال المساعدات لأبناء غزة، ولعل مسارعة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون للإعلان الفوري بأن بلاده ترحب بهذه الخطوة وأنها ستتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لفتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة، إلا مباركة من بريطانيا لخطوة أمريكا تلك، وما يؤكد هذا المخطط الخبيث هو إعلان إسرائيل عن موافقتها السريعة لغرض تأمين وإدخال المساعدات الإنسانية لجياع غزة بعد أن مارست طوال الأشهر المنصرمة سفك الدماء والقتل والترويع، وعنادها ورفضها فتح المعابر الحدودية البرية أمام تلك المساعدات، ولمن لا يعلم، فإن فكرة إنشاء مثل هذا الميناء كانت مطروحة قبل 10 أعوام، إلا أنها لم تر النور آنذاك بسبب الرفض الإسرائيلي في حينه، أو أن الظروف لم تكن مناسبة أو مهيأة لتنفيذ مخططهم هذا، إلا أن الفكرة أعيد طرحها بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث طرحها وزير الخارجية الإسرائيلي (يسرائيل كاتس)، وتلقفها بايدن، وتوصل إلى اتفاق ومباركة من قبرص واليونان على هذه الخطوة!!.

لقد ندد المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء (مايكل فخري) باقتراح الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بإقامة هذا الميناء المؤقت لنقل المساعدات الإنسانية عبر البحر إلى القطاع المحاصر، مستهجنا الفكرة حيث قال خلال مؤتمر صحفي في جنيف وأقتبس نصا : “للمرة الأولى أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري، لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني… انتهى الاقتباس، ووصف الاقتراح الأميركي بإقامة هذا الميناء المؤقت بأنه “خبيث”، لافتا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم في الوقت نفسه لإسرائيل قنابل وذخائر ودعما ماليا سخيا، كما ورأى أن الرغبة الأميركية في إنشاء ميناء تهدف قبل كل شيء إلى الاستجابة للضغوط الداخلية التي يمارسها جزء من الأميركيين مع اقتراب الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية!!

قد يُفسر إعلان الولايات المتحدة الامريكية عزمها إقامة ميناء مؤقت بأنه ترويج إعلامي لجهود إدارة بايدن في تقديم المساعدات لتهدئة الغضب في الشارع الأميركي من تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وأنها وسيلة لتبييض وجه الولايات المتحدة، خصوصاً أن إدارة بايدن سمحت بصفقات تزيد عن مائة صفقة من الأسلحة والذخائر والقنابل لإسرائيل، بما يؤكد الدعم الأميركي لاستمرار الحرب.

وإزاء ما تقدم، فإن جملة من التساؤلات تطرح نفسها وبقوة:

أيعقل أن الولايات المتحدة الامريكية، بجلال قدرها وعظمتها وكونها القوة الأعظم على كوكبنا هذا، قد فُتّ في عضدها، وأسقط في يدها، فباتت عاجزة تماما عن فرض إرادتها على إسرائيل لفتح المعابر البرية لإيصال المساعدات للجياع!؟، فلجأت لهذا الخيار البحري!!؟، أم أن هناك لعبة خبيثة أخرى تُبَيّت لغزة!!؟      

ولماذا وافقت إسرائيل على إدخال المساعدات الإنسانية الى أبناء غزة من خلال ميناء بحري مؤقت على شواطئ غزة، في وقت كانت قد رفضت وبإصرار وعناد إدخال تلك المساعدات عن طريق البر!!!؟

ما هي الطريقة والكيفية المزمع اتخاذها لتوفير ممرات آمنة لتوزيع المساعدات بعد إيصالها !؟، ومن هي الجهة التي ستؤمن الشاحنات التي ستنقل المعونات الإنسانية من السفن الراسية قبالة شاطئ غزة!؟، ومن هي الجهات التي ستشرف وتتولى توزيعها!!؟.

والجواب على التساؤلات أعلاه، ستجدونه بين ثنايا ما سأقوله أدناه، وأكاد أجزم: 

أولا … بأن مخطط إسرائيل كان أساسا ومنذ بدء الاجتياح البري يتمثل بإجبار أبناء غزة على النزوح نحو صحراء سيناء، من خلال زرع الرعب ونشر حالة اليأس والإحباط والجوع لدى أبناء غزة المحاصرين منذ حزيران 2007 حتى الآن، وذلك من خلال ارتكاب جيشها المجازر اليومية التي سقط فيها أكثر من 30 الف شهيد وضعفي هذا العدد من الجرحى والمصابين طيلة ستة أشهر خلت، تلك المجازر المروّعة التي تمت بمساندة وسكوت ودعم ومباركة الولايات المتحدة الأمريكية (عسكريا وسياسيا)، يُضاف لذلك ما قامت به الولايات المتحدة الامريكية من تعطيلها المتكرر لصدور قرار من مجلس الأمن الدولي بإيقاف العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، والذي كان الهدف منه إتاحة الفرصة لدولة الاحتلال للمُضي بتحقيق هدفها المعلن ( محاربة حماس واجتثاثها أو تحجيمها)، وغير المعلن (التهجير القسري او الطوعي وإفراغ غزة من أهلها)، أقول أن ذاك الإصرار والعناد على اقتراف الإبادة بغية وما رافقها من تدمير كان غايته المبطنة هو فرض خيار الهجرة نحو صحراء سيناء بمصر، ولا زالت ذاكرتنا تحتفظ بمطالبة النتن ياهو من رئيس النظام المصري السيسي أثناء عمليات الاجتياح البري لشمال ووسط غزة بقبول فتح مصر لمعبر رفح لدخول أبناء غزة وبقائهم في سيناء لحين إتمام العمليات العسكرية الإسرائيلية على أرض غزة، ذلك المقترح الذي رفضه السيسي وعارضا عليه بالمقابل قبول النتن ياهو (السماح!!) لأبناء غزة بالعبور الى صحراء النقب حتى انتهاء مهمة الجيش الإسرائيلي بالقضاء على حركة حماس، ومن ثم أعادتهم الى غزة مجددا!!

ثانيا … وحين فشل خيار ترحيل أبناء غزة نحو صحراء سيناء، وتلكؤ تنفيذ قرار النتن ياهو باجتياح مدينة رفح، فإذا بـ (الخطة ب) تظهر للعلن من دُرْج المؤامرات المعدة سلفا كخطة بديلة للتهجير، تلك الخطة البديلة الخبيثة التي تمثلت بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عزمها على بناء وإقامة ميناء مؤقت قبالة سواحل غزة، لتلميع صورتها وإظهارها أنها أقدمت على ذلك لتأمين إدخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة لدرء المجاعة، في حين أن هدفها غير المعلن يتمثل بإجبار أبناء غزة على خيار النزوح والهجرة من غزة و نقلهم بالسفن التي سترسلها أمريكا بذريعة المساعدات الإنسانية !!

إن كل ما فعلته إسرائيل في غزة إنما تم بشكل مخطط وممنهج ومدروس وبعلم ومشاورة ومساندة أمريكا وحلفائها، بغية الاجهاز على قضية فلسطين وإنهائها بمرحلتين، أولاهما من خلال إفراغ غزة من أهلها، ليتم بعد ذلك إفراغ الفلسطينيين من مدن وقرى الضفة ثانيا، وأن صحوة الضمير المفاجئة التي ظهرت على بايدن والمتمثلة بإيصال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة وإنشاء مستشفيات عائمة لعلاج جرحى الحرب، إنما هدفها غير المعلن يرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعا إلى أوروبا وأفريقيا، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر مستقبلا!!.

أن استهداف قوافل المساعدات الإنسانية نمط إسرائيلي مستمر كمجزرة الطحين التي حدثت بشارع الرشيد، وما حدث في اليوم الـ161 للحرب على غزة، وخامس أيام شهر رمضان المبارك الجاري، حيث استشهد عشرات الأشخاص وأصيب عشرات آخرون في استهداف إسرائيلي جديد من خلال طائرة مروحية عسكرية فتحت نيرانها على مدنيين فلسطينيين أثناء انتظارهم مساعدات عند دُوّار الكويت في غزة، كما ولا ننسى مسرحية الانزالات الجوية السخيفة وما سببته وتسببه من فوضى وتدافع الجائعين للحصول على لقمة طعام لهم لا تسمن ولا تغني من جوع، كل ذلك لعمري يدعوننا لليقين بأن كل ما جرى تنفيذه في غزة، ويجري إنما القصد منه تحقيق أهداف إسرائيل المتمثلة بالتخلص من أكبر عدد من الفلسطينيين في غزة إما من خلال القصف الوحشي والابادة الجماعية، أو من خلال تشديد الحصار وتجويع أبناء غزة، وبالتالي بث الرعب والفوضى وتهيئة الأجواء أخيرا لتهجيرهم خارج غزة!!

وإن سلمنا جدلا بصدق نوايا الولايات المتحدة الأمريكية (الإنسانية!!) بتبنيها خيار إقامة المرفأ المؤقت قبالة شواطئ غزة، واستبعاد فكرة التهجير الطوعي أو القسري لأبناء غزة، فإن ما سيجري تنفيذه من خطة إيصال المعونات والمساعدات الإنسانية لغزة لن يغير معادلة حرب التجويع الشديد والصارم التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، كما وأنه يُعَد تسليما وإذعانا للشروط الإسرائيلية التي تقوم على تحكمها مباشرة أو من خلال حلفائها بما يمكن أن يدخل إلى غزة من مواد إغاثية وطبية وغيرها، هذا علاوة على أنه سيأتي لديمومة محاصرة غزة واستمرار التحكم بمصير أبنائها مستقبلا!!

ختاما أقول:

اننا نثق بالله تعالى وبسننه الكونية التي كتبها وملخصها أن النصر في النهاية والميراث الحقيقي سيكون لعباد الله المؤمنين المرابطين، وكذا هم أبناء غزة العزة والكرامة، الذين ضربوا أروع أمثلة الصمود والصبر والثبات على الحق طيلة سنوات الحصار، وما أعقبه من عدوان وحشي همجي طيلة ستة أشهر، وأننا تالله لنراهن وبقوة ثانيا على ثبات وصمود ورباطة جأش أبناء غزة في إسقاط مخطط إفراغ غزة، رغم دماء الشهداء الطاهرة التي روّت أرض غزة والتي بلغ تعدادهم أكثر من 30 ألف شهيد، يُضاف لهم أكثر من 70 ألف مصاب وجريح ومعوق، ورغم حجم الدمار الذي طال البنى التحية لقطاع غزة، ورغم الجوع والعطش!! 

أقول لأبناء الرباط في غزة العزة والصمود، حسبكم ما قاله سبحانه وتعالى في محكم آياته من سورة آل عمران، الآية 173: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.

 

 

التعليقات مغلقة.