في ذكرى وعد بلفور، الياس فاخوري يكتب: من يَفرض على “الأمم المتحدة” وريثة “عصبة الأمم” الاعتذار عن “صك الانتداب البريطاني” علی فلسطين وازالة اثاره؟! … ومن يَفرض على بريطانيا الاعتذار والعودة عن “وعد بلفور” وإزالة اثاره؟!
(==) حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …
“بصرف النظر عن اي الهندين صاحبة البيت المشهور: “نحن بنات طارق// نمشي على النمارق//” .. لم يغادرني البيت .. وقلت لا خوف على أمة “أبدعت” إدوارد سعيد ومحمود درويش وطارق فاخوري – ابو زياد .. ويولدون ويولدون ويولدون!
وقادني هذا لمراجعة سورة “الطارق” في القران الكريم لأقرأ معكم آياتها ١٧،١٦،١٥،١٤،١٣،٩ :
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿٩﴾ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴿١٣﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴿١٤﴾ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧
ومن وحي السورة الكريمة تساءلت، على سبيل التأكيد: هل تفرض المقاومة – بهمة طارق وجيله – علی “الأمم المتحدة” وريثة “عصبة الأمم” الاعتذار عن “صك الانتداب البريطاني” علی فلسطين وازالة اثاره؟! هل تفرض على بريطانياالاعتذار والعودة عن وعد بلفور وإزالة اثاره؟!
وكان طارق قد كتب ب”لُغَةٌ من حوار السماء مع القدس، فضيَّةُ النَبْرِ” عربية، فله، كادوارد سعيد، “لُغةٌ انكليزيّةٌ للكتابةِ طيِّعةُ المفردات”، حاملا بلاده أنى ذهب .. اعلم “إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها في النهاية إبداعُ صاحبها”! ها هو “ابو زياد” يمزق خارطة الذل ويقتحم جدران الامبريالية مدافعا – كما اراد إدوارد سعيد ومحمود درويش – عن الناس والأرض والشجر الذي ترتديه الطيور في الصيف والشتاء وعن الفكرة التي كسرتها هشاشة وسذاجة أصحابها، وعن البلد الذي خطفته الأساطير الصهيونية ..”
اما اليوم (2 نوفمبر/تشرين الثاني) فنعود لل “117” كلمة إنجليزية التي أدّت لسرقة جغرافيا المنطقة وتاريخها وفلسطينها بالتحديد .. اندست هذه الكلمات في وثائق مؤتمر سان ريمو/1920 يوم منح الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين .. كما ضُبطت الكلمات ذاتها متلبسةً صك إقرار الانتداب البريطاني الذي صادقت عليه عصبة الأمم في يوليو/ تموز 1922 اذ احتضن الصك في مقدمته نص تصريح “وعد بلفور” عاهداً لبريطانيا بتنفيذ الوعد .. كما تسللت ال “117” كلمة تلك الى دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، فكان نص التصريح البلفوري في مقدمتها!
“لَقَدْ أَضَلَّكم فوقّٓعتم ووقعتم، وَكانَ الشَّيْطانُ “الصهيواوروبيكي” لِكم خَذُولًا، فَاصْبِحُتم عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ .. فلا تكتفوا اليوم بوقف التنسيق تنفيذا لقرار التحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل، واتخذوا مع المقاومين سبيلا!
نعم اليوم، وبعد كل ما حصل ويحصل، أرجوك ان أقْدِم .. أعلنها، سيادة الرئيس، واسقط “الصفقة” بقرنها وقرونها ..
أعلنها “أبو مازن”، أعلنها – ولو من غزة!
اعلنها واتخذ مع المقاومين سبيلا ..
اعلنها وافتح بجزمة الفدائي أُفقا”
قليل من التاريخ لا يُحزن قلب الانسان ولا يُشقي الروح!
لنعد الى مؤتمر كامبل بنرمان، ذلك المؤتمر الإمبريالي الذي انعقد في لندن بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني بعد ان زكمت ألانوف رائحة النفط في المنطقة! هدف المؤتمر إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق الدول الاستعمارية ومكاسبها إلى أطول أمد ممكن. وقدم المحافظون فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت. وضم المؤتمر الدول الاستعمارية حينها وهي: بريطانيا، فرنسا،هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر عام 1907، خرجوا بوثيقة سرية سموها “وثيقة كامبل” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان. خلص المؤتمرون إلى نتيجة مؤداها: “إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، ومهد الأديان والحضارات، أيضاً”. اما إشكالية هذا الشريان فتلخصها الوثيقة: “ان شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص تضم شعبا واحدا تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان” .. و أسترسل المؤتمرون ان خطورة الشعب العربي تكمن في وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان .. ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي، ورأى ضرورة العمل على ابقاء وضع المنطقة العربية متأخرا، وعلى ايجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا دعوا الى فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي بإقامة الدولة العازلة Buffer State لتكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ لشعب المنطقة ومصادق للدول الأوروبية. وهكذا قامت إسرائيل بهدف تفكيك وتشظية وتفتيت وتجهيل شعوب هذه المنطقة وحرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية ومحاربة أي توجه وحدوي فيها (الشريف حسين في مطلع القرن العشرين، وعبد الناصر في نصفه الثاني مثلاً)!
اما إسرائيل فكان من الممكن أن تنشيء كيانها المحتل (وطنها القومى كما تقول) في أوغندا أو الأرجنتين كما كان مطروحا قبل فلسطين لولا صدفة النفط والغاز في منطقتنا! وها هو المؤرخ اللبناني الراحل، د. كمال الصليبي، يطرح في كتابه “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، الذي صدر في العام 1985نظرية “خطأ تحديد جغرافية الحدث التوراتي”، التي تتلخص بوجوب إعادة النظر في “الجغرافيا التاريخية للتوراة”، حيث يثبت أن أحداث “العهد القديم” لم تكن ساحتها فلسطين بل أنها وقعت في جنوب غربي الجزيرة العربية .. كما حاول د. الصليبي، في كتابه “خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل”، الذي صدر في العام 1988 التأكد من صحة الجغرافيا التاريخية للتوراة، وتصحيح ما ورد من تفاصيل في كتابه السابق “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، وهو، هنا ، يعيد النظر في عدد من قصص التوراة المألوفة على ضوء جغرافيا الجزيرة العربية إذ يلحظ أن الأكثرية الساحقة من أسماء الأماكن التوراتية لا وجود لها في فلسطين والقليل الموجود هناك لا يتطابق من ناحية الحدث مع تلك المذكورة بالأسماء ذاتها في التوراة .. ويقدم الصليبي، في كتابه “حروب داوود: الأجزاء الملحمية من سفر صموئيل الثاني مترجمة عن الأصل العبري”، الذي صدر في العام 1990ترجمة جديدة لأخبار الحروب التي خاضها داوود حين كان ملكا على “جميع إسرائيل” (1002 _ 962 ق م تقريبا)، كما هي مروية في الأصل العبري لسفر صموئيل الثاني من التوراة .. ولم يتخل الصليبي في كتابه الأخير [عودة إلى “التوراة جاءت من جزيرة العرب” – أورشليم والهيكل وإحصاء داود… في عسير] الذي صدر في العام 2008 عن اطروحته مصححاً قراءات واجتهادات سابقة عن هذه المواضيع مستندا في ذلك كله إلى أدلة اكتشفها في مجالي اللغة والآثار، وقام بمقارنتها بالمألوف والسائد من “الجغرافيا التاريخية للتوراة”!
اما بنو اسرائيل فمن شعوب العرب البائدة، اي من شعوب الجاهلية الاولى، الذين كان لهم بين القرن الحادي عشر والقرن السادس قبل الميلاد، ملك في بلاد السراة. وقد زال هذا الشعب من الوجود بزوال ملكه، ولم يعد له اثر بعد ان انحلت عناصره وامتزجت بشعوب اخرى في شبه الجزيرة العربية وغيرها .. اما اليهودية فديانة توحيدية وضعت أسسها أصلا على أيدي أنبياء من بني اسرائيل (وهم عرب من شعوب الجاهلية الاولى) وانتشرت على أيديهم اول الامر ثم استمرت في الانتشار بعد زوالهم وانقراضهم كشعب!
وبقوة الحجج الموضوعية – رغم تغلب النزعة البراغماتية لديهم بالتحليل النهائي – استدعي هنا “بعض شهود من أهلها” يؤكدون عدم أحقية اليهود الإسرائيليين في أرض فلسطين، وذلك كونهم شعب اتٍ من الكتاب المقدس، أي أن هذا شيء خيالي تم اختراعه بأثر رجعي لا تتطبق عليه مفاهيم او معاني او دلالات “الأمة” او”الشعب” او”القومية” او”الإثنية” أو اي من مكونات “الثقافة الإثنوغرافية” .. لا وجود لتجانس بيولوجي بينهم سيما وقد اعتنق الديانة اليهودية كثيرون في شمال إفريقيا واسبانيا ومناطق مختلفة من العالم بما فيها مملكة الخزر .. لم ولا يجمعهم سوى الدين او الثقافة الدينية .. وفي ظل تبلور الحركات القومية في أوروبا تم اختراع هذا الشعب اعتباطا. أما عن تهجير اليهود بالتزامن مع دمار الهيكل الثاني عام 70 م فان هي الا اسطورة مسيحية تسربت تدريجيا إلى الإرث اليهودي وجرى استنساخها بقوة داخل الفكرة الصهيونية .. فالرومانيون لم يقوموا قط بنفي “شعوب”. كذلك، فإن الآشوريين والبابليين لم يلجأوا في تاريخهم إلى إبعاد السكان الخاضعين لاحتلالهم .. كما أن مصطلح “منفى” وضع في القرن الثاني والثالث الميلاديين وقد عنى عملية استبعاد سياسية للبعض وليس عملية اقتلاع من البلاد.
فها هو شلوموساند (Shlomo Sand) بمؤلفاته الثلاث: “اختراع الشعب اليهودي”، “اختراع ارض اسرائيل”، “كيف توقفت عن كوني يهوديا/كيف لم أعد يهوديا”
(The Invention of the Jewish People,The Invention of the Land of Israel, How I Stopped being a Jew)
ونورمان فينكيلشتاين (Norman Gary Finkelstein) مؤلف: “صناعة الهولوكوست”
(The Holocaust Industry: Reflections on the Exploitation of Jewish Suffering)
وإسرائيل شاحاك (Israel Shahak) مؤلف: “الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة”
( Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three Thousand Year)
وارثر كوستلر (Arthur Koestler) مؤلف كتاب: “امبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة”
(The Thirteenth Tribe)
الى جانب كمال الصليبي (Kamal Salibi) في كتبه خاصة: “التوراة جاءت من جزيرة العرب”، “خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل”، “البحث عن يسوع – قراءة جديدة في الأناجيل”
,The Bible Came from Arabia, Secrets of the Bible People, The Historicity of Biblical Israel)
Who Was Jesus?: Conspiracy in Jerusalem)
وروجيه غارودي (Roger Garaudy) في مؤلفه: “الأساطير المضللة للسياسة الأسرائيلية”
(The Founding Myths of Israeli Politics)
يؤكد هؤلاء جميعا ويوثقون ان اليهود لم يكونوا يوما امة قومية من أصل عرقي واحد او مشترك، بل هم مزيج من جماعات مختلفة تبنت الديانة اليهودية .. اما القومية اليهودية فان هي الا ميثولوجيا جرت فبركتها لتبرير وتمرير إقامة الدولة الإسرائيلية/اليهودية فاسرائيل لم تقم بفعل جدلية التاريخ او التقاطع الجيوبولتيكي، بل بفعل صدفة النفط والغاز .. ليس باسم الله، بل باسم النفط، وربما الغاز، حطت اسرائيل سفاحا، كيانا مسخا .. لم يكن باسم الله انتزاع فلسطين من الخارطة العربية قربانآ ليهوة، وليس باسم الله يتوالى تقديم القرابين الى يهوة ومنها – على سبيل المثال – مشروع ترامب المزمع اسناد او إنقاذ اسرائيل بسبعة آلاف دولار في الدقيقة الواحدة!
اما نحت الزمن اليهودي وتزييف الحقائق وفقا للمصالح والأهداف السياسية والأغراض الاستراتيجية فحرفة مزوري التاريخ المعتمدين من الحركة الصهيونية الذين دأبوا على اختراع وعي جديد لليهود، بكل ما يتطلبه ذلك من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس، وأبطال، ولغة والطوابع البريدية باعتبارها أدوات مهمة “لاختراع الشعب” .. وفي استجابة للهواجس التوراتية التلمودية تراهم مغالون في تشكيل الشخصية اليهودية لاهوتيا لتبلغ أرض الميعاد وتغطي الكرة الأرضية بكافة زواياها متجاوزة “كلاسيكية الفرات والنيل” تمثلا بيهوة ونفيا للآخر .. وهكذا برز مفهوم جديد هو “الشعب الإسرائيلي” ليصبح “شعب يهودي” في سياق التحولات التي تحرص الصهيونية على استكمالها نحو “دولة يهودية” تجسد إلغاء الأغيار والاستيلاء والاستعباد خرقا للمعاهدات وتوسلا لضغوطات مالية واعلامية وعسكرية!
وبعد، لو كانت البطاطا إذن هي المنتج الرئيسي في المنطقة والأرض تعبق برائحة الفل (لا النفط والغاز)، هل كان للكيان المحتل ان ينشأ في فلسطين؟!
نعم سيَفرض “طارق فاخوري”، ومعه اصحاب الحق، على “الأمم المتحدة” وريثة “عصبة الأمم” الاعتذار عن “صك الانتداب البريطاني” علی فلسطين وازالة اثاره؟! وسيفرض على بريطانيا الاعتذار والعودة عن “وعد بلفور” وإزالة اثاره؟!
وهكذا تتحقق نبوءة “ديانا” المتقوشة على ظهر الدهر: “اسرائيل الى زوال” فنصغي
لصدى خطواتِها فى أرض فلسطين ونردد معها:
التعليقات مغلقة.