حول نضال البلاشفة – الشيوعيين- ضد الصهيونية / خليل أندراوس
خليل أندراوس ( فلسطين المحتلة ) – الأحد 24/9/2023 م …
في الفترة التاريخية التي تم فيها في روسيا، تثقيف الجماهير الكادحة بروح الأممية البروليتارية واعدادها لثورة اكتوبر الاشتراكية، ناضل الحزب الشيوعي بدأب وثبات ضد التطرف القومي والتعصب القومي بما في ذلك لا بل اولها التعصب القومي اليهودي بكل اشكاله. هذا الموقف المبدئي الأممي المناضل ضد كل أشكال “الأشتراكية” القومية، وخاصة “الأشتراكية الصهيونية” ، دفع الزعماء والنظريين الصهاينة نحو محاولة تمرير فكرة خرقاء تماما مفادها أن التشهير بالصهيونية ونضال الحزب الشيوعي في ذلك الوقت برئاسة لينين، لم يقم بها الحزب ولينين بل قام بهما “اليهود البلاشفة الممثلون” (الممثلون داخل الحزب البلشفي) الذين ارادوا تصفية حساباتهم الشخصية ضد “اليهود ذوي التفكير القومي” .
لقد كشف حزب البلاشفة كل رجعية الصهيونية وخطر هذه الحركة على الجمهور اليهودي والروسي وكشف عداوة الحركة الصهيونية لكل نظام ديموقراطي. وما يجري الآن من صراع داخل المجتمع الاسرائيلي حول صلاحيات محكمة العدل العليا هي أكبر مثل على أن الايديولوجية الصهيونية العنصرية لا تقبل بنظام ديمقراطي حتى داخل دولتها.
هذا بالاضافة الى أن حزب البلاشفة أكد بأن نجاح الصهيونية بمشروعها سيؤدي الى حكم قلة من الرأسماليين اليهود والى استعباد الجماهير العمالية الكادحة بما في ذلك العامل اليهودي.
فالصهيونية – ايديولوجية البرجوازية اليهودية وممارستها السياسية- والتي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، في عام 1897 عندما عُقد أول مؤتمر صهيوني في بال (سويسرا) وأنشىء ما يُسمى بالمنظمة الصهيونية العالمية وهذه المنظمة ما تزال ومنذ ذلك الوقت المركز القيادي للصهيونية العالمية، والتي تخدم طبقة رأس المال العالمي وخاصة طبقة رأس المال اليهودي فالأوساط البرجوازية الكبيرة اليهودية الأصل مُتلاحمة مع الأوساط الاحتكارية في الغرب عامة، وفي المقام الأول في الولايات المتحدة الامريكية.
ان ظهور الصهيونية على المسرح التاريخي يتطابق من حيث الزمن مع تحول رأسمالية المُزاحمة الحرة الى امبريالية.
أي حين أخذت الطبقة العاملة وجماهير الكادحين الواسعة تنخرط بنشاط في النضال ضد هيمنة وسيطرة طبقة رأس المال العالمي، ومن اجل تحررها الاجتماعي والقومي والوطني. وحينها بدأت تعمل في عدد من البلدان الغربية أحزاب ماركسية ثورية كافحت وناضلت من أجل المجتمع الاشتراكي – هدفها النهائي.
وفي ذلك الوقت، والان تعمل والطبقة البرجوازية الصهيونية عالميا، وهنا في اسرائيل، بكل الوسائل لمنع انعتاق اليهود المدني، وبهذا يعملون من حيث الجوهر في جبهة واحدة مع أعداء السامية، وبذلك عرقلوا وأفشلوا عملية اندماج اليهود مع الشعوب الاخرى ولذلك لا نستطيع أن نقول بأن الصهيونية ومعاداة السامية وجهان لعملة واحدة.
والآن سياسات اليمين الصهيوني في اسرائيل حولت اسرائيل الى غيتو تُهيمن عليه وتسيطر الأوساط العليا الدينية الظلامية.وهنا لا بد وأن نذكر بأن اغلبية كبار الرأسماليين اليهود لم تتجه الى الصهيونية وحسب، بل أتجهت كذلك الى الاستفادة من سائر عوامل التأثير في الشغيلة من خلال احزاب انتهازية تدعي بأنها احزاب اشتراكية مثل حزب البوند في الماضي واحزاب “الاشتراكية” الكاذبة الانتهازية هنا داخل اسرائيل، والتي اصبحت الآن أي هذه الاحزاب مهمشة كليا داخل المجتمع الاسرائيلي الذي تحول الى مجتمع تُهيمن عليه الاوساط اليمينية الدينية الأصولية العنصرية المتطرفة ووجود وزراء أمثال سموترتش وبن غفير لأكبر مثل على ذلك.
نشأت الصهيونية وتطورت وتنامت بحماية ودعم وتشجيع الحكومات في عدد من الدول الامبريالية التي كانت تنافس فيما بينها في السعي الى وضع هذه الحركة العنصرية الشوفينية في خدمتها. فقبل ظهور المنظمة الصهيونية العالمية بزمن طويل، حاكت الاوساط الحاكمة في الامبراطوريات الاستعمارية، وخاصة بريطانيا وفرنسا، وبعد ذلك الولايات المتحدة خطط بناء كيان دولة لليهود في الارض المقدسة -في فلسطين – يكون قاعدة ارتكاز للتوسع الاستعماري للغرب الراسمالي الامبريالي في الشرقين الأدنى والأوسط.
دعمت الدول الامبريالية بطيبة خاطر الشعار الصهيوني القائل بانشاء “وطن قومي يهودي” في فلسطين، لأنهم ادركوا أن هذا يساعد في تحقيق خططهم وأهدافهم الرجعية الاستعمارية الكولونيالية في الشرقين الادنى والأوسط. وهنا اريد ان أذكر بأنه قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل – سويسرا وقبل حصول هرتسل على موافقة ماكس نورداو على أفكاره في عام 1895 كانت قد مرت أربع عشرة سنة على تأسيس منظمة “أحباء صهيون” في روسيا وبولندا ورومانيا وفي دول اوروبا الوسطى وكانت في ذلك الوقت في فلسطين “أرض أسرائيل” عام 1895 ثماني عشرة مستوطنة أقامها اليهود الذين جاءوا في الهجرة الاولى بعد أن حصل معظمهم على دعم مالي من البارون روتشيلد، وبعضهم من “لجنة أحباء صهيون” في روسيا.
ان الصهيونية – هذه الايديولوجية العنصرية الشوفينية التي ولدتها الامبريالية، وهذه الايديولوجية الأشد اغراقا في الرجعية من بين كل انواع التعصب القومي البرجوازي – قد كانت منذ بادىء بدء نشوئها عدوا من ألد أعداء الماركسية. من ألد أعداء الاشتراكية الديمقراطية الثورية. ففي عام 1920 كتب ونستون تشرشل مُعربا عن رأي الأوساط الحاكمة الانجليزية، انّه يعتبر الصهيونية “ردا على الشيوعية العالمية” في المسألة اليهودية.
وانّه “ينبغي” لهذا السبب “أن تظفر” الصهيونية بروح الشعب اليهودي. وهنا أقول بأن هيمنة هذه الايديولوجية الصهيونية العنصرية، دفعت بأغلبية الشعب الاسرائيلي الى الوقوع في هاوية التطرف العنصري الشوفيني وما يجري الآن من ممارسات عنصرية يمينية متطرفة، ضد الشعب الفلسطيني صاحب القضية العادلة الكونية الأنسانية لأكبر مثل على ذلك.
ان ايديولوجيي الصهيونية وزعمائها قد أكدوا بمثابرة بمثابرة واصرار على جوهرها المضاد للثورة، والمضاد للماركسية وللاشتراكية. فقد جاء في وثيقة صهيونية من القرن التاسع عشر قولها:” الاشتراكية … تعترض طريق الصهيونية …الصهيونية والاشتراكية ليستا قطبين متنابذين وحسب، بل أيضا عنصران ينفي أحدهما ألآخر نفيا تاما.
الصهيونية ضرورية حيث يوجد يهود، ولا غنى عنها حيث بالاضافة يجري غليان في رؤوس اليهود”. (أرشيف ثورة اكتوبر المركزي التابع للدولة 1898 الملف 11).
الصهيونية التي نادت بنفسها على نحو ديماغوغي عنصري بأنها” حركة تحرر للشعب اليهودي” وما الى ذلك، منذ اولى خطواتها، وتاريخيا، والآن، لا جوهرها البرجوازي وحسب، بل أيضا جوهرها الاستعماري الكولونيالي المُوالي للامبريالية، وأصبحت دولة اسرائيل القاعدة الأمامية للامبريالية العالمية في منطقة الشرق الأوسط.
لقد وصف كارل ماركس طبقة البرجوازيين اليهود بأنهم برجوازيون كبار يُمثلون الرأسمالية التجارية من خلال تجربته في فرنسا وألمانيا والنمسا وبريطانيا. حيث كان البرجوازيون اليهود في اوروبا يعملون في التجارة والصيرفة وزاد أرتباطهم أكثر فأكثر بالنظام الرأسمالي، وأما لينين فقد رفض الصهيونية لأنها تُمثل الانفصالية القومية ومُعيقة لتقدم الثورة لا بل مُعادية سياسيا للثورة.
ولذلك من المُؤسف بأن البعض من قادة الاتحاد السوفييتي اعتقد بأنه من الممكن الاستفادة من الصهيونية ” الاشتراكية” الانتهازية الكاذبة، من أجل احداث ثورة اشتراكية في المنطقة اي منطقة الشرق الاوسط، في حين هدف الايديولوجية الصهيونية خادمة طبقة رأس المال العالمي والصهيوني كان هدفها وما زال أقامة قاعدة أمامية للامبريالية العالمية – اي اسرائيل- والتي تُمارس كل أساليب العدوان والاحتلال والاستيطان الكولونيالي والحصار ضد شعوب المنطقة عامة والشعب الفلسطيني خاصة.
وهنا أريد أن أذكر بأن دراسة كارل ماركس للمسألة اليهودية كانت أول دراسة علمية مادية جدلية حيث قال بأن اليهودية لا تبلغ ذروتها الا مع اكتمال المجتمع البرجوازي وفي هذه الدراسة التي قام بها ماركس قبل قيام الصهيونية كان قد حدد ما اسماه بالذروة التي ستكتمل باكتمال المجتمع البرجوازي وهي الحركة الصهيونية العالمية ذاتها التي ولدها النظام الراسمالي وارتبطت به ارتباطا استراتيجيا مصيريا.
وهنا يكفي أن نذكر بأن نصف رأس المال العالمي موجود بأيدي عائلة روتشلد اليهودية.
وفي هذا المجال اريد ان اذكر ما كتبه هرتسل، على سبيل المثال، يقول:” برنامجي (اي البرنامج الصهيوني) برنامج استعماري”.
وهذا البرنامج الاستعماري نفذته بأنسجام وتتابع هيئات ومنظمات متنوعة عملت بأشرلف المنظمة الصهيونية العالمية (م ص ع) – التروست الاستعماري اليهودي المعروف كذلك باسم المصرف الاستعماري اليهودي (تأسس في عامي 1898 و 1899) ولجنة الاستعمار (سنة 1898) والهيئة اليهودية القومية – كيرن كييمت (سنة 1901) والمكتب الفلسطيني (سنة 1908) وشركة تنمية الاراضي الفلسطينية (سنة 1908) وفي سنة 1920 انشئت في قوام اللجنة التنفيذية م.ص. ع دائرة خاصة للاستعمار اسمها ” الهيئة التأسيسية الفلسطينية” (كيرن هيسود)، وفي عام 1921، انشئت الوكالة اليهودية لأجل فلسطين التي حصرت في يديها قيادة الاستعمار الصهيوني “لأرض التوراة”.
وهنا اذكر بأن قيادات الحركة الصهيونية سابقا وحتى الان يروجون الصيغ الصهيونية للنظريات العرقية بصدد ” رسالة” الغرب ” التمدينية” و ” أعباء الانسان الأبيض” في الشرق. فقد كتب هرتسل مثلا،” أن ينبغي على الصهاينة ان يبنوا في فلسطين ” مخفرا أماميا ” للحضارة مقابلا للبربرية”. ولكن التطور التاريخي للصهيونية، افرز وأظهر وجهها الحقيقي العنصري الشوفيني الكولونيالي البربري خاصة الآن، في فترة حكومة اليمين الصهيوني المتطرف، وأوجد دولة أبرتهايد.
التعليقات مغلقة.