الياس فاخوري يكتب: من منظمة التجارة العالمية والدولار إلى مجموعة بريكس (5 + 13) والعملة الوطنية .. ومن هيروشيما في اليابان الى شيآن (تشانغان) في الصين!

3٬917
الياس فاخوري ( الأردن ) – السبت 3/6/2023 م …
* * ملاحظة من المحرر:
حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا الراحلة الكبيرة المفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة أعلاه لهما معا …
 منذ 78 عاما، أُستنسخت هيروشيما جهنماً بفضل القنبلة الذرية الامريكية .. ومنذ نيف وواحد وعشرين قرناً، كانت تشانغان  نقطة الانطلاق الشرقية لطريق الحرير!
 

شيدت مدينة هيروشيما عام 1594م على ستة من الجزر الواقعة حول دلتا نهر “أوتا”، وتطورت لتصبح مركزا للتجارة .. وفي السادس من أغسطس عام 1945م تلقت القنبلة الذرية التي دمرت أكثر من 90% من مبانيها ومنشآتها، وقتلت نحو 140,000 (ذابت جثث أكثر من 70.000 في النار فوراً)، وجرحت اكثر من 90,000 من سكانها ليبقي عشرات الآلاف بلا مأوى .. وبحسب دراسة أجرتها المدينة في شهر آب عام 2004م، قُدّر عدد الذين ماتوا بتأثير القنبلة، وما صاحبها مَنْ تسمم إشعاعي أو ما يعرف ب ـ”متلازمة الإشعاع الحادة”، بنحو 237 ألف شخص، بالإضافة إلى 270 ألف شخص تضرروا منها ومازالوا على قيد الحياة. 

اما تشانغآن فقد نشأت على طول طرق الحرير. وبفضل موقعها الإستراتيجي، فقد شكّلت مركزاً متميزاً للتفاعلات والتبادلات المكثفة التي أدت إلى نشوء مدن عالمية كبيرة تتمحور حول هذا النشاط التجاري، فاحتضنت موانئ وأسواق تضمنت بضائع طرق التجارة ووفرت للتجار أماكن للاستراحة، والبيع، والشراء، وللتعارف، وتبادل الأفكار والعادات واللغات. وهكذا، جذبت العلماء والمعلمين وعلماء اللاهوت والفلاسفة، وأصبحت من المقامات العظيمة للتبادل الفكري والثقافي، وشكلت الأساس لتطور العديد من الحضارات عبر التاريخ .. نعم، كانت مدينة تشانغآن الواقعة بالقرب من مدينة شيان الحديثة في مقاطعة شنشي، الصين إحدى المحطات الشرقية المتميزة لطرق الحرير ليصبح هذا المركز التجاري الرئيسي موطناً للعديد من الحضارات في أوقات مختلفة فيما يعرف اليوم بأوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، وتضم عواصمها مدن طرق الحرير الشهيرة كسمرقند وبخارى.
وكانت كتابات “ديانا فاخوري” قد اشارت ل“قمة الصين-آسيا الوسطى” ومعها “قمة جدة العربية” تأكيداً لبدء أفول التأثير الغربي وانعتاق دول وشعوب العالم من أكاذيب وأوهام المساعدت الغربية، وتَفتُّح العيون والشفاه على نهب الثروات واستمرار زرع بذور الفرقة والشقاق بين الصفوف فنبقى جميعاً خاضعين خانعين اذلاء مستسلمين لإمرة أطماعهم وجشعهم! وعلى الضفة الاخرى، تنعقد قمة مجموعة السبع المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان في مدينة هيروشيما في اليابان .. قِمّتان للسلام والتآخي، وثالثة لمواصلة الهيمنة والتسلط ولو بالحروب ناعمةً او خشنة، باردةً او نووية!
 
اي مسرحية اتت بالمهرج الدمية “زيلنسكي” لقمتي جدة وهيروشيما وقد انعقدتا بنفس الوقت (19 أيار / 19-20 أيار)!؟ أهي تمثيلة محاكاة عن الخنوع لدول الغرب وتنفيذ مخططاتها المتهورة التي تكاد تودي بأوكرانيا وشعبها خدمةً لأجندات غربية ضد روسيا والصين .. انها دول استعمارية طالما قاست البشرية من دموية حروبها ووحشيتها كما كتبت “ديانا” وكررت، وهي ما انفكت تسعى لمواصلة تعسفها وطغيانها بكل غطرسة وتجبّر – تعطيل وارباك مخرجات قمة جدة، واتفاق بكين السعودي الإيراني ان هي الا مجرد أمثلة!
 
قمّتان ومكانان ورمزية تشي بالجوهر: قمّة مجموعة السبع للهيمنة والاستبداد والتسلح والحروب في هيروشيما اليابان .. و”قمة الصين-آسيا الوسطى” للسلام والتآخي والتعاون والتعاضد في شيآن (تشانغان) الصين .. قمة التوحش الامبريالي والجشع الرأسمالي بالحروب والدمار نووياً خشناً واقتصادياً ناعماً .. وقمة التقاء الحضارات والتنمية والبناء نحو تشكيل أقطاب حقيقية متناغمة ومتفاهمة على الغايات والوسائل تآزراً وازدهاراً!
 
 
وهكذا جاء حفل افتتاح “قمة الصين-آسيا الوسطى” تعبيراً فنياً رائعاً وتجسيداً لحضارة العيش المشترك والمنفعة المتبادلة .. وكان الارث الشعبي الصيني امثالاً وشعراً يتلألأ في كلمة الرئيس الصيني ويُشِّع تضامناً وتسامحاً في سياق شجب الصراع العرقي والتنديد بالنزاع الديني ليعلن “إن الصداقة بين الإخوة أغلى من أي ثروة” .. كما قدمت  كلمة الرئيس شي جين بينغ، بحضور رؤساء قيرغيزستان وطاجكستان وتوركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان، برنامج عمل لتبادل اقتصادي ثقافي يستند لانعاش وتعميق التواصل والترابط بين هذه البلدان وشعوبها ابتغاء خير الجميع ومصالحهم. 
 
 في تباينٍ بيّنٍٍ مع “قمّة شيآن” وانسجامٍ واضحٍ مع “قمّة هيروشيما”، تعلن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا – مثلاً – قبولها محاكمة الرئيس بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية كأنها لم تقرأ تقرير ديفيد شيلد، نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون، حول وجود أكثر من 1200 فصيل مسلح على الأرض السورية يتلقون مليارات الدولارات من الذين يريدون تحويل سوريا الى “قهرمانة بلاط” .. كما تُحذّر المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر – مثلاً أيضاً – من “تصعيد نووي ايراني مقلق للغاية”، وفاتها ان الصاروخ الإيراني المقلق للغاية تقليدي للغاية. أما هدية الفرنسيين مفاعل ديمونا وخبراء صناعة القنبلة النووية لإسرائيل منذ سبعة عقود فغير مقلق ولأي غاية! ثم هل نسيت سيدة الكي دورسيه أن نحو مليون ونصف مليون جزائري قد استشهدوا على أيدي حكام فرنسا لمجرد أنهم طالبوا باستقلال بلادهم؟ ، وماذا عن قضية الجزائريين الذين قتلتهم او اصابتهم النظائر المشعة التي أحدثتها التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية! 
 
ومن “قمّة هيروشيما” أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك “إن الصين تشكّل التحدي الأكبر في عصرنا”؛ تحدٍ اقتصادي وسياسي ودبلوماسي وثقافي وإنساني وأخلاقي – تحدٍ في أسلوب التعامل والاحترام المتبادل .. وعن قمّة شيآن” أعلنت الخارجية الصينية “ان الزمن الذي كانت فيه بضع دول غربية متقدّمة تتدخّل في الشؤون الداخلية لدول أخرى وتهيمن على العالم بأكمله قد ولّى وانتهى إلى الأبد”. وبعد، هل يليق بأوروبا أن تُمسخ ظلاً للولايات المتحدة وأن تحاول اشعال النار ولو من ثقب الباب!؟
صحيحٌ أن ظهور الرئيس السوري في قمة جدة، واتفاق بكين بين السعودية وايران قد أحدثا صدمة لدى الدول الغربية التي كانت “تعتاش” من تلك الصراعات .. وصحيحٌ أيضاً ان حروب الغرب على الغير تنهك شعوب الغرب نفسه، فها هي الولايات المتحدة تنفق سنوياً قرابة تريليون دولار على ميزانيتها العسكرية لتشكّل 40% من الإنفاق العسكري العالمي بما يزيد عن إنفاق الدول العشر التالية مجتمعة. ولعل هذا الإنفاق ما جعل الولايات المتحدة أكبر دولة مدينة في العالم. وترتبط أزمة المديونية هذِه بإفقار كل القطاعات الأخرى: التعليمية والصحية والنقل والخدمات – من أجل إشعال الحروب في بقع مختلفة من العالم. وهكذا لإ بد من مواجهة المجمع العسكري الصناعي في الولايات المتحدة الأميركية لإعادة التوازن لوضع الولايات المتحدة الحالي .. وعله ترون انضمام العديد من حلفاء أميركا إلى البريكس ليصبح بريكس: 5 + 13 تعبيراً عن تلبية حاجات لا تتحقق تحت المظلة الغربية.
 
وبمقابل سياسة احراق الغابات واقتلاع الأشجار والمحاصرة والتجويع، فقد اختتم جين بينغ ورؤساء دول آسيا الوسطى قمّتهم بزراعة ست شجرات رمان، – هذه الشجرة الضاربة في القدم، الشجرة المباركة، شاهد التعايش السلمي بين الشعوب.
 
وأختم بحكمة العرب في “جاهليتهم” بلسان شاعر المعلقات زهير بن أبي سلمى:
 
“وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ  تُرضِع فَتَفطِمِ”
 
يكشف زهير بن أبي سلمى في هذا المشهد قُبح النتيجة النهائية للحرب حيث أنها لا تأتي إلا بالموت والدمار والخراب والفناء. يشبّهها مرةً بالرحى التي تدور فتطحن الناس ولا تبقي لهم اثرا، ومرةً بالناقة التي تحمل،ً على ضررٍ، عامين متتاليين فتلد في كلِّ عامٍ التوائم التي تضاهي في الشؤم عاقر الناقة اذ ترضعهم الحروب وتفطمهم، أي تكون ولادتهم ونشوؤهم في الحروب  شؤماً عَلى اَهلها كنايةً عن كثرة الشرور والمصائب التي تأتي بها – وفي كل هذه الصور والتجسيدات تفظيعٌ لأمر الحرب، وتحذيرٌ من عاقبتها، وحثٌّ على الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يشعلها أو يثيرها؛ لأن العواقب حينها ستكون وخيمة!
 
واعود الى “ديانا”، فقد هزمتك يا موت روحا نقيّا كالسَّنا ..

اما فضائلها، فلن تُحصر مهما تصدت لها الأسفار والكتب ..

الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
 
* الياس فاخوري
كاتب عربي أردني