الياس فاخوري يكتب : من ميخائيل نعيمة وفرانز فانون وبابلو نيرودا الى محمود درويش وديانا فاخوري: اعتذار عن خظيئة كولومبوس المميتة (اكتشاف امريكا – الطاعون، مطحنة التاريخ والبشرية، قاتلة البريق في العيون)!

3٬905
الياس فاخوري* ( الأردن ) – الخميس 18/5/2023 م …
هذا ما قاله ميخائيل نعيمة عن غطرسة وجبروت امريكا، وكان قد عاش فيها 20 عاماً (1912 – 1932)، ودرس هناك (University of Washington)، وانضم لجيشها إبان الحرب العالمية الاولى:
 
“من أنتَ حتى تحكمَ البشرا، كأن في قبضتيكَ الشمس والقمرا.
هل أنت نور السما؟ أم أنت خالقها، تسيّر الفلكَ والدوارَ والقدرا؟
أم أن ربّك لاقى فيك سيّده، فعاف من أجلك السلطان وانتحرا”!
 
يكاد هذا الموقف لميخائيل نعيمة ان يكون مجهولاً، تماماً كما تَطَرُقِه لحرب صليبيّة ضد الشيوعيّة وسخريته من إلحاد ألمعادين للشيوعيّة، لا من إلحاد الشيوعيين. كما رأى، إثر زيارته الاتحاد السوفياتي عام 1956، ان مسألة الحريّة هناك لا تختلف عنها في امريكا (سيان في المنظومتَيْن)!
اما محمود درويش فقد رأى في “مديح الظل العالي”:
 
“.. أمريكا على الأسوار
تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية .. 
يا هيروشيما العاشق العربي
أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا ..
نعـسنا .. أيقظتنا الطائرات وصوت أمريكا .. 
لأمريكا سنحفر ظلنا” .. ونشخ مزيكا على تمثال أمريكا…
اما “ديانا فاخوري” فقد أفردت عدة مقالات لهذا الموضوع ( منها بتاريخ March 11, 2022 وFebruary 13, 2019) اذ تناولت الرئيس الامريكي “الذي عين نفسه إلها اعلى على الكون يمنح القدس عاصمةً لإسرائيل وفنزويلا ولايةً لخوان غوايدو في الوقت الذي يحاول التوصل لاتفاقات مع طالبان وداعش وماشابه .. يلغي اتفاقا نوويا هنا، ويجمد اخر هناك، ويعقد ثالثا في زاوية اخرى من الكرة الأرضية .. له مال العالم، ذهب العالم، نفط العالم، وغاز العالم .. له الجزية وكل الضرائب و”الخُوّات” .. له الشمس، والقمر، واحد عشر كوكبا – بل كل النجوم والأجرام وكل صفقات الإجرام! أكرر: من أعطاك هذا الحق؟ من سماك بأسماء الله الحسنى؟ كيف اغتصبتها فتأخذ ما تشاء وتمنع ما تشاء!؟ هل غدوت الرحمن على العرش استوى تقبض وتبسط وتلعن وتبارك .. تعز من تشاء وتذل من تشاء .. تدين من تشاء وتسامح من تشاء؟! “من نصبك (بالشدة وبدونها) “هُبَلا” (بفتح الباء) على مجموعة “هُبل” (بتسكين الباء) كما يبدو من تغريداتك ومقابلاتك وبياناتك، وكلها تنوء بحمولتها من إشارات التعجب وعلامات الاستغراب!؟”
انها امريكا زعيمة الدول المارقة “CRS – The Chief Rogue State” فتوقفوا عن استهلاك البروباغندا الغربية و”الاستسلام لسرديانها الزائفة بعيدا عن السياقين التاريخي و الاستراتيجي! كم تحدثت “ديانا” عن تصنيع وقولبة الرأي العام من خلال استطلاعات الرأي العام ومؤسسات الدراسات الامريكية وملحقاتها، وعن غياب الانتخابات الحرّة في العالم النامي في ضوء (بل في عتمة) تدخل أميركا وأزلامها وإعلامها في كل مكان .. قوّات “واغنر” الروسيّة “مرتزقة”، ومرتزقة اميركيا المنتشرين في وعلى كافة زوايا الكرة الارضيّة “متقاعدون عسكريّون”! ثم ماذا عن الخبر الذي مرّ عابراً في “نيويورك تايمز” وطمسته صحافة الغرب بالكامل، ولم يبدو له أثرٌ في الصحافة العربيّة!؟ يؤكد الخبر الموثق “أنّ للقوّات الخاصّة الأميركيّة الحقّ في التملّص من ضرورة التدقيق القانوني في خلفيّة خروق حقوق الإنسان عند القوّات الأجنبيّة التي تتلقّى التدريب والتسليح الأميركييْن”! كما تفضح الوثيقة تلك أنّ القوّات الخاصّة الأميركيّة تستعين في عمليّاتها بقوّات أجنبيّة في مهمّات أميركيّة خالصة. أي أنّها تستعين بمن يمكن أن يقوم بالقتال والموت نيابةً عنها، حفظاً للدماء الأميركيّة!
 
سمها ما شئت – سمها امريكا، سمها اميركا، سمها الولايات المتحدة الامريكية، سمها الويلات المحتدة الاميركية، سمها روما الجديدة، سمها الامبراطورية العسكرية العالمية، سمها الولايات الجماهيرية الشعبية الاميركية ..انها هي هي بحدود تمتد من الشمس شرقا الی القمر غربا ومن المشتري شمالا الی “البائع” جنوبا .. انها الامبراطورية العسكرية العالمية التي تتمدد علی أكثر من 700 قاعدة في كافة زوايا الكرة الارضية يرفدها 40% من الانفاق العسكري الدولي .. اقتصادها هو الاكبر في العالم حيث يقدم 6% من سكان الارض 35% من الناتج البشري .. لها ثلث زراعة الارض وربع صناعة العالم .. تزهو بأعظم اقتصاد مالي وتجاري، وأعظم قوة تكنولوجية .. تنتج سنويا ضعفي براءات الاختراع التي تسجلها كافة شعوب الارض مجتمعة .. اليها ينتسب نصف حائزي جوائز نوبل .. أما قوتها الناعمة فتتجاوز هارفارد الی هوليوود تدعمها وسائل التواصل أمثال جوجل، فيسبوك، مايكروسوفت، امازون ..الخ .. وان ننسی، لا ننسی الجينز والبيج ماك!
 
ألم يتحدث بابلو نيرودا عن “تلك الامريكا التي تقتل البريق الذي في عيوننا”؟! .. ألم يقل محمود درويش “أمريكا هي الطاعون والطاعون امريكا”!؟ هي الطاعون، والطاعون هي من يوم التكوين الی يوم الدين .. فهل يعيدها “أهل البيت الأبيض” أرض ميعاد نقية صافية للامريكيين بلا مهاجرين ولا مسلمين وقد أحاطوا “البيت” بشخصيات من شأنها الإطاحة بمجموعة المصالح الاستراتيجية والمؤسسات المتنفذة؟!
 
ونظرة الی السياق التاريخي تُبيّن باختصار مايلي:
 
– مرحلة التأسيس حيث تمت ابادة الهنود الحمر، اهل البلد الاصليين ..
– مرحلة التكوين التي اتسمت بالحروب الاهلية ..
– مرحلة الامبراطورية التي اتسمت بالحروب الخارجية عبر العالم وصولا لقصف مطارات المنطقة ومرافئها، و، و، وتأملوا تصريحات بعض اهل البيت الأبيض بخصوص التحريض على قتل بعض رؤساء الدول (الرئيس الأسد مثلاً) .. انه السلوك العدواني الدموي المبدع في توظيف الارهاب الشامل سعيا لتحقيق الهيمنة الامركية الاممية وسحق أي مقاومة تعترض طريقها .. ولو عاد المسيح يوماً لما ترددوا بصلبه ثانية!
 
وها هم اليوم يحاولون الحيلولة دون الله والتواصل مع الكنيسة الاورثوذكسية ولم يتركوا يوماً الإشارة الى الصفقة المزعومة: الله لإدارة السماء والشيطان (أمريكا) لإدارة الارض، والملائكة تعمل لحساب الـ “سي آي. اي”!
 
كما لا يترددون اليوم بإنشاء آليات سرية لنشر مسببات الأمراض الفتاكة من خلال تشغيل مختبرات بيولوجية على الأراضي الأوكرانية والعديد غيرها (بعيداً عن حدود الولايات المتحدة الأميركية) لدراسة نقل مسببات الأمراض عن طريق الطيور البرية المهاجرة بين أوكرانيا وروسيا (مثلاً) والدول المجاورة الأخرى (مثلاً أيضاً)!
وكم غاب عنهم الوعي بجدلية التاريخ، وكم اغفلوا التداخل الديناميكي بين التفاعل التاريخي والتفاعل الجغرافي في العالم الامر الذي يدركه الكرملين ويحسن استثماره وقد ترعرع وتجذّر هناك بفضل التراث الماركسي .. وبعد، الم يصف “فرانز فانون” أمريكا بمطحنة التاريخ كونها مطحنة البشرية!؟
 
ثم ماذا عن السقوط الأوروبي في المقبرة الأميركية!؟
هذا “روبرت كاغان” (احد كبار منظري المحافظين الجدد) مثلاً لا يكتم ازدراؤه للأوروبيين اذ يكرر التساؤل “الى متى نحمل تلك الأحصنة الهرمة على ظهورنا”؟ وبالعودة لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، سارع العديد من الباحثين الأوروبيين الى التعليق: “هكذا تريدنا الولاِيات المتحدة، قبائل من الهنود الحمر، بعيون زرقاء، وقد تبعثرت على الضفاف الأخرى للأطلسي” ..  ولم يعد مستغرباً ان نرى الكاوبوي يغتصب الموناليزا!
 
وكانت “ديانا “قد شبهت بعض مواقف الهيمنة والغرور الامركيين بجملة اشتهرت عن المنتصر بالله احد نجوم الكوميديا المصرية: “ما أنا استغربت!”
امريكا، بمختلف قياداتها علی مر العهود: ما انا اعتذرت!
 
أبادوا 20 مليون من السكان الاصليين المعروفين بالهنود الحمر، ثم اعتذروا! .. فالولايات المتحدة الامريكية انما قامت علی ما غرسه البيوريتانز (الطهرانيون) الانجليز، وقد تمثلوا التوراة، في اللاوعي الامريكي من ثقافة الغاء الاخر علی طريقة داعش و ابن تيمية .. فأين ذهب أصحاب الارض الاصليون؟! الا يتماهی اغتصاب البيض لامريكا الشمالية مع اغتصاب الصهاينة لفلسطين؟!
 
أبحروا الی افريقيا و عادوا بالوف الافارقة فأسسوا أسواق النخاسة، ثم اعتذروا!
 
قصفوا اليابان بالنووي، ثم اعتذروا!
 
أبادوا قری عن بكرة أبيها في فيتنام، ثم اعتذروا!
 
دمروا العراق بحجة امتلاكه السلاح النووي وجعلوه يبابا، ثم اعتذروا!
 
 اعتدوا علی الجيش السوري الملتحم مع داعش في دير الزور، ثم اعتذروا!
كم كررت وأعادت “ديانا” التكرار أنها “الويلات المحتدة الأمريكية” .. أنها الطاعون والطاعون هي .. انها البلاء والبلاء هي .. “بالأمس قلت أنها استحقت عن جدارة لقب:
 
 Thief/Killer-in-Chief و CRS: Chief Rogue State
  ولن تعود لأمريكا عظمتها MAGA: Make America Great Again 
 
وقدمت عينة قليلة قليلة من مئات المؤامرات والأساليب القذرة التي حاكتها بحق شعوب و دول العالم على مدى قرنين من الزمن!”
 
محمود درويش لم يعتذر، وقال لاَخره: لا تعتذر الا لأمِّك!  .. اما أنا فاعتذر! اعتذر عن خظيئة كولومبوس المميتة!
 
نعم، اليوم أعيد تقديم اعتذار “ديانا” عن خطيئة كولومبوس المميتة، حين ضل طريقه الی الهند لينتهي باكتشاف امريكا سيما وان الرحلة تمت بتمويل عربي .. نعم كان التمويل عربيا حيث غطتها ايزابيلا بالجواهر التي تركها العرب في غرناطة لينعم العالم ب“الويلات المحتدة الامريكية” .. فأمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا!
 
 
اما انت يا “ديانا” فتعيدني “الأربعون” للمتنبي:
 
أُسائِلُ عَنكِ بَعدَكِ كُلَّ مَجدٍ .. وَما عَهدي بِمَجدٍ عَنكِ خالي
يَمُرُّ بِقَبرِكِ العافي فَيَبكي .. وَيَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السُؤالِ
* الياس فاخوري،
كاتب عربي أردني