ليبيا … دولة وشعب محتلّان من عدة دول امبريالية بعد 50 عام من تحرّرها!! / تلخيص الطاهر المعزّ

472

حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تحتاج إلى وحدة وطنية

مدارات عربية – الإثنين 30/1/2023 م …

تلخيص الطاهر المعزّ …

زار “وليام بيرنز” مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ( سي آي إيه) ليبيا، منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2023، وكانت الأخبار قليلة جدًّا عن توقيت وأسباب الزيارة التي حصلت بعد بضعة أسابيع من تسليم حكومة طرابلس (برئاسة عبد الحميد الدّبيبة، الموالي للإخوان المسلمين ولتركيا) من تسليم المواطن الليبي “مسعود بوعجيلة” إلى الولايات المتحدة التي تتهمه بالمشاركة في تفجير الطائرة المعروفة بقضية لوكربي (اسكتلندا 1988)، في ظل عزلة حكومة طرابلس التي تحتمي بالولايات المتحدة، مُخرّبة الوطن العربي وليبيا بالذّات.  

استقبل عبدالحميد الدبيبة مصحوبا بوزيرة خارجيته ورئيس جهاز الإستخبارات، في طرابلس، وليام بيرنز رفقة القائم بأعمال السفارة الأميركية، ولم تُنْشر أخبار عن فحوى اللقاء، باستثناء “تبادل الرأي حول تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين…”، في حين لا تمتلك أي من الحكومات الليبية الثلاث لا الشرعية ولا السيادة في ظل تمركز القواعد والجيوش الأطلسية (وحتى الخليجية) في ليبيا

ويُتوقّع توقيع صفقة تتعلق بتسليم مزيد من المتهمين في قضية “لوكربي”، على رأسهم رئيس الاستخبارات الليبي السابق عبدالله السنوسي، المعتقل حالياً بالعاصمة الليبية، وحماية حكومة طرابلس (التي تسيطر على غرب ليبيا) المصالح الأميركية في ليبيا، مقابل دعمها على مستوى دولي، ويُعتَبَرُ هذا اللقاء  دعماً للحكومة المتواجدة في طرابلس، واعتراف علني بها، غير أن قبيلة السنوسي تُهَدّد بقطع الماء والنفط عن شمال ليبيا في حال تسليمه للولايات المتحدة التي تعمل على تركيز نفوذ القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، ما يتطلب بعض الإستقرار وتنظيم انتخابات ترعاها الولايات المتحدة وتتحكم بنتائجها، واستخدام ليبيا قاعدة لتحجيم الدور الروسي في المناطق المحيطة بالصحراء الكبرى…

بعد حوالي أسبوعَيْن من زيارة مُدير الإستخبارات المركزية الأمريكية، حلّت بطرابلس رئيسة حكومة اليمين المتطرف بإيطاليا التي نشطت في البحث عن مصادر الطاقة بعد قرار الإتحاد الأوروبي ( بضغط أمريكي) مقاطعة المحروقات الروسية، وبعد الإتفاق مع الجزائر لشراء 28 مليار مترًا مُكعّبا من الغاز بحلول سنة 2024، زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، يوم السبت 28 كانون الثاني/يناير 2023، طرابلس، حيث وقّعت اتفاقات في مجال الطاقة بين الطرفين هي الأكبر في حجمها بالنسبة إلى طرابلس منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتعمل حكومات إيطاليا المتعاقبة، مهما كان لونها السياسي، على ترسيخ أقدام شركة “إيني” الإيطالية في ليبيا، التي وقّعت اتفاقية لاستثمار 8 مليارات يورو لمدة ثلاث سنوات، في حقول بحرية للغاز، ووعدت برفع إنتاج ليبيا من الغاز، خلال ثلاث سنوات، إلى أربعة مليارات قدم مكعبة، وتم التوقيع بحضور رئيس حكومة طرابلس (عبد الحميد الدبيبة)، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وسبق أن وقعت نفس الحكومة اتفاقيات مع شركة توتال الفرنسية، لكن شركة إيني متواجدة في ليبيا منذ عقود، بفعل العلاقات الإستعمارية السابقة، فقد كانت ليبيا مستعمرة من قبل إيطاليا من 1911 إلى 1951 ( إضافة إلى القواعد البريطانية والأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 1970)، وخلق التنافس بين شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية مناوشات دبلوماسية بين الدّولَتَيْن الإستعماريّتَيْن الأوروبِّيّتَيْن، وساهمت كل منهما في تدمير ليبيا وتقسيمها ولكل منهما حاليا قوات عسكرية في ليبيا، وتمكنت شركة “إيني”، بفعل معرفة خبرائها بالميدان الليبي، من زيادة الإستثمارات، ووعدت “بمضاعفة الإنتاج من الغاز والنفط وتطوير الشركة العامة الكهرباء وتطوير الشركات المحلية العاملة في مجال الطاقة”، وقدّرت “إيني” احتياطي الغاز في ليبيا بنحو ثمانين تريليون متر مكعّب، فيما تسعى حكومة إيطاليا لتعويض الغاز الروسي الذي كان يمثل أكثر من 40% من وارداتها لتغطية احتياجاتها، بزيادة إمدادات الغاز من الضّفّة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسّط، من الجزائر وليبيا ومصر... كما بحثتت رئيسة الوزراء الإيطالية “مشكلات وطرق الهجرة ومجابهة تزايد عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يتدفقون بالآلاف إلى شواطئ إيطاليا سنوياً، انطلاقا من السواحل الليبية بنسبة 50% من المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا عن طريق البحر سنة 2022، ومن سواحل تونس بنسبة 30%، بحسب التقديرات الإيطالية”، بحسب صحيفة “كورييري ديلا سيرا”، وصادق البرلمان الإيطالي في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 على تجديد اتفاق بين إيطاليا وليبيا لمنع المهاجرين واللاجئين من الوصول إلى السواحل الأوروبية لثلاث سنوات جديدة، وإعادة المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا.

بعد خمسة عُقُود من تأميم النّفط، وإغلاق القواعد الأجنبية، عادت ليبيا إلى الوراء، مُقَسّمة ومُحتلّة من قِبَل القوى الأجنبية بنسختها التّركية والإيطالية والأطلسية، بتواطؤ من عملاء محلّيّين من الإخوان (حكومة طرابلس) وعملاء الإستخبارات الأمريكية (خليفة حفتر) الذين جعلوا من ليبيا قاعدة عسكرية واقتصادية ضخمة، تُهدّد الشعب اللِّيبي في وجوده، وكذلك الشعوب المُجاورة، بالمغرب العربي ومصر وتشاد والنيجر…      

عن وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، ومواقع صحيفتَي “كورييري ديلا سيرا” و”لاريبوبليكا” الإيطالية ( 28 و29/01/2023)، بتصرف