الفلسطيني يقول للعالم : أنا القويّ، وموتي لا أُكرّره

448
مدارات عربية – الثلاثاء 3/1/2023 م …
عن ” الأخبار اللبنانية ” …
لا تكفّ فلسطين عن إدهاشنا. كلّما اعتقدْنا أنها تعبت أو يئست أو استكانت أو أطفأت نائرة الأمل أو قرّرت إدارة ظهرها أو أشاحت بوجهها عنّا، عادت لتَبهتنا وتُحيّرنا وتُلقي بنا في مهاوي العجز عن ردّ الجميل. في «هذه الدنيا شديدة الاعوجاج»، كما يصفها «مولانا» جلال الدين الرومي، ليس لدينا إلّا فلسطين لنطفئ بها أحزاننا العميقة، ونسدّ ثقوباً لا قرار لها في أرواحنا التي أضْناها البحث عن مخرج من دوّامة التوحّش الممارَس عليها وعلينا. على أن السعادة التي تَهَبنا إيّاه تلك الأرض بكلّ ما فيها ومَن فيها، ليست من النوع الذي يقع على الخطّ الأفقي للمُتع المادّية، بل هي من صِنف مختلف تماماً، يسمو فوق الممكن، ويتعالى على العاديّ، ويهيم بالاستثناء. إنها البهجة التي حملها إلينا ولا يزالون يحملونها، فدائيّو فلسطين ومشتبِكوها وأمّهاتهم وآباؤهم، والذي سطّروا في هذا العام الذي نُوقّعه بأسمائهم تحيّة وامتناناً لهم، صفحات متلئلئة تُعجز الوصف، وتُضني الكلمات، وتُنهك المجاز والبلاغة. إذا كان الشِعر العربي قد قال يوماً: «تَعدّدت الأسباب والموت واحد»، فإن الموت هنا يأتي ليشذّ عن القاعدة، معلِناً أنه لا يتكرّر، وأنه لا يُناظِره شيء، وأنه لم يقع على مَن أصابهم بل هُم مَن وقعوا عليه، بعدما أدركوا ألّا سبيل سواه للانعتاق من رِبقة الاحتلال. في هذه الصفحات، احتفاءٌ بأولئك «المجانين» – أو ببعضهم، مع الاعتذار إلى مَن لم تستطع «الأخبار» الوصول إلى صفحات من حياتهم – في وجه العدو، وفي وجه رُعاته وحلفائه، والأهمّ في وجه المُطبّعين، وخصوصاً منهم الجُدد، الذي يصرّون على تقديم «تُحف استثنائية» من التقزّم والصعلكة، لم يَعرف لها العرب مثيلاً