القيمة الجمالية للاحتفال بيوم (اكيتو) هو بث الوعي القومي بين أبناء الأمة الاشورية / فواد الكنجي

345

فواد الكنجي ( العراق ) – الخميس 31/3/2022 م …  

الاحتفال بيوم (اكيتو) كمناسبة  قومية (للاشوريين) مبدأ مقرر يعزز القيم الروحية في ذات الإنسان وهو يعيش في هذا العالم المتعدد الأجناس والأطياف؛ ليكون هذا اليوم فرصة  لتقارب والبحث في أحاديث التاريخ ليعلم الأجيال المعاصرة جذورهم وأصولهم وعاداتهم وتقاليدهم ليحسنوا الاقتداء بالجوانب المشرق من حضارتهم (الاشورية) في (بلاد اشور – بلاد وادي الرافدين – العراق الحالي) الذين مجدوا أعيادهم بشكل الذي يليق بأمجادهم الخالدة. 

إنها حقا فرصة طيبة لتذكر ولتذكير من أجل بناء مقومات الأمة وتثقيف أبنائها وإشراكهم بما يتيح لهم تنمية مفاهيم متقدمة للحضارة لبناء مستقبلهم وتحقيق طموحاتهم في حق تقرير المصير والحرية وفي زيادة الوعي العام للمجتمع (الاشوري)، ليدركوا مدى أهمية ذلك لتطويره وتوسيع مدارك الإنسان (الاشوري) والحفاظ على أمنه وسلامته ومستقبلة بهدف الحصول علي شتى وسائل الدعم ومؤازرة المجتمعات الأخرى لتحقيق أهدافهم في الحرية والاستقلال .

فأكثر من سبعة ألاف عام من (التاريخ الأشوري في بلاد وادي الرافدين) وحتى الآن؛ مازالت هذه الحضارة مركز اشعاء وتنوير يشع العالم والبشرية بشمس المعارف بما تم ابتكاره وصناعته وتدوينه ونشره وبما جرى وحدث على هذا المسرح من أحداث وأفعال وأعمال مهمة ابتدءا من نشأت الزراعة.. والحرف اليدوية.. والصناعات ومنها صناعة الخزف المطلي المصقول.. وصناعة الحلي والحديد.. والتجارة.. والفن.. وابتكار الحروف الهجائية والكتابة.. والآداب.. والموسيقى.. والنحت.. والهندسة.. وتشريع القوانين والشرائع السماوية.. وعلوم الرياضة.. والطب.. والهندسة.. والفلك.. وغيرها من المعارف، ومن هذه الانجازات استمدت منها وعلى مدى قرون كل الحضارات الأخرى في (أوربا) و(أمريكا) عن طريق (كريت) و(اليونان) و(الرومان)؛ وهذه الحضارات لم ينشئوا ولم يبتكروا الحضارة بقدر ما ورثوه من (الحضارة الاشورية) أكثر مما ابتدعوه؛ هذه حقيقة يجب إن تقال في كل مقام ومناسبة؛ لان كل الوثائق التاريخية تؤكد ذلك؛ وهذا ما قاله وأكده  الباحث الكبير (ولي ديورانت) في موسوعته الشهيرة (قصة الحضارة)، فالتاريخ الذي يتداول اليوم هو إنتاج (المستشرقين الغربيين) الذي غزوا (بلاد وادي الرافدين) ونقبوا عن (الآثار الاشورية) وصاغوا النتائج وفق غاياتهم – لا كما هي الحقيقة –  رغم إن ما اكتشف إلى يومنا هذا لم يتجاوز عن خمسة بالمائة من (الآثار الاشورية) فحسب؛ لنجد بان اغلب (الميثيولوجيا الاشورية) اقتبس منها لبناء مفاهيم الديانات ومعتقدات التي نشأة في العالم وتحديدا في (أسيا) كما نجد ذلك في كتاب (التوراة) و(الإنجيل) و(القران)؛ لتكون لـ(ميثيولوجيا الاشورية) دورا كبيرا في تطور المعرفة عند الإنسان ومنها (قصة الخلق – إينوما إيليش) التي تستمد من طقوسها احتفالات (اكيتو) التي نتناولها في هذا المقال .

فـ(الاشوريون) اعتادوا الاحتفال بأعيادهم وفق عادات وتقاليد ومناسبات خاصة بهم؛ فأقاموا لكل مناسبة مراسيم خاصة وبشكل ثابت لما تمثله هذه المناسبة وتلك من قيم معنوية وشعور واعتزاز بكيانهم وشخصيتهم فضلا عما لهذه المناسبات من مدلولات دينية.. واجتماعية.. وثقافية.. ناهيك عن الجانب السياسي والوطني منها.  

الأساطير التي اعتمدت لتنظيم طقوس الاحتفال بعيد اكيتو 

       ومن تلك العادات والتقاليد الثابتة عند (الاشوريين) هو الاحتفال بـ(عيد اكيتوا) الذي يصادف في (الأول من نيسان) سنويا كأول يوم من (بداية أيام السنة  الاشورية)؛ والذي يمثل كرمز لميلاد الأرض والحياة؛ ولعظمة وقدسية هذا اليوم لديهم كانت هذه (الاحتفالات) من أعظم الاحتفالات تقام في بلادهم  باعتبارها احتفالات دينية لها طابع قومي يجتمع كل أبناء الشعب في موقع الاحتفال للاحتفال والمشاركة إفراد الشعب في البلاد بهذه المناسبة (مناسبة رأس السنة الاشورية)، حيث يتم في هذا اليوم تجديد الملوكية والزواج المقدس واجتماع الآلهة في مجلسهم لرسم صورة الإعمال والأفعال التي سيتم تنفيذها وتقرير مصير البشر والعالم والكون للسنة التالية .

ويعود احتفال أبناء الشعب في (بلاد وادي الرافدين) برأس السنة إلى (أساطير) كانوا يعتقدون بها ويقدسونها؛ وهذه الأساطير تأخذ أبعادها لدى كل شعوب الأرض ويبنوا على ضوءها ووفق معطياتها أسس موادلجة لبناء معتقداتهم وكما جاءت في الديانة (اليهودية) و(المسيحية)، وقد بحث في هذا الجانب وبشكل موسع العلامة العراقي الدكتور (فاضل عبد الواحد) في كتابه الموسوم (من ألواح سومر إلى التوراة 1989)، حيث أكد في بحوثه بان اغلب قصص (التوراة) منقولة من حضارة (الأشورية) في بلاد الرافدين وتحديدا قصة (الخلق) و(جنة عدن) و(الفردوس المفقود) و(قصة هابيل وقابيل) و(زقورة بابل) و(بين موسى وسرجون الاكدي)، كما إن كثير من الباحثين وعلماء الآثار العراقيين سلطوا الضوء على هذه الجوانب وقد ورد ذلك في مؤلفات وترجمات وبحوث الدكتور (طه باقر) والدكتور (سامي سعيد الأحمد) والدكتور (بهنام ابو الصوف) وآخرين، وهي منشورة ومتواجدة في المكتبات العراقية والعربية ومترجمة إلى عدد من اللغات الأجنبية، إضافة إلى ذلك فان الكثير من الديانات والمعتقدات في بلاد (الفرس) و(الهند) و(الصين) و(اليابان) وغيرها من البلدان الأسيوية تأثرت وأخذت واقتبست منها لبناء معتقداتهم؛ واهم الأساطير هي:

.. أسطورة (الطوفان).

..  أسطورة (كلكامش).

..  أسطورة (قصة الخليقة –إينوما إيليش).

.. أسطورة ( عشتار) و( تموز).

وفي هذا المقال سنسلط الضوء الى أسطورة (قصة الخليقة – إينوما إيليش)؛ فالأسطورة ((كما وردت في كتاب (الطوفان في المراجع المسمارية – تأليف الدكتور فاضل عبد الواحد – الطبعة الأولى بغداد مطبعة الإخلاص لسنة 1975)) مفادها كما وردت في كتاب ( الحياة اليومية في بابل واشور) هي قصة لملحمة خلق (إينوما إيليش) والتي فيها الكثير من المدلولات الفكرية الرصينة والتي تم الاقتباس الكثير من مضامينها في قصص (التوراة) و(الإنجيل)، فحين تسرد ملحمة الخلق ( إينوما إيليش – عندما في العلى) بان الكون في البدء كان معدوما؛ إي لم يكن هناك أي شيء يذكر؛ وبعد ذلك بدا الكون يتكون من العنصر (الذكر) والذي سمي (إله) المياه العذبة ( آبسو) والعنصر (الأنثى) التي هي (إلهة) المياه المالحة وسميت (تيامة)؛ ولم تكن هناك ارض ولا سماوات ( حسب اعتقادهم)، كما إن الإلهة الأخرى لم تكن قد خلقت بعد؛ ولكن في اعتقادهم كان بين الأرض والسموات (إله) يرفرف سمي بـ(ممو) وهو كان يمثل السماء أو (إله) السحاب؛ لتتشابه هذه الفكرة مع (سفر التكوين) في اليوم الأول من (طقوس بداية قصة الخلق – إينوما إيليش) إلى حد التطابق، ثم يتكون الجيل السادس من بداية الخلق حيث الإله (مردوخ – آشور) الذي يخلق (لالو– الإنسان) ليخدم الآلهة فتستريح في الجيل السابع، وهذا أيضا يتطابق تماما مع ما نص في (التوراة) حين ذكر فيه (خلق الله الإنسان في اليوم السادس واستراح في اليوم السابع – انظر إلى (سفر التكوين).

 وعند تزاوج هذين الإلهين ( آبسو) و(تيامة) أصبحت هناك أجيال من الإلهة منهم الجيل الأول (لخمو ولخامو) والجيل الثاني (انشار وكيشار) والجيل الثالث ( انو وانليل وايا)، ولسبب غير معروف بالضبط استاءت الالهة ( تيامة) وزوجها الاله ( ابسو) من هذه الالهة؛ وقررا التخلص منها؛ وكانت ( تيامة) تنوي التخلص من أحفادها المزعجين لتنعم بالراحة مع زوجها ( آبسو)، فأتت بالوحوش المخيفة استعدادا للمعركة، لتقاتل بهم الالهة الصغار يقود هذه الوحوش كبيرهم ( كنكو)؛ ولكن في هذه الإثناء يولد للأله ( ايا) ولدا عظيما له صفات جليلة تدل على القوة والعظمة اسمه (مردوخ) لدى البابليين و( اشور) لدى (الاشوريون)؛ وعندما سمع الالهة الصغار بالجيش الذي هيئاته الالهة (تيامة) عقدوا اجتماعا وعينوا ( اشور –  مردوخ) زعيمهم وقائدهم لمقاتلة ( تيامة) ومنحوه كل قوة يملكونها, وتعهدوا له بان يطيعوا أمره؛ فاعترض إله (مردوخ – آشور) هذه القوى الشيطانية واخذ يصارعها حتى تمكن ( اشور) القبض على ( كنكو) وأخذه أسيرا فينتصر على (تيامة) فيقوم بشطرها إلى نصفين:

 القسم الأول يصنع منها (السماء) حيث يخلق النجوم والكواكب.

 القسم الثاني فيصنع منه (الأرض) حيث يخلق الحيوانات والنباتات.

 وهذا النص أيضا يتطابق ما ورد في (التوراة) انظر إلى (سفر تكوين)، حيث ( يفصل الله بين مياه ومياه ويصنع السماء والأرض)؛ وبعد أن ينتهي (مردوخ – اشور) من هذا الخلق؛ يخلف أيضا زوجا من الإنسان بواسطة الدم والطين؛ وقام (مردوخ – أشور) ببناء بيتا له في بلاد (أشور) ليستريح فيه، كلما نزل إلى الأرض في (نيسان) وهذه القصة تتطابق مع ما ورد في (التوراة) تماما؛ حيث ورد النص ( كما سيبني رب الجنود فيما بعد، بيتاً له في إسرائيل) انظر إلى (صموئيل الثاني) .

ولهذا اعتبرت ملحمة ( إينوما إيليش- عندما في العلى)، في التاريخ المعاصر من أهم مكتشفات العلمية والتاريخية المتعلقة بالفكر الإنساني ودياناتهم، فان قيمة هذه الأسطورة التي تعتبر من أقدم الأساطير الملحمية في التاريخ، فهذه الملحمة كان لها إبعادا عظيمة في بلاد (أشور) وكان (الأشوريين) يجسدون طقوسها والاحتفال بهذه المناسبة سنويا في عموم بلادهم، فكانت تقام مهرجانات ومواكب الملك بشكل احتفالي كبير يقيمها الشعب بتلاوة طقوس خاصة مجسدين فكرة (خلود سيد الآلهة وبداية الحياة)، حيث كانت الاحتفالات تبد في (الأول من نيسان) كل عام، وكان (العام الواحد) عندهم يتكون من (اثني عشر شهرا)؛ وكل (أربعة أشهر) يتكون موسم؛ ويبدأ الموسم الأول في أول نيسان حيث (الربيع) ويعقبه (الصيف) ومن ثم (الخريف) و(الشتاء ) وهكذا دواليك، وما زال هذا التصنيف أو تقسيم مواسم السنة  قائما إلى يومنا هذا؛ وتعمل بموجبه كل الشعوب وأمم الأرض، وكانت تسمى احتفالات التي تقام في الأول من نيسان (اكيتو)، وكان (الأشوريين) يعتبرون بان (اليوم الأول من شهر نيسان) هو يوم البداية الحقيقية لدورة الحياة الطبيعية على الأرض كونه في (نيسان) تبدأ الطبيعة بالتجدد والانبعاث .

وهنا لا بد إن نذكر بأن (تأريخ اليوم الأشوري الواحد) منذ سلالتهم الأولى في (سومر) كان يقسم مدة (النهار) و(الليل) باعتماد على عدة عناصر طبيعية وأهمها (القمر) و(حركة النجوم) و(قرص الشمس)، وقد استطاعوا (الأشوريون) من تحديد يوم (الاعتدال الربيعي) في شهر سموه (نيسانو) وما زال يسمى هذا الشهر بنفس الاسم، فقد كان معلوماتهم وحسب التقويم (الآشوري) يبدأ (الاعتدال الربيعي) في ليلة (الأول من نيسان)، كما هو موجود في مدونات الأثرية والتي كتبت في الألواح الطينية والتي تم اكتشافها في مكتبة (اشور بانيبال الذي عاش في القرن السابع ق. م. حوالي 668 ق.م  وتوفي في 626 ق.م)، والذي كتب فوق بوابة مكتبته ((مكتبة اشور بانيبال ملك العالم))، وهو آخر ملوك (الإمبراطورية الاشورية) الحديثة، عرفه (اليوناني) باسم (ساردانابالوس) وسمي في (التوراة) تحت اسم (أوسنابير).

كان( آشور بانيبال) هو حفيد الملك (سنحاريب) وقد ذاعت شهرته ليعرف بـ(ملك العالم) او (ملك الجهات الأربع) وقد وصل الملك (أشور بانيبال) إلى ذروة العظمة التي لم يشهدها العالم في تاريخها؛ وقد اشتهر بصورة خاصة بتدوين جميع أنواع المعارف وإحداث التاريخ وتصنيفها وجمعها في جناح خاص من أجنحة قصره العظيم في (نينوى) والذي زين جدرانه الداخلية بالمنحوتات والتماثيل الرئعة، وفي جناح الذي جمع فيه كل مدونات العلوم والذي كان بمثابة مكتبة عظيمة بما احتوت هذه المكتبة على مجموعة تقدر على آلاف من الألواح الطينية احتوت على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد؛ وهذه المكتبة تعتبر أشهر المكتبات ليس في بلاد (وادي الرافدين –  العراق) فحسب بل في العالم اجمع، وقد اختلف العلماء حول عدد مقتنياتها؛ حيث قال البعض بأنها تحتوي على إلف رقم طيني، ويذهب البعض الأخر بالقول بأنها أكثر من ذلك بكثير، حيث احتوت هذه المكتبة على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد؛ ومن ثابت القول بأن الملك (آشور بانيبال) قد جمع في هذه المكتبة كل ما وجده في القصور الملكية لأجداده من الملوك السابقين وأضاف إليها كل ما استطاع جمعه في عصره وحفظ فيها ألاف الألواح الطينية التي تمثل تراث حضارات (بلاد وادي الرافدين) في جميع فروع المعرفة وكانت المكتبة مفهرسة ومنظمة بصورة جيدة. لقد تم العثور على بعض البقايا المتعلقة بالمكتبة في موقع حفر أثري في (كيونجيك) نينوى القديمة عاصمة (الاشوريين) والتي بنيت عليها مدينة (نينوى) الحالية، فمعظم اكتشافات الموقع تمت من قبل الرحالة وعالم الآثار البريطاني (اوستن هنري لايارد) حيث تم نقل معظمها إلى (انجلترا)  وتعرض بعض من بقايا المكتبة  في (المتحف البريطاني– لندن) ومتحف (اللوفر بباريس) .

ومن هنا تكمن قيمة التراث في الفكر القومي وخلفياته الفلسفية عند (الآشوريين) في (الأول من نيسان)، بسبب انبعاث الطبيعة ونزول سيد الآلهة إلى الأرض لتحارب الآلهة الشريرة ثم القضاء عليها وانتصارها ليتم زواجه من الإلهة (عشتار) لتبعث الحياة بتجددها في بداية الربيع، وكانت هذه الاحتفالات والتي – كما قلنا تسمى بـ(اكيتو)  –  وهو عيد (رأس السنة الأشورية) والذي يعد من أقدم احتفالات بمناسبة الأعياد التي عرفتها الحضارة الإنسانية منذ القدم، ويحدد تاريخ بداية هذا الاحتفال في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى القرن الثاني منه.  

وهنا لابد إن نشير بملاحظة تاريخية مهمة في بيان وتوضيح كيفية التي تم تحدد تاريخ السنة (الاشورية) ونحن نحتفل بدخول إلى (العام الاشوري الجديدة) – كما ذكرناها في مقالاتنا السابق –  فتحديد السنة (الاشورية) قد جاء بعد اكتشاف (اثري) مهم وصل إليه خبراء وباحثين ألآثار اثر عمليات تنقيب لمستوطنات زراعية في منطقة (جرموا) قرب مدينة (كركوك – العراق)؛ وقد أجريت اختبارات عن طريق المسح بالاشعاء الكربوني لطبقات الأرض فوجدوا بأنها تعود للفترة لمحصورة ما بين (11240  –  8830 ) سنة قبل الميلاد، وخلال الرقم الطينية المكتشفة في (جرمو) ومواقع أخرى من بلاد (وادي الرافدين) وجدوا أسماء لسبعة عشر ملكا حكموا منطقة (جرمو) وكان الملك الخامس عشر من بين هؤلاء الملوك اسمه (اشبويا)  كما ذكر في إحدى الرقم الطيني، الذي أمر ببناء بيتا ليكون بمثابة (هيكل الإله اشور) مبني من الحجر والطين وكتب بالخط المسماري على رقم حجري وضع فوق بوابة الهيكل ((انا ملك اشبويا بنيت هذا البيت للإله اشور))؛ وقد كتب وصية لكل من يأتي بعده من ملوك ليحكم المدينة بعدم مساس هذا البيت وأمرهم بان يعيدوا بناه من جديد كل (مائتان وخمسون سنه) لكي يرسلوا رسالة إلى الإله (اشور) بأنه ما زال يعيش في بيت جديد، وفي فترة لاحقة اكتشفوا هؤلاء ألباحثي عن  لوحة طينية تعود إلى (القرن التاسع قبل الميلاد) أشير فيها بان احد ملوك (الاشوريين) أعاد بناء هذا الهيكل للمرة (22) للإله (اشور)،   ومن خلال اكتشاف لهذا الرقم الطيني تم تحديد (سنة 4700 سنة ق.م) فترة التي حكم فيها الملك الاشوري (اشبويا) منطقة (جرمو).

وهكذا اعتمدت سنة (4750) وهي سنة التي تم بناء هيكل (الإله اشور) واعتبرت بداية لسنة (الاشورية) وعليه سيكون تاريخ (السنة الاشورية) لهذا العام (2022 – ميلادي)  هو (6772 – اشوري)، حيث تنطلق (الأمة الاشورية) باحتفالاتها بعيدهم القومي الذي يصادف ا(لأول من نيسان) من ذلك التاريخ والى يومنا هذا .

ليكون الاحتفال بهذا اليوم من بداية السنة (الاشورية)، قد شكلت منطلقا فكريا وثقافيا أخذت أبعادة تؤثر على المجتمعات التي اختلطت بالمجتمع (الاشوري) بطبيعة الغزوات (الاشورية) وتوسيع رقعة الجغرافية للإمبراطورية (الاشورية) شرقا.. وغربا.. وشمالا.. وجنوبا، لذلك فان هذه المجتمعات والأقوام الغير (الاشورية) اقتبست الكثير من طقوس احتفال بعيد (اكيتو – رأس السنة الاشورية) في المراحل لاحقة من التاريخ وبشكل معدل؛ كما نجد ذلك في احتفالات التي يقوم بها (الفرس) و(الأكراد) و(المصريين)، والتي سميت لاحقا بـ( عيد الربيع وعيد نوروز أو عيد شم النسيم…الخ) والذين يحتفلون في( يوم 21 آذار ) من كل عام؛ وقسم الأخر يحتفل في الأول من نيسان كما عند أبناء وأحفاد (الأشوريين) القدامى في العصور الحديثة .

إن جوهر (الاحتفال) بهذا العيد تعود فكرته بان (من الموت تولد الحياة) وبان (الحياة تنتهي بالموت) بشكل (دايلكتيك) ولادة وموت.. وموت و ولادة.. وهكذا تستمر الحياة ضمن دائرة كونية ﻻ تنتهي، والتي ترتب حلقات الحياة بشكلها المتوالي والتي انطبعت في عقلية حياة سكان (بلاد ما بين النهرين) سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، لذلك يكون الاحتفال بعيد (اكيتو) صورة لإعادة إحياء التراث والتاريخ الفكر الإنساني الذي يعرف الأمم على هوية (الاشوريين) .

أما الأسطورة الأخرى التي يؤخذ منها في مراسم الاحتفالات بعيد (اكيتو) فهي أسطورة (عشتار) او (انانا) إلهة الحب والجمال والجنس والحرب؛ وزواجها من (تموز) او (دموزي) الملك الذي جعلت منه ( اله)؛ والتي وردت في كتاب (عشتار ومأساة تموز.. تأليف الدكتور فاضل عبد الواحد)، وتذهب هذه الأسطورة بأنه دار في البدء حوارا بين (عشتار) وزوجها الإله (اوتو) تعلن فيه (عشتار) حبها للفلاح ورغبتها في الزواج منه؛ إلا إن أخيها أقنعها بالزواج من الراعي (تموز)؛ وبعد إن تسمع (عشتار) كلمات (تموز) التي يفخر بها بنفسه ويبين تفوقه على الفلاح؛ تعلن عن رأيها وتقع في حب الراعي (تموز), وبعد لقاء بينهما يقرر (تموز) إن يخطب (عشتار) من أمها (منكال)؛ وهكذا تتزوج (عشتار) الهة الحب والجنس من (تموز) الذي أصبح اله للخصب؛ ونتيجة لهذا التزاوج امتلأت الأرض خصبا وتتكاثر البشر،وهنا لابد ن نذكر بان قصة حب بين (عشتار وتموز) اقتبس منها (نشيد الأناشيد) التي وردة في (التوراة)؛ بعد إن استطاع عالم الاثار (تيوفيل ميك) فك الرموز المسمارية لهذه الملحمة (الاشورية) بعد إن وضع نظريته عن اصل (نشيد الأناشيد) والمدعومة بالأدلة فقال:

 إن (نشيد الأناشيد) التي وردت في (التوراة) هي صيغة معدلة أو منسوخة تم وضع أسماء أجنبية عليها لتتلاءم مع ناسخيها وتاريخهم وأساسها هو (الزواج المقدس) الموجود عند (الاشوريين) والذي كان هذا الزواج بين (اله الشمس تموز وبين عشتار) .

 وتقول الأسطورة : إن الإلهة (عشتار) تقرر النزول إلى العالم السفلي (عالم الأموات) حيث مقر أختها (ايرشكيكال) ولم يعرف السبب الحقيقي لنزول (عشتار) إلى مراسيم دفن زواج أختها كما جاء في عالم الأموات؛ وقد يكون لحضورها في النص (السومري) من الأسطورة هو لإطلاق سراح بعض الأموات كما جاء في النص (الاشوري) من الأسطورة، ومهما يكن السبب فان الإلهة (ايرشكيكال) تبدي عدم ارتياحها من هذه الزيارة؛ وعندما تمر الإلهة (عشتار) عبر البوابات السبع ينزع عند كل باب جزء مما ترتدي إلى إن تبدو عارية إمام أختها (ايرشكيكال) والتي تلقي إليها بنظرات الموت وتحيلها إلى جثة هامدة.

وكانت ( عشتار) قد طلبت من رسولها المفضل (بيوكال) انه في حالة عدم رجوعها من عالم الأموات بعد ثلاثة أيام فان عليه إن يذهب إلى (ايا) اله الحكمة لكي يساعدها في إطلاق سراحها, ومرت الأيام الثلاثة ولم تعد (عشتار) مما حدا بـ (بيشوكال) إن يذهب إلى الإله (ايا) ويتوسل إليه لإطلاق سراح (عشتار) من العالم السفلي؛ وعندما سمع (ايا) ما حل بالإله (عشتار) اوجد مخلوقا اسمه (اسو شو نامر) وكان هذا المخلوق جميل الخلق إلى حد كبير وطلب منه إن ينزل إلى (ايرشكيكال) في العالم السفلي ويحاول كسب قلبها ثم يطلب منها إطلاق سراح (عشتار)؛ وفعلا يهبط (اسو شو نامر) إلى العالم السفلي؛ وما إن تقع عينا الإلهة (ايرشيكيكال)  وتواجهه وجها لوجه حتى تفتن بجماله الباهر؛ وعندما يتأكد (اسو شو  نامر) بأن (ايرشيكيكال) قد وقعت بحبه فيطلب منها إن تقسم قسم الإلهة العظيمة بان لا ترد له طلب فتؤدي (ايرشيكيكال) القسم المطلوب؛ وعندها يطلب منها ماء الحياة ليرشها على (عشتار) ويعيدها إلى الحياة، وحين تعلم (ايرشكيكال) إلى الخدعة التي قام بها (اسو شو نامر)  فيملكها حزن وغضب عميقين؛ ولكنها لا تستطيع الرجوع عن قسمها؛ فتعيد (عشتار) إلى الحياة بعد إن تكيل اللعنات والغضب إلى (اسو شو نامر) وتشترط إن تأتي (عشتار) ببديل يحل محلها في عالم الأموات؛ وعندما تخرج (عشتار) من عالم الأموات يكون برفقتها زمرة من الشياطين لكي يأخذوا شخصا أخر إلى عالم الأموات بدلا من (عشتار).

تمر(عشتار) بعدد من المدن فترى بان سكانها قد رفعوا شعائر الحزن بسبب موتها؛ ولكنها عندما تصل إلى باب زوجها (تموز) تراه غير أبه بما حصل وغير مكترث لموتها؛ بل تراه جالسا تحف به مظاهر الإجلال وقد ارتدى افخر الثياب, فتلقى عليه (عشتار) نظرات الموت ويهجم الشياطين عليه ويتمكن إن يفلت منهم عدة مرات بمساعدة صهره الإله (اوتو)؛ إلا انه أخيرا يقع في قبضة الشياطين فيضربونه حتى الموت ويأخذونه إلى عالم الأموات فتحزن أخته (كشتن- انا) وتبكيه وتتوسل إلى (عشتار) إن تطلق سراحه؛ كما إن (عشتار) أيضا تحزن لموت زوجها وحبيبها (تموز) بعد إن هد توترها وغضبها فتلجئ إلى مجلس الإلهة متوسلة إليهم إن يعيدوا (تموز) إلى الحياة؛ ولكن المجلس يقرر منح الخلود النصفي لـ(تموز) أي يبعث إلى الحياة ستة أشهر وينزل إلى عالم الأموات ستة أشهر أخرى من السنة، هكذا يبعث (تموز) إلى الحياة في اليوم (الأول من شهر نيسان) الذي كان الشهر الأول من الربيع في ذلك العهد, وتكون علامة بعث ( تموز) إلى الحياة هي نمو العشب وتفتح الإزهار وتكاثر الطيور والحيوانات؛ فعملية التناسل في الطبية التي تحدث في موسم الربيع هو رمزا لبدء الحياة على الأرض, ويعود ( تموز) إلى عالم الأموات في نهاية شهر (اب) أي مع بدء فصل الخريف .

وهنا نذكر بان (عشتار) تورد لها قصة مع (كلكامش) الذي رفض الزواج منها كما تورد في تفاصيل مثيره في اسطورة (كلكامش)  ويذكر بان (كلكامش كان كاهنا في معبد (اينانا – عشتار) .

ومن خلال هاتين الأسطورتين اتخذ (الاشوريون) و(البابليون) طقوسهم للاحتفال بعيد (اكيتو) في (الأول من نيسان كعيد رأس السنة وبدء الحياة على الأرض)؛ لان في هذا اليوم يتعادل الليل مع النهار وتأخذ جميع النباتات بالاخضرار وحمل الإزهار للإثمار والتكاثر عبر عملية التلقيح الإزهار؛ وكذلك تبد الحيوانات بالتزاوج فالكل في هذه الطبيعة يبدأ حياته من جديد، ولهذا اقتبسوا (الاشوريين) من هذه المظاهر في الطبيعة طقوسا للاحتفال بـ(الأول من نيسان) والتي رسميا كانت تبدأ من أول ليلة الاعتدال الربيعي في (21 آذار ) وتستمر لغاية (الأول من نيسان ) حيث يختتم الاحتفال بطقوس احتفالية مهيبة يقيمها الشعب (الاشوري) وتشارك فيه كافة طبقاته؛ وهذه الاحتفال في نهاية هذا الطقوس التي تستمر (اثنا عشر يوما) تنتهي بيوم الأخير وهو يوم الذي أطلق علية عيد (اكيتو) أي (عيد  بداية رأس السنة الآشورية – أكيتو).

طقوس مهرجان اكيتو بحلول السنة الاشورية الجديدة

        ابتداءا من اليوم الأول ولغاية اليوم الأخير؛ تقام في كل يوم طقوس معينه خاصة تتخللها فعاليات ضخمة على شكل مهرجانات شعبية يشارك فيها الشعب من كافة الطبقات، حيث يواكب الجماهير المحتشدة خلف مسيرة الكهنة الذين يحملون نماذج تمثل الآلهة، كوسيلة لتعبير عن أفراح الشعب بحلول السنة (الاشورية) الجديدة.

ففي اليوم الأول:

يخصص لتطهير النفس من الخطايا حيث يقوم كاهن (الإيساغيلا) الذي هو يشرف على معبد الإله ( مردوخ – اشور) بإقامة طقوس الحزن وتطهير وتنظيف المعابد يقوم بأدائها الكاهن (الإيساغيلا)، و(الإيساغيلا) هو (بيت إله مردوخ – اشور) بمشاركة كهنة المعبد، ويرد عليهم أبناء الشعب بترانيم باكية تعبيرا عن خوف الإنسان من المجهول، بغية تطهير نفوسهم من الذنوب وبعدها يقوم الكاهن بتخطية تمثال الاله ( اشور– مردوخ) بكسوة قشيبة وتقدم الضحايا والقرابين؛ ويقوم الكهنة بأخذ مكانهم من الاحتفالات.

وفي اليوم الثاني:

يقوم الكاهن الأعلى (الإيساغيلا) في كل صباح الاغتسال من مياه (دجلة والفرات) لتظهير وطلب الغفران من إله (مردوخ – اشور)، راجيا إياه حماية مدن (اشور)عبر تقديم الصلوات والابتهالات .

في اليوم الثالث:

وفي هذا اليوم يقوم الحرفيين من النجارين والصباغين والحدادين وصاغه الذهب لعمل عربات وتماثيل ورموز أخرى لتحضير للاحتفالات.

في اليوم الرابع:

حيث في مطلع الفجر تقام طقوس على نحو الأيام السابقة لغاية المساء حيث يقرءا الكاهن الأكبر ( الشيشكالو ) ملحمة الخلق (إينوما إيليش – عندما في العلى) بتفاصيلها المؤثرة وبالنص الكامل؛ والتي تحكي ((عن بدء الكون وتكون الفصول وإتحاد قوة كافة الآلهة في الإله (مردوخ – اشور) بعد انتصاره على التنين (تيامات) وتعتبر تلاوة هذه الملحمة تحضيرا لطقوس خضوع (اشور) ملك بلاد (اشور) أمام الإله (مردوخ – اشور)، ليتسلم الملك صولجانه من الكاهن الأكبر ويذهب إلى مملكتهم او دولتهم ( بورسيبا ) حيث يعيش الإله ( نابو) أبن الإله (مردوخ- أشور)، حيث يقضي ليلة واحدة في ( أي زيدا) وهو معبد الإله ( نابو ) وفي الصباح يطلب مساعدة الإله ( نابو) في مهمة تحرير أبيه الإله ( مردوخ – اشور ) من أسره وأغلاله في عالم الظلام الكوني.

وهنا يجب توضيح نقطة مهمة حول اسم (اشور) الذي يورد تارة كـ(اسم لالهة) وتارة كـ(اسم للملك) وتارة كـ(اسم للمملكة) لان كما هو معروف عند (الاشوريين) بان ألإلههم في السماء يطلق عليه اسم (اشور) وتيمننا به يطلق على ملك بلادهم اسم (اشور) وكذلك يطلق لجغرافية مملكتهم اسم (اشور)، ولرمزية هذا الاسم وقدسيته فان اغلب عوائل (الاشوريين) والى يومنا هذا حين يرزقون بمولود ذكر يطلقون عليه اسم (اشور) وان كان المولود أنثى يسمونها (اشوريتا) .

وفي اليوم الخامس:

 هو يوم لخضوع (ملك الإمبراطورية الاشورية)  أمام الإله (مردوخ – اشور) حيث يدخل (ملك الإمبراطورية الاشورية)  إلى (الإيساغيلا) برفقة الكهنة ويتجهون نحو المذبح؛  فيتقدم الكاهن الأعلى (الإيساغيلا) من الملك آخذا دور الإله (مردوخ – اشور)،  ويبدأ بتجريده من حليه وصولجانه وحتى تاجه؛ وبعدها يقوم الكاهن الأعلى (الإيساغيلا) بصفع الملك بقوة حيث يركع الأخير ويبدأ بتلاوة الغفران وإعلان خضوعه الإله (مردوخ – اشور)  قائلا:

–  ((أنا لم أخطئ يا سيد الكون، ولم أهمل أبدا جبروتك السماوي…))، ويرد عليه الكاهن الذي يقوم بتمثيل دور الإله (مردوخ – اشور):

– ((لا تخف مما يقوله الإله (مردوخ – اشور) فسوف يسمع صلواتك ويوسع سلطانك ويزيد عظمة  ملكك …)).

وبعدها يقف (ملك الإمبراطورية الاشورية) فيعيد إليه الكاهن حليه وتاجه ثم يصفعه مرة أخرى بقوة على أمل أن يذرف الملك دموعه؛ لأن ذلك سيعبر عن المزيد من الخشوع الإله (مردوخ – اشور) والإجلال لسلطانه، وبعد ذلك يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك، كتعبير بان الإله (مردوخ – اشور) يجدد السلطة على الدولة (الاشورية)، كما إن (الأول من نيسان) يجدد الحياة في بداية موسم الربيع؛ ومن هنا يكون رمز (الأول من نيسان) ليس لتجديد الطبيعة والحياة فحسب بل في تجديد نظام الدولة.

لنستشف من هذه المراسيم بان أعظم شخصيات التي تحكم (بلاد اشور) تخضع لسلطة للإله الأعظم – (الغير المنظور) – الذي عندهم كان يسمى(مردوخ – اشور) فتعيش هذه الشخصيات لحظات تواضع مع عامة الشعب في المدن (الاشورية)، متضرعين جميعا بالصلوات وطلب المغفرة من الإله (مردوخ – اشور) وبعد إن يثبت الجميع إيمانهم بسلطة الإله (الغير المنظور) الذي يوكل للملك حكمه وينزل الملك من بيت الإله (مردوخ – اشور) ليبقى الإله في (جبل العالم السفلي) الذي هو بمثابة برج مؤلف من سبع طوابق قائم تحت السماء لذلك يسمى (برج العالم السفلي)، وهكذا يكون الإله (مردوخ – اشور) قد دخل بيته ويفاجئ بالآلهة التي سيتعارك معها ويؤسر في هذا الجبل؛ بانتظار وصول أبنه الإله (نابو) الذي سينقذه من (العدم) ويعيد مجده.

وهنا لتوضيح نقف قليلا بان ما جاء بـ(التوراة) وما تم اقتباسه من مجريات هذا الحدث الذي يدور في احتفاليات بأيام (اكيتو)، تم ذكره في (التوراة) تحت اسم (برج بابل)؛ وهذا البرج هو (برج العالم السفلي) فيه بيت (مردوخ – اشور) فيأتي القول كما ورد في (التوراة) في نص الأتي :

–  ((كما سيسكن الله في جبل…. حسب التوراة، مزامير:74 : 2)) .

وفي اليوم السادس:

 ففي هذا اليوم تجري أحداثه بوصول الإله (نابو) برفقة أعوانه من الآلهة الشجعان القادمون من (نيبور) و(أوروك) و(كيش) و(أريدو) –  وهي مدن الإمبراطورية (الاشورية) تقع حاليا في جنوب (العراق) –  بواسطة المراكب كانت الآلهة المرافقة لـ(نابو) متمثلة بتماثيل توضع في مراكب وكانت تصنع لهذه الاحتفالات، حيث تبدأ بانطلاق مواكب القادمة من مدن (الاشورية) من (اشور) و(أوروك) و(نيبور) و(أور) و(أريدو) ولكل مدينة من هذه المدن (إله) خاص يخصها تحديدا، بعض المواكب كان يأتي عن طريق البر إلى موقع الاحتفال؛ وبعضها عن طريق السفن في نهر (دجلة والفرات) ومن مختلف أماكن الدولة (الاشورية) للمشاركة في الاحتفال؛ يتقدمها موكب إله (نابو) أبن (مردوخ – اشور) كذلك يقوم إله (نابو) بزيارة إله الحرب (ننورتا) في معبده الخاص، ويتفقان على خطة لقتال إلهين من آلهة الظلام في محاولة لتحرير والده (مردوخ – اشور)، ويقومان بتنفيذ الخطة بنجاح، وشيئا فشيئا يزداد هياج الشعب وغضبه وعنفوان مشاعره وقلقه أثناء مرور عربة إله (مردوخ – اشور) بخيولها، ولكن بدون إن يقودها أي شخص، في شوارع المدينة التي تضج بالناس الذين سلبتهم قوى الشر والظلام إلههم (مردوخ – اشور) وكانت العربة التي تسير بدون إن يقودها احد، ترمز لفوضى الكون قبل أن يقوم (مردوخ – اشور) بتنظيمه، وهنا يبدأ الشعب بالسير وراء (ملك الإمبراطورية الاشورية) باتجاه (الإيساغيلا) حيث الإله (مردوخ – اشور) أسير وهم ينشدون ترتيلا مطلعها:

– ((..هو ذا القادم من بعيد ليعيد المجد إلى أبينا الأسير..)).

في اليوم السابع:

ففي هذا اليوم يتم لـ(نابو) تحرير الإله (مردوخ – اشور) في اليوم الثالث من الأسر بعد إن أغلقت الآلهة الشريرة بابا كبيرا وراء الإله (مردوخ – اشور) بعد إن تم دخوله في بيته؛ ويتصارع الإله (مردوخ – اشور) معها؛ لحين مجيء (نابو) الذي يكسر الباب وتبدأ معركة بينهما ينتهي الأمر إلى انتصار الإله (نابو) وتحرير الإله (مردوخ – اشور).

وهنا تمثل دراما محزنه لموت الإله (مردوخ – اشور) وصعوده إلى السماء ويبحث الناس عنه في كل مكان مولولين وحائرين ويسود المكان الفوضى ويحل الاضطراب في البلاد, حيث يسلم (الحكم في البلاد) لأحد الغوغاء ويلتف حوله المجانين والفوضويين فيحكم ويقتل وينهب ويغتصب كيفما يشاء ويعبث بأمور البلاد طوال النهار حتى مغيب الشمس؛ وعندها يتنازل الملك عن العرش وينتزع منه التاج والصولجان ويقدمان إلى الملك الشرعي فيعود إلى عرشه ويجلس عليه وسط أفراح الشعب، والغاية من هذه العملية هي تذكر الناس بالحكم المستقر المنظم ومقارنته بحكم الفوضى وانتصار سلطة الخير على سلطة الشر.

في اليوم الثامن:

 يرجع الإله (مردوخ – اشور) إلى الحياة وتجتمع الإلهة لتعيين أجيال البشر للسنة الجديدة وتبدأ مسيرة عندما يأخذ الملك فيها يد الإله ويعيد إليه رئيس الكهنة شارة الملك والصولجان والعصا والسلاح والتاج ويصبح الملك الشرعي للبلاد.

ففي هذا اليوم تجري طقوسها بعد تحرير الإله (مردوخ – اشور) تجميع جميع تماثيل الآلهة في غرفة الأقدار التي تسمى (أوبشو أوككينا) فتجتمع الآلهة لتقرر مصير الإله (مردوخ – اشور)، لينتهي الأمر بتجميع قوى جميع هذه الآلهة لتوهب مجدداً إلى الإله (مردوخ – اشور)؛ وهنا يأتي (ملك الإمبراطورية الاشورية) راجيا جميع الآلهة للسير مع الإله (مردوخ – اشور) إكراما له؛ وهذا التقليد يرمز على خضوع كافة الآلهة إلى سيدها الإله (مردوخ – اشور) الإله العظيم في عظمته؛ وهنا وكما ورد في إحدى مدونات (الملك الآشوري – سركون الثاني) عن زياراته لبابل يقول:

 – ((..في بابل.. بيت سيد الآلهة.. بكل فرح دخلت (الإيساغيلا) ووجهي يشع بهجة؛ حيث أمسكت بشدة يدي سيدي الإله (مردوخ – اشور) العظيم وسرنا سوية إلى (بيت أكيتو)، كذلك جاءت عدة آلهة من مختلف بقاع الأرض…)) .

في اليوم التاسع:

ففي هذا اليوم تسير موكب النصر إلى بيت (أكيتو)؛ و(أكيتو) هو المكان الذي فيه (بيت الصلاة) حيث يجتمع هناك الشعب ويبدأ الاحتفال بانتصار الإله (مردوخ – اشور)، حيث يعطي الملك أوامره لتبدأ الفرقة المقدسة بإنشاد التراتيل، حيث يعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجدد سلطان الإله (مردوخ – اشور)، وتدمير قوى الشر التي كادت أن تتحكم بالحياة منذ البدء، حيث يسير موكب النصر وتقوم النساء بجمع باقات الورود وسنابل القمح الأخضر وتعليقها على مداخل البيوت ترحيبا بقدوم نيسان الخير، وهذا الطقس ما زال قائما إلى يومنا هذا، فان اغلب العوائل (الاشورية) تقوم منذ مطلع الفجر بوضع باقة من عشب الأخر على مداخل بيوتهم رمزا لقدوم الربيع، وهذا البيت يقع خارج سور المدينة حيث هناك توجد حديقة واسعة مرتبة بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يعتبر واهب الحياة في الطبيعة ويعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجديد الحب والطاعة إلى الإلهة (مردوخ – اشور) وتدمير قوى الشر التي كانت تتحكم بالحياة منذ البدء.

في اليوم العاشر:

 ففي هذا اليوم يكون الاحتفال بتجمهر الشعب بعد وصوله في موقع (أكيتو) موقع بيت الصلاة حيث يبدأ الإله (مردوخ – اشور) بالاحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسفلي وتوضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة بشبه وليمة؛ وبعدها يعود إلى قلب المدينة للاحتفال بزواجه من الآلهة في السماء، حيث تتحد الأرض مع السماء ومع زواج الإلهة في (السماء) يتزوج (ملك الإمبراطورية الاشورية) على (الأرض)،  فيقوم الملك بتمثيل هذا الزواج مع كبرى كاهنات (الإيساغيلا) حيث يجلسان سوية على العرش أمام الشعب ويبدآن بتبادل الأشعار الخاصة بهذه المناسبة، على أن هذا الحب هو الذي سيولد الحياة في الربيع.

وفي اليوم الحادي عشر:

 ففي هذا اليوم تعود الآلهة إلى المعبد الرئيسي حيث تعقد فيه اجتماعا أخيرا لتؤكد فيه أجيال البشر إطاعتهم؛ والتي عينها الإله ( اشور), إما الإله ( اشور) فيقضي ليلته في المعبد العالي مع سيدة من أجمل بنات البلاد ينتخبها كهنة المعبد, وهذا هو الزواج المقدس لتشجيع التكاثر.

وبعد عودة الإلهة برفقة سيدها الإله (مردوخ – اشور) لتجتمع في بيت الأقدار (أوبشو أوككينا)؛ الذي اجتمعت فيه في اليوم الثامن للمرة الأولى، ولكن في هذه المرة تجتمع لتقرير مصير الشعب حيث يتم التعهد بين (الأرض) و(السماء) على أن يخدم الإنسان الآلهة حتى مماته، وبالتالي لا تكمل سعادة الآلهة إلاّ بسعادة الإنسان الذي يخدمها؛ لذا سيكون مصير الإنسان السعادة ولكن شرط أن يخدم الآلهة، وبعد هذا العهد يصعد الإله (مردوخ – اشور) عائدا إلى بيته العلوي في السماء. 

  ومن الآثار التي بقيت من هذه الاحتفالات أيضا انه في اليوم الحادي عشر وهو يوم الزواج المقدس – حسبما جاء أعلاه – فان عددا كبيرا من حفلات الزواج كانت تقام في هذا اليوم في المدن (الاشورية) المختلفة؛ وعليه لم يكن من المستطاع إن تقام كل حفلة زواج لوحدها بل كانت العرائس تطوف في أحياء المدينة من بيت إلى بيت، ولا يزال (الاشوريون) يمارسون هذه العادة ولكن بطقوس تمثيلية حيث يجمعن فتيات بأعمار دون الخامسة ويزينونهم بأثواب العروس الأبيض ويقمن بتجول في أحياء القرى والمدن (الاشورية) وهو اليوم يسمى بيوم عيد ( سولافا) حيث تمر العرائس من بيت إلى أخر في الإحياء السكنية فيجمعون الهدايا ويوزعونها بينهم،  ونستطيع أيضا إن نؤول (كذبة نيسان) إلى ما كان يجري في اليوم السابع من أيام الاحتفالات حيث كانت تمر بيوم يسود فيه الفوضى وعدم الاستقرار.

وفي اليوم الثاني عشر:

 فهو اليوم الأخير من احتفالات بيوم (أكيتو) حيث تعود الآلهة إلى معبد سيدها الإله (مردوخ – اشور) وتعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد وتعود الحياة اليومية إلى كل المدن (الاشورية) .

وأخيرا فان قيام الإلهة بتعيين الأجيال للبشر في اجتماعهم لكل سنة ما زال أثاره في المجتمع (الاشوري) المعاصر قائم؛ حيث يمارسون العاب الحظ لمعرفة حظوظهم لتلك السنة وتطور من ذلك لعب (القمار) الذي يمارسه البعض ليلة رأس السنة كما إن (الاشوريون) من سكنه قرى شمال (العراق) اليوم يضعون شدة او باقة من الحشائش الخضراء أو شدة من الزهور–  كما ذكرنا سابقا –  فوق عتبة باب الدار في اليوم (الأول من نيسان) كدلالة للخضرة والازدهار ورخاء العيش والتفاؤل بالسنة الجديدة.

لتشكل هذه الممارسات طقوس عقائدية للالتزام وللإيفاء بالمستلزمات الدينية عند أبناء بلاد (وادي الرافدين) في (سومر) و(اكد) و(اشور) لتؤخذ هذه الطقوس عند (الاشوريين) إبعادا أخرى في التطهير والصلاة والتراتيل وتقديم القرابين والنذور عبر احتفالات مهيبة يشترك فيها الملك والشعب على حد سواء في أداء الترانيم الدينية والأدعية والتعاويذ التي كانت تشكل عندهم جزءا من الكل الواحد العظيم لتبجيل اله (اشور)، وهذه الطقوس التي كانت تمارس آنذاك كانت بمثابة صلاة العبادة والتي ارتبطت بتقدمها التطهير التام من الوضوء بغسل اليدين والركوع والسجود ورفع اليدين إلى الآلهة والدعاء ببعض الابتهالات والأدعية وعبارات الشكر والطاعة والعفو والمغفرة والشكاوى والتوسل من اجل تلبية النداء ومن اجل المغفرة لتشكل هذه الطقوس في الصلاة طريقة لاتصال الفرد بـ(الإِله) والتي أخذت عنها في هذه الممارسات كل الديانات المعروفة اليوم.

 ومن خلال هذه الطقوس في التعبد والتي تشكل جزءا من العقيدة الدينية كان يتم دعوة الإِله لنصر جنودهم وإكثار من خيرات بلادهم ولاستدرار المطر؛ وكان الملك في (اشور) عندما يحدث جفاف وقحط في البلاد؛ كان الملك شخصيا يكتب الرسائل إلى الحكام التابعين لـه لتنظيم مشاركة الناس في الابتهال إلى إِله الجو (اداد) ليسقط المطر على أراضي بلاده وهذه الممارسات مازال (الاشوريين) يمارسونها في قراهم وبلداتهم في شمال (العراق) وهي أيضا تمارس عند كل أقوام الأرض إلى يومنا هذا والمأخوذة أصلا من بلاد (وادي الرافدين) ومنها الطقوس المتبعة في الديانة (الإسلامية) باستعطاف الله من أجل إسقاط المطر عند حدوث جفاف أو قحط بتنظيم صلاة الجماعة والتي تسمى (صلاة الاستسقاء)، كما وشكلت تماثيل الآلهة في المعبد جانبا محوريا من عقيدة القوم وطقوسهم الدينية باعتبارها وسيلة لاتصال الإنسان بالآلهة حيث أُعتبر الإِله حاضرا في تمثاله وهذه الظاهرة ما زالت موجودة عند بعض من الطوائف المذهبية في الديانة (المسيحية) التي أخذت من هذه الطقوس وسيلة لتقارب العباد إلى الله، وكذلك كان يؤتى بالطعام إلى المعبد ليوضع تحت تمثال الإِله ليعطي البركة ليعتبر مباركا، ومن ثم تؤخذ هذه الأواني من الأطعمة وترسل إلى الملك ليأكل منها لكي تنتقل البركة إليه ومن ثم ترسل هذه الأطعمة إلى أبناء الشعب ليتباركوا بها، وهذا الطقس ما زال (الاشوريون) يمارسونه وكذلك كل الديانات بما فيه من عادة رش الماء (ماء الورد) من الإِناء الذي تم مسحه بتمثال الإله ليأخذ البركة منه على الملك وأبناء الشعب، إضافة إلى كل ما كان يمارس من إشكال الطقوس الدينية والمناسبات الاجتماعية بما فيها احتفالات الزواج والمراسيم الجنائزية والتي اليوم تمارس على نفس نمط طقوس (الاشوريين) قبل سبعة ألاف عام.

اكيتو من منظور الفكر القومي الاشوري

       ولهذا فان الاحتفالات (اكيتو) التي نشأت في الأصل كعيد من أعياد الطبيعة كانت الأكثر أهمية وشمولية وبهجة وحضورا في (بلاد اشور) لكونها كانت تجسد مهرجان (بداية السنة الجديدة)؛ لذلك كانت حدثا دينيا مهما تمارس كل عام جديد في جميع أرجاء بلاد (اشور)، ولعظمة هذا اليوم شكل على مر التاريخ نقطة ارتكاز لبلورة (الفكر القومي الاشوري) من اجل استعادة دور الأمة وأمجادها وقوتها وقدرتها على مواجهة مشاريع ومخططات الأعداء ولكي تستطيع الأمة استعادة حقوقها المسلوبة من أرضها واستقلالها وحريتها وكرامتها؛ وخاصة عندما تبلور (الفكر القومي) كفكر مع بداية الثورة الفرنسية عام 1789 م؛ وعندما تكونت العديد من النظريات القومية، منها:

أولا … نظرية التي تعتبر (اللغة) و(التاريخ) كأهم عوامل تكوين (الأمة)؛ كما تذهب بهذا نحو الدولة (الألمانية).

وثانيا… نظرية التي تعطي للعوامل الجغرافية دورا كبيرا في نشوء (الأمة) كما تذهب (فرنسا) بهذا النحو.

وثالثا… نظرية التي تذهب باعتبار أن (الأمة) ما هي إلا حصيلة عدة عوامل هي الجماعة المستقرة على أرض محدودة.. ولغة واحدة.. وذات تراث ثقافي مشترك.. وذات اقتصاد مشترك كما تذهب نظرية (الستالينية) .

لذلك فان الأساس في تكوين أية الأمة وبناء القومية يكون عبر وجود (وحدة اللغة والتاريخ)، لأن الوحدة في هذين الميدانين يؤديان إلى وحدة الناس؛ لكونهم يشعرون بأنهم أبناء (أمة واحدة)، متميزين عن الأمم الأخرى تجمعهم وحدة الثقافة.. وحدة الآلام والآمال؛ ومن هذا الفهم نجد بان (لا الدين) و(لا السياسة) و(لا الاقتصاد) و(لا الجغرافية) يدخل في مقومات الفكر القومي للأمة الأساسية بقدر ما يكون لتاريخ واللغة دورا أساسيا في بلورة الفكر القومي لأية امة باعتبار إن (اللغة) تمثل روح الأمة وحياتها و(التاريخ) يمثل ذاكرة الأمة وشعورها.

ومن هذه المعطيات تبلورت لدى (الاشوريين) الفهم القومي للأمة ليشكل لهم محورا لبناء تطلعاتهم للخروج من الأزمات التي كانت تعصف بهم في القرن التاسع عشر في (العراق) و(سوريا) و(لبنان) و(تركيا) و(إيران)؛ ليجدوا من مقومات الفكر القومي في (اللغة) و(التاريخ) منطلقا يؤسس لتحقيق وحدة الأمة (الاشورية) وصون هويتها ليتم صياغة المشروع النهضوي للأمة (الاشورية)؛ عبر تجمع طاقات وإمكانات الأمة وجعلها قادرة على مواجهة أعداء الأمة ودرء الأخطار المحدقة بها والتصدي لاستغلالها وسلب قرارها السيادي؛ لان القوى المعادية للأمة كانت تشن حملات عدائية شرسة ضد (الفكر القومي الاشوري) لتجزئة الأمة وتشتيتها وتحويلها إلى كيانات هزيلة غير قادرة على القيام بمهامها القومي والوطني التي تخدم مصالح الأمة، وعليه نؤكد على ضرورة النضال الوحدوي للأمة (الاشورية) ومقاومة العوامل السلبية التي تحول دون استنهاض الأمة وحشد كل طاقاتها لمواجهة مشاريع أعداء الأمة وسياساتهم ومخططاتهم التي تستهدفها في استقلالها ووحدتها والتي تحاول بشتى الوسائل تشتيتهم في بلاد المهجر.

 ومن هنا يأتي أهمية ودور النضال والإرادة الجماعية لجماهير الأمة المؤمنة بأمتها (الاشورية) ومن اجل الخلاص من الواقع المرير السائد في مجتمعنا (الاشوري) عبر تحقيق أهداف الأمة في الحرية وحق تقرير المصير بما يحفظ أمنها وحريتها وكرامتها واسترداد حقوقها المسلوب من أرضها في بلاد (وادي الرافدين) والحفاظ على قرارها السيادي وحقهم بالحرية والحياة الكريمة.

ومن هنا لابد من العمل لإحياء الشعور القومي بين أبناء الأمة (الاشورية) وإعادة اعتباره كعامل الأهم من عوامل ومقومات القومية وهي (اللغة) و(التاريخ)، ومن هنا يأتي دور المفكرين الأمة وأساتذتهم ومدرسيهم والأدباء والإعلاميين لبث روح التوعية في المدارس القومية لدراسة التاريخ الأمة (الاشورية) وحضارتها العرقية ولغتها بقراءة معاصرة لإعادة بعثها من جديد برسالتها الحضارية وبقيمتها الإنسانية التي اتسمت بها الأمة (الاشورية) منذ فجر التاريخ والى يومنا هذا؛ والعلاقة البينية التي حققتها لتنوير واغناء الثقافة الإنسانية بكافة فروعها؛ ولهذا تعرضت الأمة (الاشورية) لأبشع أشكال المؤامرات بغية الحيلولة دون استفاقتها ونهضتها، ولذلك تتابعت المؤامرات عليها من مذابح وتهجير واستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم منذ القرن التاسع العشر والى يومنا هذا، وعملوا الأعداء بكل ما أتى لهم من قوة إلى تفكيك الأمة (الاشورية) وشرذمتها وإضعافها؛ وعلى الرغم من المآسي التي مرت على أبناء الأمة (الاشورية) عبر التاريخ إلا أنهم بقوا ملتزمين ومتعلقين بعاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم ولغتهم وبأصولهم التربوية والثقافية؛ فحافظوا عليها جيلا بعد جيل ليأتي القومين (الاشوريين) من أمثال (نعوم فائق) و(اشور يوسف) و(فريدون آتورايا) و(فريد نزها) و(بنيامين ارسانيس) و(بشار حلمي بوراجي) و(الأب لويس شيخو) و(مار شمعون بنيامين) و(يوخنا موشي) و(شموئيل بادل) و(شليمون دسالامس) و( يوئيل وردا) و(سنحاريب بالي) و(ابراهيم صوما) و(بنيامين ارسانيس) و(بولص انويا) وغيرهم من رواد الفكر القومي (الاشوري) والإعلامي من الذين واصلوا مسيرة أبنائهم ومن الذين سبقوهم مسيرة النضال والكفاح عبر حركاتهم النضالية وتصدوا للأعداء بكل ما أتيح لهم من قوة ومن نضال واستشهاد وواصلوا مسيرة الكفاح تحت كل الظروف ومن خلال نضالهم للعمل القومي والسعي من اجل التحرير والتحرر الحقيقي من تسلط الأعداء والصمود في وجوههم المدعومة من قبل الامبريالية العالمية؛ لذلك فان هذا الصمود وإرادة التحدي هي من مقومات النصر الدائم عبر الاعتزاز بالانتماء القومي الذي ينجم دائما عن فهم الأجيال لتاريخ أمتهم ولغتهم والشعور بالفخر الذي ينتابهم عند معرفة الانجازات الحضارية والإنسانية التي قدمتها للبشرية هذه الأمة، إذ أن جميع مظاهر الحياة تبدو في هذه الحضارة (الحضارة الاشورية) من اللغة والشرائع والأنظمة والفنون والآداب التي تبدوا كتجليات لعبقرية هذه الأمة، ليأتي الفكر القومي ليعمق هذا الفهم عند أبناء الأمة، لان القوميون (الاشوريين) أناس يؤمنون بجدلية الدايلكتيك ويعتبرون أن الحرية والإنسانية تتلازمان، وعلى تلازمهما تقوم القيم الأخلاقية عند أبناء الآمة (الاشورية) الذين يلتزمون بها كل الالتزام لأنه الالتزام الحضاري يبعث الحياة الجديدة في الأمة يفجر إمكانياتها على كل المستويات الحياة.

ومن هنا لا بد من توعية أبناء الأمة والمجتمع (الاشوري) والتركيز على تعزيز عوامل تقوية الذات القومية؛ لان لا مستقبل للأمة بدون تعزيزها وإنمائها في النفوس إلى درجة الاعتزاز؛ لان الانتماء الحقيقي للأمة (الاشورية) هو التزام قومي لا مر منه؛ ولا يستطيع الفرد أن يخرج من هويته القومية لأن القومية ليست كهوية فكرية أو دينية يستطيع خروج منها والتحول في أي وقت يشاء المرء؛ وهذا الخروج لا ينفي بانتمائهم القومي ضمن أبناء أقوامهم وجذورهم وأصولهم؛ ومن هذه الحقيقية يجب تأهيل الأجيال الناشئة وإعدادهم فكريا وسلوكيا لأن مستقبل الأمة (الاشورية) مرهون بالأجيال القادمة ليقفوا في وجه المؤامرة وهم مؤهلين نفسيا وسلوكيا بقيم الفكر القومي (الاشوري) .

التعليقات مغلقة.