الإسلام السياسي ليس إسلاما وليس سياسة / ابراهيم غرايبة

0 200

إبراهيم غرايبة ( الأردن ) – الإثنين 7/4/2025 م …

الاحداث السياسية والعامة، لكن فكرة المقال محاولة فهم وتمييز الديني وغير الديني؛ ما هو من عند الله وما هو من عند الله حتى لا نكون مثل الذين وصفهم القرآن الكريم “ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله” وحتى لا نقدس ما ليس مقدسا أو نحول المقدس إلى إنساني واقعي “مدنس”.

كان “الإسلام السياسي” مشروعا للدولة العربية والإسلامية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، للدخول في مرحلة ما بعد الامبراطورية “الخلافة” المرحلة التي انتهى فيها عصر الامبراطوريات في جميع أنحاء العالم، وبدأت دول مركزية حديثة. يكفي الإشارة هنا إلى أن الدول المستقلة كانت بعد الحرب العالمية الأولى 25 دولة وهي اليوم أكثر من مائتي دولة. ولم تكن معظم الدول والممالك القائمة قبل الحرب العالمية الأولى ينطبق عليها الفهم والواقع الذي نعرفه ونعيشه في ظل الدولة الحديثة؛ بما هي ظاهرة حديثة في عالم العرب والمسلمين لا يتجاوز عمرها المائة عام، وهي أيضا حديثة في العالم لا يتجاوز عمرها 350 سنة.

أرادت القيادات السياسية للدول الناشئة وهم مجموعة من الملوك والنخب المحيطة من المتدينين أن ينشئوا دولة حديثة منسجمة مع الإسلام، ولم يكن التراث الإسلامي في الحكم والسياسة القائم على فكرة ومشروع “الأمة” أن يستوعب احتياجات الدولة المركزية الحديثة، وبخاصة التشريعات المنظمة للحياة العامة والسياسية واليومية على أساس من المعاصرة والانسجام مع الإسلام.

صار لجميع الدول العربية والإسلامية مؤسساتها التشريعية والتعليمية والتنظيمية، وانتهت الحاجة لمشروع “الإسلام السياسي”، كما لو تريد بناء بيت، فتعهد بذلك لمهندسين وبنائين وحرفيين، وعندما يتم البيت تعيش فيه، ولا يظل مجال لبقاء المقاول الذي أنشأ البيت، إنه ليس شريكا دائما لك، ولا تحتاج إليه بعد اكتمال البيت.

هكذا فقد تشكل الإسلام السياسي في العشرينيات، في ظل حالة مشجعة من اتجاهات ومداخل عدة؛ مثل الاتجاه الرسمي والاجتماعي الذي تنامى لأجل استيعاب معاصر للإسلام أو العمل على إقامة دولة معاصرة تتواءم مع الإسلام، والاتجاه التحرري لمقاومة الاحتلال الذي تعرضت له معظم دول العالم الإسلامي؛ وبخاصة بعد الحرب العالمية الأولى، وفي تطورات كثيرة من المد والجزر عاد الإسلام السياسي إلى النمو والانتشار في سبعينيات القرن العشرين في ظل موجة دينية عالمية سادت وفي حالة الشعور بالهزيمة الانكسار التي أنشأتها حرب 1967.

النواة الفكرية الأساسية للإسلام السياسي تقوم على مسألة الحكم في الإسلام، وشجع الحالة هذه ضعف وانحسار الخطاب الديني الرسمي، وفي هذا الفراغ كان خطاب الإسلام السياسي يعمل وينتشر، بل إنه شكل العمود الفقري للمناهج التعليمية والكليات والمؤسسات الدينية التي ترعاها وتنفق عليها السلطات السياسية.

تحول الإسلام السياسي خلافا لروايته المنشئة إلى تقديم نفسه بديلا للنموذج القائم في الدول الإسلامية المعاصرة، ولأنه نموذج لم يطبق بالفعل، فقد كان نموذجا أقرب الى الحلم او المثال الذي يداعب خيال وحلم المسلمين والمستمد من التاريخ في مراحل زهو وتقدم العالم الإسلامي، ويجب الاعتراف أنه خطاب، رغم عدم واقعيته يمثل اليوم أكبر تحد للدول والمجتمعات الإسلامية والعالم أيضا، فهو ملهم الإرهاب والتطرف وكثير من الأزمات والانقسامات السياسية والاجتماعية.

يمكن القول، إن جماعات الإسلام السياسي على اختلافاتها وتعددها تكاد جميعها تنهل من كتابي “معالم في الطريق” تأليف سيد قطب، وكتاب “المصطلحات الأربعة في القرآن” تأليف أبو الأعلى المودودي، وهناك مراجع وكتب كثيرة أخرى تخص الجماعات المتشددة إضافة إلى “المعالم” والمصادر التقليدية والتاريخية المعروفة والمتبعة لدى الأمة بشكل عام.

لقد مثل سيد قطب حالة اكتسحت عالم الإسلام السياسي، وهي مسألة تحتاج إلى توقف وتفسير وتحليل. وفي كثير من الأحيان تجد أعضاء الجماعات الإسلامية وشبابها يحملون أفكار سيد قطب ومقولاته دون أن يقرؤوا كتبه أو يعرفوا أنها له، لقد أصبحت منظومة فكرية تتلقاها الجماعات على نحو جماعي وشفاهي وخفي، بل إنها متجذرة وحاضرة في أذهان وتفكير كثير من المتدينين غير المنتظمين في جماعات، والأكثر غرابة أن نسبة كبيرة من المشتغلين بالمؤسسات الدينية الرسمية في التعليم والأوقاف والإفتاء والقضاء يؤمنون بأفكار المفاصلة والرفض القطعي التي أنشأها قطب، وإنك لتعجب كيف يوفقون بين ولائهم السياسي للحكومات والأنظمة وبين أفكارهم المتشددة التي يؤمنون بها. هناك أساتذة في الكليات والمدارس لا علاقة لهم بالإخوان المسلمين والإسلام السياسي لكنهم يدرسون طلابهم أن الأردن “دار حرب” ويحرمون الانتخاب والديمقراطية، ويعتقدون أن المواطنة قائمة على الإسلام بمعنى أن كل مسلم من أي بلد كان هو مواطن ومن ليس مسلما ليس مواطنا، وهي فكرة سائدة ومتقبلة، ولا يلاحظ أصحابها أن منشأها يهودي. حيث يعتبر كل يهودي مواطنا “إسرائيليا” ومن ليس يهوديا ليس مواطنا.

يعتبر باحثون كثيرون في الإسلام السياسي ان كتاب “معالم في الطريق” بمثابة الإعلان الإسلامي المقابل للمنفستو الشيوعي، أو بيان الحزب الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك إنجلز عام 1848، ويقول غازي القصيبي على لسان بطل روايته “العصفورية” إن كتاب معالم في الطريق أهم كتاب عربي ألف في السنوات الخمسمائة الأخيرة.
لكن بما أن الدولة المركزية اليوم تواجه تحديات كثيرة فإن الإسلام السياسي بطبيعة الحال الذي هو ظاهرة مرافقة وملازمة للدولة الحديثة يواجه التحديات نفسها. فالأمم اليوم، بما هي تكوين معقد للسلطات والمجتمعات والأسواق والأفراد؛ تدخل في مرحلة جديدة من التحديات والاستجابات المطلوبة، تتلخص ببساطة في القدرة على التغير الايجابي في العدل والازدهار ومواصلة نموها الاقتصادي وتحسين حياتها.

يتجه العقلاء اليوم من أعضاء الجماعات الإسلامية إلى التحول باتجاه “متدينين يشاركون في الحياة العامة” بقواعدها المتفق عليها بوضوح وعلانية، في حين تواصل تشكيلات أخرى البحث عن فرص وحيل البقاء والاستمرار، منها على سبيل المثال دمج الإسلامي بالقومي، والانشغال بالحوافز المغرية للأمم مثل الخوف واللجوء إلى التاريخ المجيد والشعور بالتميز والاستعلاء والتعصب الديني والاجتماعي، والحال أن الأمم جميعها تمر في مرحلة من الخوف وعدم اليقين بسبب التحولات الكبرى القائمة على التكنولوجيات والأعمال الجديدة التي تغير في طبيعة الاعمال والموارد والمؤسسات.

لقد أدخلت جماعات الإسلام السياسي نفسها في مأزق يصعب الخروج منه بالسهولة والتلقائية التي دخلت بهما، فقد أنشأت قواعد ومفاهيم ومبادئ جديدة في فهم الدين وتطبيقه، ثم تحولت هذه المنظومة إلى جماعات ومصالح ومؤسسات وأفكار كثيرة ممتدة فاقت توقعات الجماعات نفسها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة × خمسة =