أردوغان مريض سياسياً / عبد المنعم علي عيسى

509

عبد المنعم علي عيسى – الأربعاء 10/11/2021 م …

على الرغم من كثافة الشائعات التي ظلت تلاحق صحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ نحو أربع سنوات أو تزيد بالتزامن مع الإعلان عن إصابته بسرطان القولون، إلا أن الشائعة الأخيرة، التي سرت كما النار في الهشيم يومي 3 و4 الشهر الجاري، كانت هي الأكثر انتشارا، والأكثر تأثيراً من بين سابقاتها بما لا يقاس، مما يشير إلى دلالات عدة لربما ليس من بينها التأكيد على صحة تلك الشائعة، بل من الراجح أن كبرى المؤشرات تذهب نحو أن أغلبية في الشارع التركي، لا تعرف مدى رجحانها حتى الآن، وكانت تريد لتلك الشائعة أن تكون صحيحة.

خلال اليومين، سابقي الذكر، سرت شائعة على وسائط التواصل الاجتماعي التركية مفادها أن الرئيس لربما «فارق الحياة» أو هو في طريقه لمفارقتها، وبعد ساعات انتشر هاشتاغ «مات» الذي استخدمه في غضون ساعات عشرات الآلاف من المتابعين، قبيل أن تعمد السلطات التركية إلى ملاحقة مطلقي الوسم بتهمة «الحط من كرامة رئيس الجمهورية»، الأمر الذي اضطر موقع رئاسة الجمهورية لنشر تسجيل مصور لأردوغان يظهر فيه وهو ينزل من سيارة بتوازن وثقة لافتين.

ما يثير الانتباه هنا هو طريقة التعاطي مع الشائعة الأخيرة بطريقة مختلفة عن سابقاتها، والفعل وحده كفيل بإثارة الكثير من الأسئلة في شتى الاتجاهات، لكن مرة أخرى، ليس من بينها، أي من بين تلك الأسئلة، ما يشير إلى تدهور حاصل في صحة الرئيس التركي، لكن لربما كانت السياقات التي سبقت تلك الشائعة بوقت قصير من النوع الكاشف، أو الذي يبرر الاهتمام الذي لقيته هذي الأخيرة من السلطات التي أعلنت الاستنفار لمحاصرتها ونفيها.

في الـ18 من شهر تشرين الأول المنصرم أصدرت عشر دول أوروبية إضافة للولايات المتحدة بياناً مشتركاً طالبت فيه أنقرة بتطبيق قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الداعي إلى إطلاق سراح رجل الأعمال عثمان كافالا المتهم بالشراكة مع الداعية فتح الله غولن بمحاولة الانقلاب الفاشلة على نظام أردوغان والتي جرت في 15 تموز 2016، وفي اليوم التالي لصدور ذلك البيان استدعت وزارة الخارجية التركية سفراء تلك الدول المعتمدين لديها لإبلاغهم «استياء أنقرة واحتجاجها» على ما تضمنه البيان سابق الذكر، في حين أشارت تقارير إعلامية إلى أن السفراء كانوا قد تبلغوا رسالة مفادها أنهم باتوا «أشخاصاً غير مرغوب فيهم»، وسواء أكانت هذي التقارير صحيحة أم لا، فإن الحادثة غير المسبوقة، وطبيعة الرد التركي عليها، تشيران إلى حال من التشنج والانفعال لا تتناسب درجاتها التي وصلت إليها مع مقتضيات الحالة السياسية التي يمكن أن يخلقها صدور بيان الدول الأوروبية سابق الذكر، فالسياسة لا تبنى على ردود الأفعال أو الاستفزاز، ومن المؤكد أن أحمد داوود أوغلو، وزير خارجية أردوغان السابق وأمين عام حزبه السابق أيضاً، كان محقاً في توصيفه للسياسة التركية في أعقاب تلك الحادثة حين قال: «لقد استبدلت الدولة عمقها بخطاب الأزقة»، وأن الفعل ثم الرد الذي جاء عليه يكتسبان أهمية فائقة عبر التوقيت الذي جاءا فيه، فهما كانا على مبعدة لا تزيد على عشرة أيام من اللقاء الذي جمع الرئيس التركي بنظيره الأميركي، والذي جرى في روما على هامش اجتماعات قمة العشرين، وهو اللقاء الذي كان أردوغان يعول عليه كثيراً لحلحلة الكثير من القضايا العالقة بين البلدين، والمؤكد هو أن «خطاب الأزقة» كان قد أضاف حمولات جديدة لسلة أثقلت بالكثير مما احتوته من هذي الأخيرة.

مرض أردوغان سياسي أكثر منه عضوي، ووسم «مات» لربما كان المقصود به قد جاء في هذا السياق سابق الذكر، فنظامه محاصر إقليمياً بتلاقيات مصرية قبرصية يونانية تبدو حاسمة في ملف النفط والغاز شرق المتوسط، ثم إن العودة إلى مفاوضات فيينا وما يمكن أن تفضي إليه ستكون ثقيلة الوطأة على ذلك النظام، ومحاصر أيضاً دولياً بانكفاءة أميركية تبدو آخذة بالاتساع وصولاً إلى سحب محتمل للمظلة التي ساعدت في بقاء ذلك النظام لعشرين عاماً، ناهيك عن وضع اقتصادي يبدو ماضياً نحو تأزم لا نحو انفراج، الأمر الذي يجعل من مقبولية حكم حزب العدالة والتنمية ضعيفة، إذ لطالما قامت مشروعية حكم هذا الأخير على «بحبوحة» اقتصادية تزامنت مع سني حكمه بالرغم من أنها جاءت نتاجاً لتحولات اقتصادية كانت قد بدأت منذ مطلع التسعينيات من القرن المنصرم لينجح هو في قطف ثمارها أوائل هذه الألفية، وكنتيجة لكل تلك العقبات التي تعترض مسيرة النظام فقد جاءت نتائج الاستطلاعات الأخيرة لتشير إلى أن أردوغان، وحزبه، يحظى بتأييد 27 بالمئة من الشارع التركي فقط، متعادلاً بذلك مع الشعبية التي يحظى بها حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، بينما تشير التوقعات إلى أن شخصية معارضة يتفق عليها بين هذا الحزب الأخير وبين باقي الأحزاب المعارضة سوف تحصل على تأييد 60 بالمئة من الشارع التركي.

في لحظة من اللحظات تصبح فيها الضغوط المطبقة على النظام، أي نظام، بدرجة تفوق قدرته على التحمل والاحتواء، يصبح هذا الأخير شديد الحساسية تجاه أي سلوك يرى فيه عاملاً منغصاً يزيد في أوجاعه، وهذا لربما يفسر ردود الأفعال التي تصدر عنه في مثل هذه الأوضاع، والتي تجيء عادة بصورة المبالغ فيها تجاه الأحداث التي تعترض مسيرة تثبيت ركائزه، تماماً كما جاءت ردود فعل النظام التركي على بيان الدول الأوروبية وعلى شائعة تدهور صحة الرئيس.