من ” هو تشي مِني” الڤيتنامية إلى كابول” الأفغانيّة واشنطن لم تتعلّم الدرس / موسى عباس

788

موسى عباس ( لبنان ) – السبت 21/8/2021 م …

في أعقاب الهجمات التي وقعت في الحادي عشر من أيلول 2001 ودمّرت أبراج التجارة العالمية اجتاحت جيوش  الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان التي كانت تخضع لحكم “حركة طالبان ” وتؤوي معسكرات “منظّمة القاعدة ” التي كانت الإستخبارات الأمريكية هي من أنشأتها وسلّحتها ودعمتها طيلة فترة قتالها للقوات السوڤياتية التي كانت تحتل أفغانستان – والتي كان النظام السعودي يموّلها – متذرّعةً بأنّ ذلك مجرّد عمليّة للقضاء على إرهاب “القاعدة” التي اتهمتها بأنّها المنفّذة للهجمات ضد الولايات المتحدة الامريكية ، وبعد عشرين عاماً من الإحتلال ، وتبريراً لإنسحابها أعلنت بأنّ أفغانستان لم تعُد تُشكّل تهديداً لأمن الولايات المتحدة الاميركية، وأنّ القوات الأفغانية التي درّبها وسلّحها الجيش الأمريكي تستطع مواجهة  قوات حركة طالبان ، لكن تساقط الولايات الأفغانية الواحدة تلوَ الثانية وهروب الرئيس الأفغاني “رجُل أمريكا”قبل سقوط العاصمة “كابل”يُثير عدّة تساؤلات أهمها:
-هل أنّ الإستخبارات الأمريكية كانت قد عقدت إتّفاقاً سرّيّاً مُتكاملاً مع الصفّ الأوّل في قيادة حركة طالبان بعيداً عن المفاوضات التي كانت تجري بين المتفاوضين في العاصمة القطرية  “الدوحة”، وأنّ من بين بنود ذلك الإتفاق أن تصبح أفغانستان قاعدة لإنطلاق عمليّات إرهابية ضدّ من تعتبرهم الولايات المتحدة الأمريكية أعداءها وبالتحديد “روسيّا والصين وإيران”، الأمر الذي سينجُم عنه زيادة تأثير الإرهاب على “الممر الجنوبي والأوسط لطريق الحرير الحديدي الممتد من الصين لأوروبا” واذا ما حدث ذلك فإنّه سيشغل تلك البلاد عن المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية .
وهل  أنّ المناورات العسكرية التي بدأتها القوّات الروسيّة مع قوات “طاجيكستان وأوزبكستان” على بعد عشرين كلم من الحدود الأفغانية هي لمواجهة خطر الإرهاب المتوقّع انطلاقه من أفغانستان والذي قد يهدّد الداخل الروسي  انطلاقاً من حدود جمهوريات وسط آسيا؟.
علماً أنّه قبل سنة واحدة من هذا التاريخ قالت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلاً عن مسؤولين في المخابرات الأميركية أن الاستخبارات العسكرية الروسية عرضت مكافآت على مسلحين مرتبطين بحركة طالبان من أجل تنفيذ هجمات على الجنود الأميركيين في أفغانستان.
من جهّة ثانية هل أنّ إعلان إيران أنّ حدودها  مع أفغانستان البالغ طولها حوالي ألف كلم محميّة هو أيضاً بسبب القلق الذي حصل بعد سيطرة طالبان على الحدود الأفغانية مع إيران ، علماً أنّ لإيران وحركة طالبان برنامجين سياسيين متناقضين ، إضافةً لوجود أقلية “البلوش” في إيران ، وهم أبناء عمومة “الباشتون” الذين يشكلون قوام حركة طالبان ؟
خاصةً وأنّ التجربة السابقة لسيطرة الحركة على مقاليد الحكم في أفغانستان تُنذر بالعديد من المخاطر والتحديات للمصالح الإيرانية في هذا البلد، علاوةً على احتمال تشكُّل بؤر اضطراب مزمن على مقربة من الحدود الأفغانية-الإيرانية، إلى جانب تداعيات اقتصادية، وأمنية متعددة.
– أمّا السؤال الثاني الذي قد يتم طرحه فهو:
هل أنّ القيادة العليا لحركة طالبان استطاعت فعلاً خداع الأمريكيين من خلال المفاوضات في”الدوحة” في الوقت الذي كانت تستعد فيه لما حصل لاحقاً من استعادتها السيطرة السريعة على كامل الأراضي الأفغانية؟
على كلٍّ الأيّام والأحداث القادمة ستتكفل بالإجابة على جميع التساؤلات.
من ناحيته قال “كارتر مالكاسيان” المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الذي كان نشر  كتابا عن تاريخ الحرب في أفغانستان “لا شك إطلاقا في أننا خسرنا الحرب”.
ورأى هذا الخبير أن طالبان برهنت على إرادتها في محاربة “الغزاة”،  بينما بدا أن الجيش الأفغاني “مُباع” للأجانب.
وكتب مالكاسيان في كتابه أن “مجرّد وجود أمريكيين في أفغانستان ينتهك فكرة هوية أفغانية تستند إلى كرامة وطنية وتاريخ طويل من محاربة الغزاة والتزام ديني بالدفاع عن الوطن”.
وكتب محرّر الشؤون العالمية في صحيفة “الغارديان ” البريطانية “جوليان بوغرر”، تحت عنوان “أفغانستان” إنتهاء أطول حرب أمريكية وسط إتهامات بالخيانة” مضيفاً ” كان من المفترض أن لا تكون حرب الولايات المتّحدة في أفغانستان ڤيتنام أخرى”، مشيراً إلى ما حدث للمتعاملين مع الأمريكيين من إذلال ومهانة وإحتقار أثناء سعيهم لمغادرة أفغانستان تعلقاً بالمروحيّات العسكرية الأمريكية ، حيث تكرّر ذات المشهد الذي حدث في نهاية إنسحاب القوات الأمريكية مهزومةً من ڤيتنام منذ حوالي نصف قرن.
ولكنّها كانت ڤيتنام أخرى ولا بُدّ أن المشهد سيتكرّر في العراق وسوريّا وجميع المواقع الذي تخضع للإحتلال الأمريكي أو لغيرِه وبأيّ شكلٍ من الأشكال ، فحيث ما تواجِد الإستعمار وُجد معه الدمار والخراب والإذلال والمهانة،  وبالمقابل لا بُدّ من وجود مقاومة تقارع  الإحتلال وتعمل على هزيمته وطرده مهما كانت قوتّه وجبروته ولا بُدّ أن ينهزم -مهما طال زمن الإحتلال- أمام ثبات وصلابة المقاومين ، والتاريخ شاهد على ذلك من ” ڤيتنام إلى لبنان إلى أفغانستان”.