جيب المجوز يا عبود والمقاومة السلمية / مهند إبراهيم أبو لطيفة

886

مهند إبراهيم أبو لطيفة  ( فلسطين ) الأربعاء 21/7/2021 م …

من الأغاني القديمة الجميلة التي غنتها المطربة اللبنانية ” صباح “، وقام بتأليفها وبتلحينها الأخوان رحباني، أغنية “جيب المجوز* يا عبود”، ومع أن الأغنية لها رونقها الخاص لمن يحب هذا النوع من الغناء، إلا أنها تصبح رمزا للسطحية والتضليل الجماهيري وربما البكائية إذا ما تعلق الأمر بالحالة الفلسطينية، وضرورة التصدي لممارسات وسياسات الإحتلال المجرم بحق الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.  

بلا أدنى شك تعتبر المظاهرات والإحتجاجات والإعتصامات والمسيرات  والإنتفاضات السلمية، من أهم وسائل التعبير التي يمكن أن تحقق نجاحا ملموسا (تجربة مارتن لوثر كنج والمهاتما غاندي ) فيما لو وجدت الظروف الموضوعية المناسبة وفي مقدمتها:  

أن يكون لها هدف سياسي واضح تسعى للوصول إليه، وأن تحظى بإلتفاف شعبي كبير، ودعم من  مستويات سياسية وأحزاب وقوى ومنظمات حزبية ونقابية، ووجود قيادة جماعية موحدة ومرجعية واضحة ومسؤولة ، تسير بناء على برنامج مقاوم يقدر كيف ومتى يتم التصعيد في المقاومة، وكيف يستفيد من تراكم إنجازاتها، إضافة لتوفير الظروف أو البنية الإقتصادية الداعمة لإستمرارها، ومن أهم العوامل أيضا التي يجب توفرها، هو قناعة وثقة القاعدة الشعبية في ممثليها  وطليعتها ومصداقيتهم ، أو التأسيس على تجارب إيجابية سابقة تعزز الثقة، وأن تتنوع أشكال وتكتيكات المقاومة السلمية حسب المناطق والظروف ، ويصاحبها دعم لوجستي وإعلامي واسع ليكون لها تأثيرها الأكبر، ودعمها إقليميا ودوليا يواكب حركتها أو مظلة حاضنة .  

 وجميع هذه العوامل غير موجودة حاليا في الساحة الفلسطينية ، كما يتابع أي مراقب مدقق للمشهد الفلسطيني والعربي، ولذلك تبقى كل المبادرات محدودة التأثير، نخبوية أو شبه فردية ومناطقية أو فئوية، ويتم تضخيمها أو إستخدامها من قبل بعض الطاقم السياسي لتبرير العجز والفشل والتخاذل أو التورط في دور وظيفي ألزم نفسه به، على أمل الحصول على مكاسب سياسية لم تتحقق، وأصبح يكرر خطابا دينكوشوتيا عن المقاومة السلمية.  

كيف يمكن لمن ألزم نفسه بإتفاقية أوسلوا، وما تبعها من إتفاقات وملاحق أن يطور برنامجا كفاحيا حقيقيقا للمقاومة الشعبية بعيدا عن التضليل الديماغوجي والإستهلاك الإعلامي؟، وهو ملتزم بما جاء في رسالة الراحل الشهيد أبو عمار إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في 9/9/ 1993، وإتفاقية القاهرة الموقعة في 4/ 5/ 1994، وإتفاقية واشنطن في 28/ 9/ 1995، وإتفاقية طابا، وخارطة الطريق وشروط الرباعية وغيرها، وتعهد بإتخاذ كافة الإجراءات التأديبية بحق من يخالف هذه الإلتزامات، وأن يرفع عنه الغطاء السياسي والوطني، ويقوم بنفسه بإعتقاله ومنعه وملاحقته، وهذا يشمل كل ما يمكن أن يعتبره الطرف الآخر ” تحريضا دعائيا على العنف”، وهو ما تم بالفعل عام 1996، حيث قامت أجهزة السلطة الفلسطينية ( مرجعيتها منظمة التحرير ! ) بإعتقال حوالي 1600 شخص على أساس إنتماءهم السياسي ، وعشرات الشواهد الأخرى.  

كيف يمكن الوثوق بنهج يكرر منذ عام 1970 حجة ” الممر الإجباري” و ” المؤامرة الدولية “، لتبرير فقدان أطول ساحة وحدود لمواجهة الكيان الصهيوني في الأردن، وبيئة كانت إلى حد ما قابلة لإستمرار الكفاح الوطني في  ساحة لبنان ، ومن ثم ورطة أوسلو وما أختبره ويختبره شعبنا من أداء سياسي  في الأرض المحتلة  والمخيمات والمنافي؟، ناهيك عن مسؤوليته في إستمرار الإنقسام وإضعاف المشاركة الشعبية وتعطيل منظمة التحرير.  

من أهم  الشروط التي قامت عليها إتفاقية أوسلو ، الوصفة الأمريكية – الإسرائيلية بغطاء وتمويل رسمي عربي ، هي أن يكون الكيان السياسي الفلسطيني هو الشريك الأساسي في الحفاظ على أمن ووجود الكيان الصهيوني  وهو الجسر الذي سيمر من فوقه هذا الكيان ،  نحو مزيد من التطبيع والإختراق وتوسعة المجال الحيوي الإقليمي والدولي، وكان السياسيون الأمريكان يؤكدون في جميع المناسبات – حتى بعد توقيع الإتفاقية في البيت الأبيض مباشرة – على أن على الطرف الفلسطيني أن يقوم بإجراءات تؤكد على هذا الإلتزام، وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ” سي أي ايه ” تقوم بالتدخل والإشراف المباشر على مستوى التنسيق الأمني مع الإحتلال ، وتجربة الجنرال الأمريكي دايتون خير شاهد على ذلك.  

وبعديا عن منطق التشكيك في وطنية أفراد وقادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية المختلفة وهو ما لايصح فيه التعميم، فهي غير مؤهلة لأن تقود أو تحمل مشروعا للمقاومة السلمية ، ولم تثبت خلال السنوات الماضية لشعبها – سوى حالات فردية أو إستثناءات محدودة- أنها تملك الإرادة والقرار السياسي لكي تتمكن بالفعل من حماية شعبها ومشروعه الوطني في مواجهة الإحتلال والمستوطنين، ونشاهد بإستمرار ومنذ عام 1994 حجم المعاناة التي يعانيها شعبنا تحت الإحتلال، وكثير من الملفات الداخية الأخرى.  

من أهم أهداف الكيان الصهيوني، إظهار الفشل الفلسطيني عن إدارة كيانه السياسي ، وبالتالي عدم إستحقاقه لمزيد من المكتسبات ، فيستمر الإستيطان، ويستمر الإبتزاز، ويتم التنصل من الإتفاقيات الموقعة، وتقطع الطريق على القضايا المؤجلة كالقدس والإستيطان وحق العودة والدولة ، و الجانب الفلسطيني أبدع في تقديم ” المبررات ” على حساب علاقته مع شعبه في الداخل والخارج ودون أن يراكم ويستفيد من عناصر قوته وفي مقدمتها المقاومة.  

فإذا كانت هذه الأجهزة ( الأمن الوطني، الأمن الوقائي، المخابرات العامة، الإستخبارات العسكرية، الأمن الخاص، القوة 17، الدفاع المدني، الشرطة المدنية ) مقيدة إلى حد كبير في ممارسة دورها الوطني، إضافة لهشاشة وتراجع دور باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية خصوصا في الضفة الغربية وفي مقدمتها قوى ” اليسار “، فكيف يمكن تصور مقاومة سلمية تحقق إنجازات للحركة الوطنية الفلسطينية، لا سيما أن الكيان الغاصب يمتلك ترسانة مسلحة ، وعدوانية عالية جدا ومستوطناته تخنق الوجود الفلسطيني وتحاصره.  

إن أي تلويح أو إشارة لإنتفاضة ثالثة، أو مطالبة برفع وتيرة المقاومة الشعبية، هي مطلب لا يمكن وصفه سوى بالرومانسية الشديدة أو الإستعراضية، إلا  إذا جاء وبحق نتيجة الإرادة الشعبية الحرة  وتعبيرا عن تراكم تناقضات جذرية مع الإحتلال، ودون أن يكون تلبية  لاحلام صف سياسي أو فئوي معين ولإعتبارات حزبية ضيقة.
وحدها البندقية الفلسطينية المقاومة، هي الفعل ” البراغماتي” و ” الواقعي ” الذي يجب التعويل عليه، ودعمه بأشكال مختلفة من المقاومة الشعبية والسلمية، وأن تكون هي الخيار الإستراتيجي والدرع الحامي للمشروع الوطني الفلسطيني، وهي بالمناسبة الوسيلة التي يراها أغلبية الشعب الفلسطيني تنسجم مع رؤيته وتجاربه وأسلوب كفاحه الوطني الذي يمكن أن يحقق له التقدم نحو الحرية والإستقلال ولولاها لما حظيت منظمة التحرير الفلسطينية بإلتفاف جماهير واسع في مرحلة من المراحل.  

الأولوية  الوطنية هي دعم المقاومة ومراكمة قدراتها وخبراتها ودعم مواردها ، وإسنادها لوجستيا وإعلاميا، وهذا لا يقلل على الإطلاق من جميع مظاهر وفعاليات المقاومة الشعبية في جميع الساحات فهي أنشطة ومجالات عمل وطنية واسعه ينبغي استثمارها وتواصلها، ولكن من ينتظر أن تتبنى السلطة إستراتيجية متكاملة للمقاومة الشعبيه، عليه أن يحفظ كلمات أغنية ” جيب المجوز يا عبود ” ويرددها كثيرا، فلا تبيعوا شعبنا وهما متخيلا، ولا تزجوا به في معارك خاسرة!  


جيب المجوز يا عبود رقص ام عيون السود
خلي الشحرورة الصبوحة تغني وتهب البارود

جيب المجوز وخلي الحلوة ع الدبكة تلاقينا
وخلي غصون الزنبق تلوي ع صوت غنانينا  

وع الحب تحاكينا
واصوات ترندح وتجود ويحلا ع امه العنقود

دخلك خليني ع بالك نحنا وبالسهرية
واغمزني ولا تعمل حالك عم تطلع فيي
ضلك طل عليي
من شوية لشوية
ولما بوعد حالي وعود بتعرف مين هو المقصود

…………………

طيرني حدك طيرني وخذني لدنيا بعيدة
واشرح لي وقل لي وخبرني حكاية حب جديدة
بومي لك بايدي
وبقلبي تنهيدة
خلي الشوق الما له حدود يقطف ويهادينا ورود  

* المجوز : آلة موسيقية شرقية تقليدية، تعني المزدوج.