الزعيم القذافي … فما حذر منه بالأمس يحدث اليوم / د. خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) – الخميس 2/1/2020 م …
أبدأ مقالي في نقل تساؤل وهو: هل تنجح ليبيا في الخروج من أزمتها المستمرة منذ عدة سنوات؟، سؤال مهم… لكن الإجابة عليه يفتح إحتمالين أساسيين، أولهما، انتصار ليبيا وخروجها بنجاح كامل من الأزمة الراهنة، وثانيهما، تقسيم ليبيا الذي يوصل البلاد إلى الخراب والدمار.
في هذا السياق، إن الصراع الدولي المستجد في المنطقة، دفع تركيا نحو تبنّي سياسات توسعية، في خرق كامل للمبادئ الدولية، بما أن ليبيا بلد غني بالنفط وبمخزونات الغاز ويتاخم طرق تجارية هامة في البحر المتوسط، فإن تركيا تريد أخذ حصتها من هذه المكاسب، فأحد الأهداف الكبرى للاتفاقية مع حكومة الوفاق هو الحصول على حصة كبيرة من النفط والغاز في المتوسط، فتركيا، ولئن كانت نقطة عبور رئيسية للنفط والغاز إلى أوروبا، فهي تأمل أن توفّر لها هذه الاتفاقية الدخول إلى نادي منتجي الطاقة في المنطقة.
لم يعد خافياً على أحدٍ إن المناوشات التي تجرى على الحدود الليبية – التونسية لا تنذر بالخير، فوضعت تركيا وقادة استخباراتها الكثير من السيناريوهات التي تشير إلى اقتراب المواجهة المباشرة مع الجيش الليبي، فهي تريد احتلال أراض في ليبيا، تضاف إلى لواء اسكندرون المغتصب من سورية، وذلك بحجة الدفاع عن المصالح الأمنية التركية، لذلك تلعب تركيا على التناقضات العديدة في الساحة الليبية، ومنها حاجة حكومة الوفاق إلى دعم سياسي وعسكري، ومن ضمنه تأمين إمدادات السلاح، وهو ما يشكّل فرصة لتركيا والتي أصبحت في السنوات الأخيرة من أهم الدول الناشئة في سوق تصدير السلاح في العالم.
على خط مواز، وكأنه التاريخ يعيد نفسه، فما حذر منه بالأمس يحدث اليوم، فقد وجه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي رسائل واضحة للشعب الليبي قبل سنوات من الربيع العبري تحدث فيها عن الدور التركي في احتلال إيطاليا للأراضي الليبية، ومحذراً من عودة الاحتلال العثماني لليبيا مرة أخرى في المستقبل، مؤكداً ذلك في خطاب قديم له بقوله: “أن الدولة العثمانية باعت ليبيا للإيطاليين مقابل جزيرة في بحر إيجة، محذراً من تكرار المشهد في المستقبل أي بعودة الغزو العثماني لليبيا لذلك لا بد من وقفة حاسمة وشديدة في مواجهة الإرهاب ودحره وتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة بأكملها”.
هنا لا يمكن أن نفصل ما يجري في سورية عما يحدث في ليبيا من قتل وتدمير، كما لا يمكن أن نفصله عن مخططات إشاعة الفوضى والصراعات الداخلية في الدول العربية، وليس هناك من مستفيد منها إلا تركيا وحلفاؤها والقوى الطامعة في الهيمنة على مقدرات منطقتنا، ولهذا ليس من الغريب أن نلاحظ بأن تركيا والغرب كلهم يقفون اليوم بكل قوة بجانب داعش والمجموعات المسلحة في الحرب التي تشنها على سورية وليبيا، هم يفعلون هذا لأنهم يدركون أن هذه التنظيمات المتطرفة تقوم بأحد الأدوار المهمة في مخطط الإبادة الأكبر للمنطقة العربية كلها.
بناء عليه، جند اردوغان الآلاف من المرتزقة الذين يقاتلون في سورية وشحنهم إلى ليبيا بهدف القتال هناك في صفوف الميليشيات التي تقودها حكومة “الوفاق” لضرب ليبيا وتحويلها إلى خراب ودمار، ومن جهة يريد التخلص من هذه الميليشيات لأنها على حدوده وتهدد بلده لأن أوروبا ترفض استقبال مواطنيها الدواعش، ومن ناحية أخرى، فإن جماعات الإرهاب لم تتمكن من أن تفرض أي معادلات على الأرض السورية، ولم تثبت إلا أنها مصدر عنف، بل وتتكبد خسائر فادحة في صفوف الإرهابيين في مختلف المناطق السورية.
وبطبيعة الأمر، إن اللعبة انتهت بالنسبة لتركيا وأدواتها في ليبيا بعد أن قرر حفتر قلب الطاولة على الجميع ، ولم يعد باستطاعة أحد تحدي الجيش الليبي الذي تحرك بكل ثقله لضرب الإرهاب والدفاع عن ليبيا، وغيّر ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط برمتها، فليبيا عندما تتعافى… تتعافى معها الأمة بأكملها بفضل يقظة أبنائها المخلصين الذين يعرفون أن غرق ليبيا هو غرق البلاد بأكملها، فكثيرون راهنوا على أن يسير مستقبل البلاد في غير ما آلت إليه الأمور، ولكنهم فشلوا في النهاية.
وأختم مقالتي بالقول : إلى متى سيبقى العرب في حال المراهنة على القوى الخارجية لحل أزماتهم ومشاكلهم الداخلية؟ فإن لم يتحركوا سريعاً ويجعلوا مصلحة ليبيا ووحدتها واستقرارها هدفا لهم، فسوف ترتد الكرة عليهم جميعاً.
التعليقات مغلقة.