أمريكا ما بين الصراع القومي والوجودي / م. ميشال الحلبي
م. ميشال الحلبي ( سورية ) – الأحد 15/6/2025 م …
ليست المرة الأولى التي تترافق فيها الخلافات السياسية الداخلية أو القرارات والسلوكيات الحكومية الأمريكية , بأعمال شغبٍ وتمردٍ شعبي وإعتقالات واشتباكات وقطع الطرقات والهجوم على المحال التجارية وتحطيمها وسرقة كل ما يمكن سرقته , هل هو تكرار تلقائي ببغائي للمشاهد السابقة , أم هي موجات غضبٍ دفينة , أم سلوكيات منظمة , وتمرد مجنون ما بين مؤيدي الترحيل ومعارضيه ..؟
تكرار المشهد يدفعنا للسؤال , من هو المتسبب ومن المستفيد ؟ وهل ما نراه هو إثباتٍ جديد لمدى تفكك المجتمع الأمريكي الداخلي , وإظهار حقيقة أن الروابط التي تجمع الشعب الأمريكي هي أقل بكثير من تلك التي تفرقه ؟ وبالتالي يصح وَصفُ بعض المراقبين بأن ما يحصل هو نوعٌ من الحرب الأهلية !.
ماذا عن الدعوات الأمريكية – بين الحين والاّخر – التي تنذر أو تبشر بالحروب الأهلية تارةً في بريطانيا , وأخرى في معظم الدول الأوروبية , وحتى في إيران وغالبية دول الشرق الأوسط , على الرغم من أن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء محاصرة الدول والشعوب وحشرها في “عبوات” قابلة للإنفجار, على وقع التحذيرات الأمريكية لتلك الدول من تعريض استقرارها للخطر نتيجة سياساتها القمعية الخاطئة , وعدم حماية حدودها بالقدر الكافي – بحسب السرديات الأمريكية- .
إن سرعة اتساع رقعة الإحتجاجات والفوضى , أتت على خلفية قيام ترامب بنشر الحرس الوطني لقمع ما وصفه بـ “أعمال الشغب والتمرد” , وسط تجاهله التام لرأي ومواقف كل من حاكم كاليفورنيا وعمدة لوس أنجلوس وغالبية أفراد الشعب هناك , بما يثير القلق والجدل حول مدى فعالية وصمود النظام الفيدرالي للولايات المتحدة في عهد الإدارة الحالية , ويضاعف الإحتقان والإنقسام بين مؤيدي ومعارضي هذا النظام , وبمعنى أدق بين مؤيدي ورافضي برنامج الرئيس ترامب لترحيل المهاجرين غير الشرعيين , بما يشير مباشرةً إلى الصراع ونحو أهدافه من أجل حماية الهوية القومية , على أهمية ما يمثله المهاجرون من قيمة في مجال القوى العاملة والأيدي الماهرة .
وعليه , لا يمكن اختزال الإنقسام بأنه ما بين القوميين المتعصبين للعرق الأبيض , وما بين المهتمين بالمصالح الإقتصادية فقط وحاجتهم إلى توفر عمال موسميين بإجور منخفضة نسبياً , وهؤلاء بطبيعة الحال لا يضيرهم وجود الغرباء والمهاجرين وذوي الأصول المختلفة كالمكسيكية والكوبية وغيرها طالما هم بعيدون عن العصابات والتورط بجرائم الشوارع , ويبقى السؤال , هل نحن أمام مشهد من تجرفهم القومية نحو التعصب العرقي والتمييز العنصري , ومن بؤمنون بالتنوع والمواطنة والمدنية , والمهاجرين المدعومين من مؤيديهم وأقرانهم من وراء الحدود بدوافع غرائزية لأبناء الجلدة الواحدة , واللذين يعانون أصلاً من نتائج السياسات الظالمة التي تنتهجها الولايات المتحدة ضد دولهم وشعوبهم ؟.
في الوقت نفسه , لا يمكن تبرئة بعض المهاجرين ومثيري الفوضى والمتطرفين والإنتهازيين المعنيين بسرقة المحال التجارية , دون أن يكون لهم هدف سياسي داخلي , لكنهم معنيون بزوال الحدود ومن يمنعهم من الوصول إلى داخل الولايات المتحدة .
وبطبيعة الحال , تبدو “القومية” الأمريكية بحاجة إلى إعادة التعريف, كي تفسح المجال الصحيح لحمايتها فكرياً وجغرافياً وديموغرافياً , فالأصول التاريخية لغالبية الشعب الأمريكي – وحتى للرئيس ترامب نفسه – تعود بالأساس إلى كونهم مجموعات كبرى من المهاجرين الأوروبيين وغيرهم , وعليه ولن يتوقف صراع النظام الأمريكي بين القومية والفوضى , إلاّ بعد التركيز الحكومي على مضاعفة العوامل ودعم المواد اللاحمة التي تجمع الأمريكيين بعيداً عن التعصب العرقي والسلوكيات الفوقية , والإلتزام الحقيقي بمفهوم المواطنة , ومعالجة ذهنية الفوضى وتداعياتها , وتنظيم شؤون الهجرة الشرعية , وإغلاق الأبواب أمام المتطرفين سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين , فقراء أو أثرياء , يساريين أو ليبراليين , أو من المهاجرين اللذين يحملون مشاعر الكراهية للولايات المتحدة نتيجة محاربتها لدولهم وشعوبهم وتدمير حياتهم بما يجبرهم على الهجرة ومغادرة أوطانهم .
من حق الأمريكيين توجيه اللوم للرئيس ترامب وإدارته المنشغلين بدعم وإدارة الفوضى والحروب والتطرف حول العالم على حساب معالجة القضايا والسياسات الداخلية وشؤون مواطنيها بطريقة تختلف عن مواجهة الأعداء في الخارج , واعتبارهم متمردين ويجب قمعهم بالقوة والذراع العسكرية.
فالمواطنون الأمريكيون ليسوا مسؤولين عن فشل الوعود الانتخابية للرئيس ترامب وسياساته بـ “جعل أمريكا عظيمة مجدداً” , وبسياساته الخارجية التي تستجلب الكراهية لأمريكا والأمريكيين , وبالممارسات الحكومية الخاطئة , وبوعوده بضبط الحدود , وبتنظيم العلاقات والحوارات مع دول الهجرة والجوار تحديداً , وبإجراء حوارات شاملة لإعادة الثقة والإعتبار للنظام الفيدرالي , قبل أن يتحول الإنقسام والصراع القومي العنصري المتعصب إلى صراع وجودي.
م. ميشال الحلبي