مُتابعات – العدد 121 / الطاهر المعز

0 235

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 26/4/2025 م …   

يتضمن العدد الواحد والعشرون بعد المائة من نشرة “مُتابعات” الأسبوعية فقرة عن مُؤشّرات التطبيع العلني والمُسْتَتِر بين شُيُوخ الخليج والكيان الصّهيوني، وفقرة عن تأثير حرب أوكرانيا في تطور تجارة الأسلحة في أوروبا وفقرتان عن الحرب الإقتصادية وتفوق شركة ( BYD ) الصينية لصناعة السيارات الكهربائية على شركة تسلا الأمريكية سنة 2024 وما قد ينجَرّ عن الرسوم الجمركية الإضافية التي أعلنها دونالد ترامب يوم الثاني من نيسان/ابريل 2025، وفقرة عن تراجع اقتصاد أوروبا مُقارنة بالولايات المتحدة

 

في جبهة الأعداء – صهاينة العرب

أجْرت جُيُوش  ( البحرَيْن والإمارات ) مناورة عسكرية بحرية مُشتركة مع الجيش الصهيوني بإشراف قوات البحرية الأمريكية، لمدّة خمسة أيام، بداية من يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، من أجل “تأمين حركة الملاحة وتعزيز القُدْرة على العمل المُشترَك” مما أثار قلق السلطات الإيرانية، لأن هذه المناورات حصلت بعد سنة من توقيع “اتفاقيات أبراهام” ( أيلول/سبتمبر 2020 ) والتطبيع العلني لعلاقات الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والإستخباراتية، فيما تُعارض إيران وجود قوات بحرية أمريكية و”غربية” في منطقة الخليج.

قَطَعت  قَطَر أشواطًا في مسيرة التّطبيع، سواء من خلال العلاقات التجارية أو بواسطة قناة الجزيرة، حيث يبُثُّ الناطق باسم جيش الإحتلال ما شاء من السُّمُوم دون مُقاطعة أو مُعارَضة، أو من خلال إشارات أخرى، مثل مشاركة وزير الإعلام القَطَرِي في جنازة المُجرم إسحاق رابين سنة 1995، إلى جانب وزير خارجية عُمان، أو زيارة شمعون بيريز الدّوحة سنة 1996، كما وجب التّذكير “بالمصافحة التاريخية ” ( وفق الإعلام الصهيوني) بين رئيس الكيان الصهيوني وأمير  قَطر خلال قمة المناخ في دٌبَيْ بعد حوالي شهْرَيْن من العدوان الصهيوني المستمر حاليا – منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023 – على فلسطينيِّي غزة، والعديد من الخطوات التطبيعية الأخرى، وآخرها مقابلة رئيس وزراء مَشْيَخَة قَطَر مع قناة تلفزيونية صهيونية ( القناة 12 ) يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير 2025، ولم يتوقف أمر التطبيع على الإعلام والدّبلوماسية بل تجاوزه إلى التطبيع العسكري ( أي إن الكيان الصهيوني صديق وليس عدو) حيث تُشارك قَطر في مناورات “إينيواخوس 2025” الجوية التي تستضيفها اليونان في قاعدة أندرافيدا الجوّية، من الثالث إلى الحادي عشر من نيسان/ابريل 2025، وهي مناورات جوية سنوية متعدّدة الجنسيات، بمشاركة إحدى عشر دولة أخرى إضافة إلى اليونان ( الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وقبرص وسلوفاكيا والهند والإمارات وقَطر والبحرين ) بهدف “تعزيز الشراكات الإستراتيجية وتبادل الخبرات والمساهمة في تحسين الجاهزية القتالية من خلال تنفيذ عمليات جوّية متنوّعة في بيئة تدريبية واقعية”  

 

تجارة القَتْل

أوكرانيا تصبح أكبر مستورد للأسلحة في العالم

ارتفعت واردات أوكرانيا من الأسلحة من 0,1% من الواردات العالمية بين سنتَيْ 2015 و 2019 إلى  8,8% من واردات الأسلحة العالمية بين سنتَيْ 2020 و 2024 لتصبح – بفعل الحرب مع روسيا منذ شباط/فبراير 2022- أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وأصبحت قارة أوروبا خلال نفس الفترة ثاني أكبر منطقة مستوردة للأسلحة في العالم بنسبة 28% من إجمالي الواردات العالمية بين سَنَتَيْ 2020 و2024، مقارنة بـ33% لآسيا وأوقيانوسيا، و27% ل”الشرق الأوسط”، وتدعم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وبريطانيا ( حلف شمال الأطلسي) مشتريات الأسلحة وتَسْعِير الحرب، حيث أرسلت 35 دولة على الأقل أسلحة إلى أوكرانيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتتصدر الولايات المتحدة القائمة (42% من الأسلحة التي تستوردها أوكرانيا)، تليها ألمانيا (12%) وبولندا (11%)، وبذلك تصبح أوكرانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تظهر ضمن أكبر 10 مستوردين رئيسيين للأسلحة في العالم بين سَنَتَيْ 2020 و2024، ضمن عملية أشمَل – تتجاوز أوكرانيا وسابقة للحرب – حيث دعت الولايات المتحدة أوروبا، منذ فترة رئاسة باراك أوباما، إلى زيادة الإنفاق العسكري في إطار حلف شمال الأطلسي، مما أدّى إلى تنفيذ عملية إعادة التسلح وزيادة ميزانيات الحرب وارتفعت واردات الأسلحة للدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بنسبة 105% بين الفترتين 2015-2019 و2020-2024، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي أشار إن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي أول مُستفيد من إعادة تسليح أوروبا، ومثّلت الأسلحة الأمريكية 52% من واردات الأسلحة الأوروبية خلال الفترة 2015 – 2019 وارتفعت إلى 64% من المعدات العسكرية التي استوردتها الدول الأوروبية خلال السنوات الخمس الأخيرة 2020 – 2024، رغم القرارات التي أعلنتها الدّول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لتقليل اعتمادها على واردات الأسلحة الأميركية وتعزيز صناعة الأسلحة الأوروبية، وقدّمت المُفَوّضية الأوروبية خطّة بقيمة 800 مليار يورو لإعادة تسليح أوروبا ووضع الأساس للدفاع الأوروبي، بدعم من ألمانيا وفرنسا وبولندا ودول أخرى التي تقوم بمراجعة استراتيجياتها العسكرية وزيادة الإنفاق الحربي وتعزيز السلاح النّوَوِي، فيما تُعارض دول أخرى من الإتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا وإيطاليا، زيادة الإنفاق العسكري.

لا تزال الولايات المتحدة أكبر مُصدّر للأسلحة بنسبة 43% من إجمالي الصادرات العسكرية الدّولية خلال السنوات 2020 – 2024، واستفادت فرنسا من الحرب في أوكرانيا وتراجع الصادرات الروسية لتصبح ثاني أكبر مُصدّر عالمي للأسلحة بنسبة 9,6% من إجمالي الصادرات الحربية العالمية، وزادت صادراتها إلى الدول الأوروبية الأخرى بنسبة 187% مقارنة بالفترة السابقة، تليها روسيا بنسبة 7,8% خلال نفس الفترة، وأصبحت ألمانيا – التي كانت تحت الرقابة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية – تحتل المركز الخامس في هذا الترتيب بنسبة 5,6% من الأسلحة المصدرة في جميع أنحاء العالم بين سَنَتَيْ 2020 و2024، وتعد دول أوروبية أخرى، مثل إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا وبولندا والسويد والنرويج وسويسرا وأوكرانيا وجمهورية التشيك من أهم الدول العشرين المُصدّرة للأسلحة في العالم، بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.

 

الحرب الإقتصادية الأمريكية 1

الرسوم أو التّعْريفات الجمركية هي ضرائب إضافية تُفرض على السلع المستوردة من دول أخرى، وتُمثل نسبة مائوية من قيمة المُنتَج تُسدّدها الشركات التي تستورد السلع الأجنبية للحكومة، ثم تُضيف تلك النسبة إلى سعر بيع المنتجات للمستهلكين، ويعتبر دونالد ترامب وفريقُهُ إن زيادة أسعار السلع المُستورَدَة بفعل زيادة التعريفات الرُّسُوم “سوف تشجع المستهلكين الأمريكيين على شراء المزيد من السلع المصنعة في الولايات المتحدة، ما يعزز اقتصاد البلاد وإيرادات الحكومة من الضرائب”.

أدان الإتحاد الأوروبي والحُلفاء الآخرون الرُّسُوم الجمركية الجديدة، التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 02 نيسان/ابريل 2025 كشكل من أشكال الحرب الإقتصادية العُدْوانية التي يتمثل ظاهرها في حِماية الإنتاج الامريكي من المنافسة الأجنبية، وتُشكّل هذه الإجراءات جُزْءًا من السياسة الخارجية العدوانية للولايات المتحدة التي تستهدف الحُلفاء، مثل الإتحاد الأوروبي وبريطانيا والدّنمارك، واليابان وتايلاند وأعضاء حلف شمال الأطلسي والجيران مثل كندا والمكسيك، والمنافسين مثل الصين، ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وبلدان أخرى مثل البرازيل وكولومبيا، واعتبر دونالد ترامب هذه الإجراءات الحمائية “الطريقة الوحيدة لإنعاش الصناعات المحلية وإنهاء العجز التجاري ” لِيُبَرِّرَ فَرْضَ رُسُوم بنسبة 25% على السيارات المستوردة و20% على جميع الواردات الأخرى، لِجَمْعِ حوالي سبعمائة مليار دولار سنوياً من الرسوم الجمركية، وحاولت حكومات بعض الدّول الحليفة، مثل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا وإيرلندا واليابان وكوريا الجنوبية التّفاوض للتوصل إلى مُفاهمات مع الولايات المتحدة التي لم تُعبّر حكومتها الإتحادية عن مرونة أو تراجع عن قراراتها، مما تسبّب في احتداد مواقف بعض الحلفاء، كأستراليا وكندا، وكذلك حكومات البرازيل والصّين، مع التّهديد باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، لأن الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة «مُخالِفَة لقواعد التجارة الدولية…”، فيما حَذَر بعض خبراء الإقتصاد من احتمال إلحاق الضّرَر بالإقتصاد الدّولي ودخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، وأَنْكَرَ ترامب إمكانية حدوث ركود نتيجة سياساته التجارية، فيما اعتبرت «غرفة التجارة الأميركية» والمجموعة المالية “غولدمان ساكس” أن هذه التدابير تُؤَدِّي إلى ارتفاع الأسعار والتّضخّم وركود مستوى الدّخل الحقيقي للمُستهلكين، بفعل ارتفاع أسعار الواردات الأمريكية ( المُقدّرة سنة 2024، بنحو 3,3 تريليونات دولارا )، وقد تُؤَدِّي هذه التدابير كذلك إلى تباطؤ الإقتصاد داخل الولايات المتحدة، وتوعّدت الدول المتضرّرة من الرُّسُوم الأمريكية الإضافية بفرض تعريفات مضادّة على الصادرات الأميركية، وأعلنت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية إن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، قد تُقَلِّصُ تجارة البضائع حول العالم بنسبة 1% سنة 2025، وقد تُؤَدِّي إلى تصاعد التوترات التجارية، وإلى خَفْض النُّمُوّ الاقتصادي في كل مناطق العالم، واعتبَرَ الرئيس الصّيني إن الرئيس الأمريكي يتعمّد ” تسييس قضايا التجارة وتسليحها ” لأن الرسوم وصلت إلى 54% على الواردات الصينية، و34% على المنتجات الأوروبية، ونِسَب تتراوح بين 22% و10% على واردات الدّول الأخرى… 

عندما اتخذ دونالد ترامب إجراءات مماثلة خلال ولايته الأولى سنة 2018،  ارتفع العجز التجاري الأمريكي من 870 مليار دولار سنة 2018 إلى 1173 مليار دولار سنة 2022، وإلى 1203 مليارات دولار سنة 2024، وانخفضت  القواردات قليلا سنة 2018، وخاصة سنة 2020 بسبب كوفيد، ثم ارتفعت لاحقًا، وارتفع التضخم، وضَعُفَ نمو الإيرادات الفيدرالية، وكانت التأثيرات ضارة بالإقتصاد الأمريكي، فيما استفادت منها الصّين التي ارتفعت مبيعاتها من الألواح الشمسية والطّائرات والأجهزة الطبية والهواتف والمواد الكيميائية والمنسوجات، بين سنتَيْ 2028 و 2019، حيث أثَّرت الرسوم خلال فترة إدارة ترامب الأولى على الواردات بقيمة ثلاثمائة مليار دولار، وتحايلت الشّركات على الحواجز الجمركية المفروضة، بإنشاء فروع لها في الولايات المتحدة لتجنب التعريفات الجمركية المرتفعة.

يُعتَبَرُ الإتّحاد الأوروبي أكبر سوق موحدة في العالم، مما يجعله قادرًا على إلحاق الضّرر بالولايات المتحدة، باستهداف السلع والخدمات، بما في ذلك “شركات التكنولوجيا الكبرى” مثل آبل وميتا، بإجراءات مضادة، وأعلنت مديرة صندوق النقد الدولي ( الخميس 03 نيسان/ابريل 2025) إن الرسوم الجمركية الشاملة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد العالمي في وقت يتباطأ فيه النمو ( …) من المهم تجنب الخطوات التي يمكن أن تلحق المزيد من الضرر بالإقتصاد العالمي…”

بعد إعلان دونالد ترامب، خسرت الأسواق 3 تريليونات دولار، خلال يوم واحد ( الثالث من نيسان/ابريل 2025)، وانخفض الدولار بنسبة 2,1% وأسعارالنفط الأمريكية بنسبة 6,6%، ويستخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرُّسُوم الجمركية كأداة تفاوضية وكجزء من إستراتيجية تهدف إلى حماية الاقتصاد الأميركي وإعادة ترتيب قواعد التجارة العالمية بشروط جديدة تخدم الإقتصاد الأمريكي على مدى متوسّط وبعيد، في مواجهة الصين والاتحاد الأوروبي.

استوردت الولايات المتحدة سنة 2023 سلعاً بقيمة 3,1 تريليون دولار، وهو ما يعادل حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وتُشير الدّراسات الاقتصادية حول تأثير الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها دونالد ترامب في ولايته الأولى بين سنتَيْ 2017 و2020 إلى أن المستهلكين الأمريكيين تحملوا معظم العبء الاقتصادي، وأجْرت جاماعة شيكاغو، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2024، استطلاعاً سأل فيه مجموعة من خبراء الاقتصاد عما إذا كانوا يتفقون مع العبارة القائلة بأن “فرض الرسوم الجمركية يؤدي إلى تحمل المستهلكين في البلد الذي يفرض الرسوم الجمركية جزءاً كبيراً من الرسوم الجمركية، من خلال زيادات الأسعار”، ولم يعارض هذا الرأي سوى 2%، وقد تؤدّي الرسوم الجمركية الجديدة إلى انخفاض إجمالي دخل الأمريكيين الأثر فَقْرًا بنسبة 4% وخسارة كل أسرة مبلغًا يُعادل حوالي 1700 دولار سنوياً، وتقدّر المُؤسّسة البحْثِيّة “مركز التقدم الأمريكي الخسارة التي قد تتكبدها الأسرة ذات الدخل المتوسط بما يتراوح بين 2500 و3900 دولار، وأن هذه الرسوم لا تحمي أو تخلق فرص العمل المحلية في الولايات المتحدة، بل تؤدّي إلى فقدان الوظائف الصناعية في الولايات المتحدة لصالح بلدان ذات تكاليف عمالة أقل، فقد كان عُمّال الصّلب 84 ألف سنة 2018، وبعد فَرْض دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب سنة 2018 لحماية المنتجين الأمريكيين، انخفض حجم إجمالي العمالة في هذا القطاع بأربعة آلاف عامل، إلى 80 ألف وظيفة سنة 2020…

 

الحرب الإقتصادية 2

تأسست شركة صناعة السيارات الصينية BYD   سنة 1995 تحت إسم Yadi Electronics  في “شنتشن” وكان مؤسها يرغب في صناعة بطاريات الهواتف، وبقيت الشركة تُوَرِّدُ العلامات التجارية العالمية مثل نوكيا وموتورولا، ثم اشترت شركة  Xian Qinchuan Automobile، سنة 2003، وهي شركة صينية صغيرة لتصنيع المركبات الكهربائية، لتتمكّن من تركيب بطارياتها على سيارات ( XQA ) وفق شبكة ABC News التلفزيونية الأسترالية العامة.

في عام 2009، استثمر وارن بافيت 250 مليون دولار في شركة  BYD سنة 2009، وكانت آنذاك تصنع وتبيع الحافلات الهَجينة للمجالس المَحَلِّيّة في الصين، وراهن مؤسس الشركة وانج تشوانفو على مستقبل السيارات الكهربائية وأكّدَ لصحيفة فاينانشيال تايمز أنها ستكون الشركة الأولى في صناعة السيارات بحلول سنة 2025، وهي السنة التي جعلتها الصين هدفًا لإنجاز خطّة “صنع في الصين 2025” التي أقرّتها قبل عشر سنوات، وقررت حكومة الصين جعل السيارات الكهربائية أولوية استراتيجية، وخاصة في خطة “صنع في الصين 2025”.

أصدرت شركة ( BYD ) خلال شهر شباط/فبراير 2025 بيانًا عن تطور جديد يمكن أن يعزز تفوقها التكنولوجي على Tesla  وستتمكن نماذج سياراتها الكهربائية الجديدة من إعادة الشحن خلال خمس دقائق لمسافة تزيد عن 450 كيلومترًا، وهي أسرع بكثير من أفضل النماذج من مرسيدس أو تسلا، وتم التّأكد، يوم 30 آذار/مارس 2025 من تَفَوُّق شركة صناعة السيارات الصينية BYD  على شركة تسلا لأول مرة لتصبح الشركة الرائدة في تصنيع السيارات الكهربائية في العالم، بنهاية سنة 2024، وتجاوزت قيمة شركة BYDحاجز المائة مليار دولار، فيما بلغت قيمة شركة Tesla  97,7 مليار دولار، ويُمثل السّوق المَحلِّي الصّيني نحو 87% من حجم مبيعات شركة ( BYD ) وتُعد تكلفة السيارة التي تصنعها شركة BYD  أقل بنسبة 15% من تلك التي تصنعها شركة Tesla في الولايات المتحدة أو أوروبا، وفقًا لدراسة أجراها مصرف UBS ونشرت سنة 2023، وتعتمد الشركة على “البناء العامودي” أو “الرّأسي”، فتقوم ببناء السيارات والبطاريات ولديها إمكانية الوصول المباشر إلى المواد الخام، واستحوذت لهذا الغرض على حصص في مناجم الليثيوم الاستراتيجية في أمريكا الجنوبية…

لشركة ( BYD )  منافسين في السوق الصينية حيث وصلت المنافسة إلى حد بيع النماذج بسعر خمسة آلاف يورو، ومع ذلك فإن المبيعات لا تنمو بنفس السرعة كما في السابق، فيما عرقلت قرارات زيادة الرسوم الجمركية – في إطار الحرب التجارية الأمريكية – تطور المبيعات في الأسواق الدّولية، وسيتم حَظْر بيع السيارات المصنعة بمكونات صينية في الولايات المتحدة، ابتداءً من سنة 2027 ولذلك تُعوّل الشركات الصينية، مثل  BYD  على أسواق آسيا وأمريكا الجنوبية، غير إن السيارات الكهربائية في هذا النوع من البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل إندونيسيا أو البرازيل ليست شائعة كما هي الحال في أمريكا الشمالية أو أوروبا.

 

نمو اقتصاد الولايات المتحدة وتراجع اقتصاد أوروبا

استفادت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية لتتولى زمام المبادرة في مجال النمو والابتكار، بينما تقهقر دور الدول الأوروبية، وهناك مؤشرات مختلفة تشير إلى اتّساع فجوة النمو لصالح الولايات المتحدة، حتى سنة 2024، وفي مذكرة صدرت خلال شهر تموز/يوليو 2022،  أشارت شركة الإستشارات “ماكينزي” إلى تسجيل الاتحاد الأوروبي على مدى عشر سنوات، بين 2010 و 2020، نمواً سنوياً متوسطاً في الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 0,8%، أي نصف نمو الولايات المتحدة المُقدّر بنسبة 1,7% سنويًّا، وأكّدت بيانات البنك العالمي هذا التراجع الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو، ففي سنة 2010، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مقاساً بالدولار الحالي أعلى بنسبة 30% في الولايات المتحدة مقارنة بمنطقة اليورو، وبعد مرور اثنتَيْ عشر سنة ( سنة 2022 ) تضاعفت الفجوة إلى أكثر من الضعف، إذ ارتفع الفارق إلى نسبة 87% في الولايات المتحدة مقارنة بمنطقة اليورو، وقدّرت صحيفة “وول ستريت جورنال” ( 17 تموز/يوليو 2023 ) إن أوروبا تتميز بشيخوخة السّكّان وبانخفاض إنتاجية العمل، وأصبحت أوروبا تواجه مشكلة الفقر السكاني المُطلق، حيث أصبح السكان الأوروبيون أفقر من الأميركيين بنسبة 80% من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.، بنهاية سنة 2024، وكان الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو يُعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، خلال سنة 2002، لكن تعمقت فجوة نصيب الفرد من الدّخل بنسبة 80% تقريبًا حيث يُقدّر الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو ب15 تريليون دولارا ويبلغ عدد سكان المنطقة 450 مليون نسمة، فيما يُقدّر الناتج المحلي للولايات المتحدة بحوالي 27 تريليون دولارا، ويقدر عدد سكانها بـ 340 مليون نسمة.

استمرّ النمو الإقتصادي للولايات المتحدة بعد أزمة 2008 – 2009، بما في ذلك خلال جائحة كوفيد، فقد تم تعويض 50% من عجز الميزانية الفيدرالية من خلال إصدار ما بين 3 و 3,5 تريليونات دولارا، مع تعويضات سخية للشركات الأمريكية، وتمكّنت الولايات المتحدة من إقصاء أوروبي – أو إضعافها – من الأسواق، مثلما أقصت اليابان خلال العقد الأخير من القرن العشرين، فقد كان اليابانيون – سنة 1995 – أغنى من الأمريكيين بنسبة 50% في المتوسط، وأصبح الأمريكيون أغنى منهم بنسبة 140% سنة 2024. أما بخصوص أوروبا فقد تضرّر اقتصادها بسبب الأزمة المالية  وبجائحة كوفيد، ثم بالحرب في أوكرانيا، واستفادت الصناديق الاستثمارية الأمريكية الضخمة – وهي أداة تستخدمها الحكومة الأمريكية بشكل مباشر- من هذه الأزمات، مما تسبب في ضُعْف الإتحاد الأوروبي وتراجع سيادته الإقتصادية، مع انخفاض نصيب الفرد الأوروبي من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع نسبة الفقر – او الأشخاص المُعَرّضين لخطر الفقر والإقصاء – إلى أكثر من 21% ( أو حوالي 94,6 مليون شخص) من سكان الإتحاد الأوروبي بنهاية سنة 2023، ويستمر تدهور أوروبا بسبب الرّكود، فقد سجل اقتصاد منطقة اليورو نموا بنسبة 0,8% سنة 2024، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي الصادرة في كانون الثاني/ يناير 2025، وخفض الصندوق توقعاته لهذا العام ( 2025) إلى 1%، أي بانخفاض 0,2 نقطة مائوية مقارنة بحسابات تشرين الأول/اكتوبر 2024، فضلا عن انخفاض الإنتاجية في أوروبا الذي أثّر على جميع قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك التكنولوجيا، وورد في تقرير صندوق النقد الدّولي: “إن انخفاض الإنتاجية في أوروبا يؤثر على جميع القطاعات – التكنولوجية وغير التكنولوجية – بسبب انخفاض معدلات بدء الأعمال الجديدة وبطء نمو الشركات (…) وتمتد هذه المشاكل عبر المنطقة الأوروبية وتتفاقم بسبب قضايا أمن الطاقة والتفتت الاقتصادي، علاوة على ضُعف الإستثمار الخاص (… ) وأدّى ارتفاع أسعارالطاقة والضُّعف المستمر في قطاع الصناعة إلى إِضْعاف اقتصاد ألمانيا وإيطاليا وفرنسا…” 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 × واحد =