عدالة قضية وصمود شعب وبؤس النخب السياسية / د. ابراهيم ابراش
د. ابراهيم ابراش ( فلسطين ) – الأحد 2/3/2025 م ..
منذ سنوات والطبقة السياسية الفلسطينية تحاول الهروب من الواقع والحقيقة الى الماضي والتاريخ البطولي وحديث ممجوج ومكرر عن التمسك بالثوابت أو إلى الدين والشعارات وتخدير عقول الشعب، مع أن رب العالمين والتاريخ لا يمنحان شرعية سياسية لأحد ومحايدان في الأمور السياسية وتدبير أمور الدنيا بشكل عام وقد كتبنا عن ذلك مطولاً.
مع حرب الابادة والتطهير العرقي على الشعب والقضية انكشف الجميع ولم تعد الشعارات والأيديولوجيات والتمسك بالشرعية الدولية والمراهنة عليها، ولا مغامرات زج الشعب في مواجهات عسكرية مع العدو في مراهنة على حلفاء ومدد مليوني من المسلمين وجيوشهم ومحور المقاومة، لم يعد كل ذلك مجدياً وانكشفت الحقيقة، بأن الشعب كان محكوماً بطبقة سياسية وأحزاب لم يكونوا في مستوى عظمة الشعب والقضية ، والأمر لا يقتصر على الجماعات التي تنطعت لمنافسة منظمة التحرير بل كان الخلل أيضاً في المنظمة نفسها وما هو مرتبط بها من سلطة وأحزاب وقيادات.
منذ سنوات وغالبية الشعب، حتى أبناء المنظمة وحركة فتح، يطالبون بضرورة إعادة بناء واستنهاض منظمة التحرير، وكتبنا عشرات المقالات والدراسات كما شاركنا في عديد المؤتمرات حول الموضوع وكنا دائما نؤكد على أن منظمة التحرير ليست ملكاً لأحد أو حكراً على أحد من الأحزاب والفصائل ،كما أن الوطنية الفلسطينية ملك للجميع وتتسع للجميع، وأن المشروع الوطني عملية نضالية وليس مجرد مناصب والقاب ومؤسسات ،ولذلك كنت وما زلت ضد تخوين من يطالب بإصلاح منظمة التحرير وعمودها الفقري حركة فتح، وبدون إصلاح فتح لا يمكن إصلاح المنظمة.
اتهمت قيادة المنظمة وحركة فتح من هم خارجهم والمنشقين عنهم بكل التُهم كارتباطهم بجهات خارجية والفساد كما تم تحميلهم المسؤولية عن الانقسام وإضعاف النظام السياسي الخ. لا شك أن كل هؤلاء المنقلبين على المنظمة والمنشقين أو المتمردين على قيادة حركة فتح أساءوا وأضعفوا النظام السياسي الرسمي، ولكن إن كانوا بهذا السوء، فلماذا يتم رهن إصلاح المنظمة وإعادة بنائها واستنهاضها بدخول حركتي حماس والجهاد فيها؟ ولماذا يتم رهن تصويب وضع حركة فتح بعودة المفصولين والمُبعدين لها؟.
كان من المفترض على القيادة في مواجهة العدو الصهيوني والخصوم السياسيين الداخليين أن تُعيد تصويب وترتيب الوضع الداخلي للمنظمة والحركة وللسلطة وتعزز علاقتها بالشعب وتثبت للعالم أنها وحدها من يمثله وليس غيرها، ولكن لم نسمع عن مراجعة ونقد ذاتي داخلي حقيقي وجاد في المنظمة والحركة بل على العكس كان الطرد أو الإحالة الى التقاعد مصير من ينتقد.
الآن ،تلوح مؤشرات على توافق بين أطراف عربية ،ليست قطر وحدها، ودولية ،ليست أمريكا وحدها ،وفلسطينية من خارج منظمة التحرير ،على تجاوز منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد ،وتجاوز و التحايل على فكرة مشروع الدولة الفلسطينية في حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية ،أيضاً تجاوز السلطة الفلسطينية كصاحبة ولاية في الضفة وغزة، ،كما سبق وأن تم تجاوز وتجاهل عودة اللاجئين الى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها في حرب ١٩٤٨،وتجاوز المبادرة العربية للسلام وقرارات الشرعية الدولية حول فلسطين حتى مسالة المصالحة والوحدة الوطنية لم تعد محل بحث ونقاش لا فلسطينيا ولا محل اهتمام العرب والعالم.
بعد كل ذلك ما هي الخطوة القادمة من القيادة الرسمية والشرعية لمواجهة هذه التحديات والمتغيرات المتسارعة؟ إن لم تبادر القيادة الفلسطينية بأخذ زمام المبادرة وإنقاذ المشروع الوطني الذي ما زال صامدا فهناك من سيأخذ المبادرة ولكن لغير صالح شعب فلسطين.
حديث القيادة عن استعدادها للعودة لحكم قطاع غزة أو طرحها مبادرة لإعماره أو مواصلة الجهود دوليا لتعزيز الحضور الفلسطيني والرد على الأكاذيب الصهيونية أو التحرك لتأمين الأموال للسلطة لتستمر بالقيام بواجباتها تجاه المواطنين، أو بعض قرارات الإحالة إلى التقاعد وتدوير المناصب … كل ذلك وبالرغم من أهميته إلا أنه أقرب لتحركات لإثبات الوجود والحضور وليس في مستوى مواجهة الخطر الداهم الذي يواجه القضية سواء من الاحتلال ومخططاته أو من الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية المتساوقة معها، والأمر يحتاج لخطوات شجاعة من القيادة الفلسطينية لإعادة ترميم وضبط الحالة الوطنية المتسيبة في كل المجالات: سياسيا في مؤسسات المنظمة والسلطة وحركة فتح، على مستوى مؤسسات المجتمع المدني والنقابات حيث ما فيها من فساد وتسيب لا يقل خطورة عن الفساد المنسوب مسؤولي السلطة كما أن ارتباطات بعضها مع جهات خارجية يثير كثيرا من الشبهات، تفعيل كل المنظومة الإعلامية والسلك الدبلوماسي ، بالإضافة الى فتح حوار شامل وصريح مع كل الأحزاب ،ولكن ليس تكرارا لحوارات المصالحة العبثية أو سعيا لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية الشاملة بمفاهيمها القديمة والعقيمة بل لتحديد المسؤوليات والبحث عن صيغ جديدة للتعاون بين الجميع وفضح كل من يشتغل خارج الإطار الوطني ويخدم أجندة خارجية، حتى وإن كانت بعض هذه الخطوات ستؤدي لإدانة بعض الفصائل والقيادات وحتى التصادم مع بعض الأنظمة العربية والإقليمية، وصراع الشعب الفلسطيني مع العدو ما زال مستمرا رغم من كل المخططات الإسرائيلية والأمريكية لتصفية القضية وهي محاولات متواصلة منذ أكثر من مائة عام.
الخلل ليس في المشروع الوطني التحرري بل في أدواته التنفيذية والمطلوب تعيير هذه الأدوات، وما يجري مجرد جولة من حرب طويلة الأجل ولنستحضر أمامنا كل المشهد وتاريخ نضالنا الوطني ونتعالى على الجراح ونتحرر من صدمة اللحظة.