الأردن … الذكرى 69 لتعريب قيادة الجيش تصادف السبت
يعتبر تعريب قيادة الجيش العربي أحد القرارات التاريخية التي رسَّخت بُنيان المملكة الأردنية الهاشمية وأكدت سيادتها الكاملة، إذ جاء القرار الجريء في وقت مليء بالتحديات والمصاعب، فكان نقطة فاصلة في تاريخ الأردن الحديث، وكانت تلك الخطوة الشجاعة من ملك شاب، هو الحسين بن طلال – رحمه الله – حمل على عاتقه المسؤولية الكاملة في وقت تلاقت فيه مخاطر الاضطرابات والحروب، وكانت رياح تعصف بالوطن من كل حدب وصوب، وكان الأعداء يتربصون بالأردن من كل جانب، في تلك الفترة، كانت القيادة العسكرية الأردنية تقتصر على الضباط البريطانيين، وكان الجيش العربي يتألف من أفضل العناصر الذين نشأوا في ظل الثقافة العسكرية العربية الأردنية.
ويصادف يوم غدٍ السبت الذكرى التاسعة والستون لذكرى تعريب الجيش، ففي الأول من آذار عام 1956، اتخذ جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، قراراً حاسماً، وهو تعريب قيادة الجيش العربي، وإعفاء الجنرال كلوب من منصبه، إلى جانب عدد من القيادات البريطانية التي كانت تتولى قيادة عدد من وحدات الجيش الأردني.
وأشار المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال في كتاب “مهنتي كملك”، إلى أن عزل الجنرال كلوب كان “قضية أردنية تامة، وأن منصب قائد الجيش العربي كان يعمل في إطار مصالح حكومات أجنبية، مما يحد من استقلالية القرار العسكري الأردني.
فجاء القرار بمثابة نقطة تحول في تاريخ المملكة الأردنية، وقد عرف جلالة الملك الحسين تماماً ما يحمله هذا القرار من تبعات، ولكنه كان واثقاً من شجاعة وولاء ضباط الجيش العربي الذين طالما حلموا بقيادة مستقلة لجيشهم، بعيداً عن التأثيرات الخارجية، هذه الخطوة شكَّلت إعلاءً للكرامة الأردنية، وأعادت الفخر للجيش العربي، فبموجب هذا القرار تم ترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة أمير لواء، وتعيينه رئيس أركان الجيش العربي بعد إقالة الجنرال البريطاني كلوب ليُصبح أول ضابط أردني يتولى هذا المنصب.
وألقى جلالة الملك الحسين – رحمه الله – خطاباً تاريخياً عبر أثير الإذاعة الأردنية لينقل للأردنيين هذا القرار ويشرح دوافعه، مؤكداً أنه خطوة نحو تعزيز أمن الأردن وسيادته، وليمثل انطلاق مسيرة جديدة من الاستقلال الحقيقي في تاريخ الجيش الأردني.
الأحداث التي سبقت القرار
تولى جلالة الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في الثاني من أيار عام 1953، بعد أن نودي به ملكاً في 11 آب 1952، وكان في ذلك الحين لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وكانت المملكة قد حصلت على استقلالها منذ عام 1946، وكانت في مرحلة تفعيل الهياكل الدستورية الجديدة، ومع ذلك، كان الأردن يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين العسكري والسياسي، خاصة بعد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
الظروف العسكرية في الفترة السابقة
منذ الاستقلال، مر الجيش العربي بمرحلة صعبة، حيث شارك في معركة القدس خلال حرب 1948 ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقدّم رجال الجيش أرواحهم دفاعاً عن القدس والمقدسات الإسلامية، وكان الجيش الأردني يعاني من بعض التحديات في بنيته العسكرية، حيث كانت القيادة العليا تتضمن عدداً من الضباط البريطانيين، وفي هذا الإطار، كان جلالة الملك الحسين قد التقى بعدد من الضباط الأردنيين في لندن، وأعرب عن رغبته في أن يتولى أبناء الوطن قيادة الجيش العربي في المستقبل.
الدوافع وراء اتخاذ القرار
يمكن تلخيص دوافع قرار تعريب قيادة الجيش العربي في عدة نقاط جوهرية:
دور الضباط الأردنيين في الجيش: كان جلالة الملك الحسين يسعى إلى تمكين الضباط الأردنيين من تولي القيادة العليا للجيش العربي، وكان يرى ضرورة تعزيز ثقة هؤلاء الضباط بأنفسهم، كي يحقق الجيش العربي استقلاله في القيادة، بعيداً عن التأثيرات الخارجية.
الإستراتيجية الدفاعية: كان هناك خلاف أساسي بين جلالة الملك الحسين، الذي كان يرى ضرورة اتخاذ خطوات سريعة وفعالة لمواجهة التهديدات العسكرية، وبين الجنرال كلوب، الذي كان يتبنى سياسة حذرة في التعامل مع التهديدات العسكرية، خاصة في ما يتعلق بإسرائيل.
خطوات جلالة الملك الحسين
في يوم الخميس 1 آذار 1956، اتخذ جلالة الملك الحسين قراراً سريعاً بتنفيذ خطته لتغيير قيادة الجيش العربي، وفي غضون ساعات قليلة تم إنهاء خدمة الجنرال كلوب، وتعيين الزعيم راضي عناب رئيساً لأركان الجيش، هذه الخطوة لم تكن متوقعة من قبل كثيرين، لكنها كانت متسقة مع رؤيته الوطنية الكبرى التي كانت تهدف إلى ضمان استقلال الجيش الأردني وتخليصه من أي نفوذ غير وطني.
التأثيرات العسكرية للقرار
كان للقرار أبعاد سياسية وعسكرية مهمة، تمثلت في عدة نقاط:
إتمام الاستقلال العسكري والسيادي: قرار تعريب قيادة الجيش كان خطوة هامة نحو استكمال الاستقلال الكامل للأردن، بعد إعلان استقلاله في عام 1946، وقد أطلق هذا القرار مرحلة جديدة من التحولات العسكرية في الأردن، شملت تدريبات للجيش أكثر استقلالية وتنظيماً.
إلغاء المعاهدة البريطانية: بعد فترة وجيزة من قرار تعريب الجيش، تم إلغاء المعاهدة البريطانية التي كانت تقيّد الأردن عسكرياً وسياسياً، وهو ما شكل خطوة هامة نحو ترسيخ السيادة الأردنية.
التعاون العسكري مع الدول العربية: بعد هذا القرار، أبرم الأردن اتفاقيات عسكرية مع دول عربية، مثل مصر وسوريا والعراق، مما عزز قدرة الجيش العربي على التعاون مع الجيوش العربية في مواجهة التحديات المشتركة.
تأثير القرار على المستقبل
تُعتبر الخطوة التي أقدم عليها جلالة الملك الحسين في تعريب قيادة الجيش خطوة استراتيجية هامة، حيث مهدت الطريق أمام تعزيز التعاون العسكري بين الدول العربية وعززت من صورة الجيش العربي في المنطقة، وقد أدت هذه الخطوة إلى تحولات جذرية في شكل ومستوى التعاون العربي، حيث أصبح الجيش العربي قوياً ومؤثراً في الشؤون العسكرية العربية ومساهماً رئيسياً معها.
اليوم وبعد مرور تسعة وستين عامًا على القرار
لقد سار جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على خطى والده الملك الراحل، فاستمر في تحديث وتطوير الجيش العربي ليصبح واحداً من أقوى الجيوش في المنطقة، تحت قيادته، وأصبحت القوات المسلحة الأردنية نموذجاً يحتذى به في العالم بأسره بفضل احترافيتها وانضباطها وقدرتها على مواجهة التحديات العسكرية.
وبمواصلة الملك عبدالله الثاني تعزيز قواته المسلحة، يسعى الأردن لتحقيق الأهداف السامية التي وضعتها الثورة العربية الكبرى، والعمل على الدفاع عن المقدسات والحقوق العربية في فلسطين، فكانت القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من السياسات الأردنية الداخلية والخارجية، ويمثل الدفاع عنها جزءاً من هوية الأردن الوطنية، إذ أن جلالة الملك عبدالله الثاني واصل العمل من أجل تعزيز حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض أية محاولات لتصفية القضية أو التفريط في الحقوق الفلسطينية، وكان له دوراً بارزاً في تقديم الدعم المستمر والوقوف إلى جانب الأشقاء العرب، فكانت وقفة الجار مع الجار واستقبلت قوات حرس الحدود في السنوات الماضية وعبر حدود المملكة اللاجئين الذين عبروا حدودها من الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، ولم يتوان الجندي الأردني بأخلاقه النبيلة وصفاته الجليلة عن أن يمسح بيديه دموع طفل، وإنقاذ عاجز، كما سجل التاريخ لنشامى الجيش العربي موقفاً إنسانياً يضاف إلى رصيد سمعتهم وطيب منبتهم ورجولتهم بوقوفهم مع الأشقاء الفلسطينيين فأرسل الجيش الأردني مستشفياته لعلاج المرضى و طائراته و قوافله محملة بالمساعدات الانسانية لتخفيف آثار الحرب على الاشقاء الفلسطينيين.
اما على الصعيد السياسي فكان للمملكة مواقف سياسية حازمة لم تتغير ولم تتبدل، والتي أكدت التزام المملكة الأردنية الهاشمية الثابت والمستمر بالقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، ولا يزال الأردنيون يفخرون بمواقف جلالة قائدنا الأعلى المتقدمة في الوقوف مع الأشقاء والأصدقاء، ولا تزال المواقف البطولية للدولة الأردنية عنواناً للمرحلة في الإيثار وإنكار الذات ومد يد العون لكل محتاج، حمى الله الوطن وقائد الوطن وأبقاه سنداً وذخراً للأمتين العربية والإسلامية.
بترا