الإستعمار الإستيطاني، من الجزائر إلى فلسطين / الطاهر المعز

0 269

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 18/2/2025 م …

من تقارير ألكْسِيس دو توكفيل ( فرنسا 1805 – 1859) إلى تهديدات دونالد ترامب

تضمّنت كتابات ألِكْسيس دو توكفيل (Alexis de Tocqueville ) أعجابًا كبيرًا بالدّيمقراطية الأمريكية ( كتاب من جُزْأيْن: “الديمقراطية في أميركا” )، و “حُكْم الأغلبية”، رغم تناقُضها مع دعواته للحُرّيّة والمُساواة، لكن هذا التّناقض ظاهري، حيث لا يمكن تطبيق هذه المبادئ على جميع البشر، فالمُساواة والحُرّيّة لا يُمكن تطبيقها على الشعوب الأصلية في القارة الأمريكية (شمالها وجنوبها) ولا على السُّود ولا على الجزائريين الذين تحتل فرنسا وطنهم بهدف “استعادة مَجْد الإمبرياطورية الفرنسية الأولى” التي بدأ انهيارها سنة 1763، ليبقى من توكفيل جَوْهَر شخصيته الإستعمارية التي تُشرّع الفظائع والمجازر المُرافقة للإستعمار، ويظْهر هذا الجَوْهَر الإستعماري في كتاباته، فقد صاغ توكفيل تقريرَيْن عن الجزائر بين سنتَيْ 1841 و 1847 باعتباره نائبا في البرلمان الفرنسي وعُضوا في اللجنة البرلمانية حول الجزائر.

عاين توكفيل الوضع في الجزائر وكتب توصيات للحكومة الإستعمارية لتتمكّنَ من فَرْض السيطرة التّامّة ل”الأُمّة الفرنسية المُتَحَضِّرَة” على “القبائل العربية الهمجية في الجزائر” لكي تنجح عمليات الإستعمار الإستيطاني الذي يتطلّب الإستيلاء على الأرض والمُمتلكات واستِكانَة السّكّان المَحلِّيِّن خوفًا من بَطْش المُسْتَعْمِر، أو القضاء عليهم إذا ما أَصَرّوا على المقاومة،  وكتب: أما إذا ” تراجعت فرنسا عن استعمار الجزائر بفعل الصّعوبات الطّبيعية والبَشَرِية وعداء القبائل الصغيرة المُتَهَمِجَة التي تسكنها، فسوف تنكسر شوكتها وتَبْدو في أنظار العالم مُخطِئة في تقدير حجم العراقيل وعاجزة عن فَرْضِ وُجُودِها بين الأُمَم المتحَضِّرة…”

لذلك يدعو ألكسيس دو توكفيل إلى السيطرة الكاملة على الجزائر بأقل التكاليف، ولذلك يُعتَبَرُ توكفيل أَحَدُ أهم مُنَظِّرِي الإستعمار ومُبَرِّرِي مذابح الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهو كذلك من أهم من دَعَوْا إلى “استبدال” الشعوب الأصلية واستيراد الأوروبِّيِّين لاستيطان الجزائر، أسْوَةً بالإستعمار الإستيطاني الأوروبي في أمريكا ولو أدّى الإستيطان إلى القضاء على أصحاب الأرض الشّرْعِيِّين، لأن “الغاية تُبَرِّرُ الوسيلة”، وهو لا يُؤْمن بجدوى الإستعمار بدون استيطان، وبذلك ينسف توكفيل الأفكار الليبرالية وقِيَم المساواة والحرية والمواطَنَة التي دافع عنها في كتابه “الديمقراطية في أمريكا” (1835)، وفي كتب أخرى بعد كتابة التّقْرِيرَيْن عن الجزائر، وحتى آخر كتاب نُشِرَ له سنة 1856…

تتراوح مُقترحات ألكسيس دو توكفيل بين “تحويل سكان الجزائر إلى أميين وبرابرة” و “سحق العرب بدون هوادة من خلال استخدام القُوّة المُفرطة بكافة أشكالها ” ويعترف “إن الممارسات الإدارية والعسكرية الفرنسية في الجزائر لا تقل بربرية عن ممارسات العرب”، لكن دَيْمومة الإستعمار الإستيطاني تتَطَلَّبُ “تدمير القبائل العربية ومحو وجودها من الأراضي التي يجب احتلالها بأكملها (…) إن حرق محاصيل العرب وخطف رجالهم ونسائهم وأطفالهم، إجراءان ضروريان مؤسفان، لتأديبهم”، اقتداءً بالرفاق الأوروبيين الذين أنشأُوا “الدّيمقراطية الأمريكية” بعد إبادة “القبائل الهندية” (أي الشُّعُوب الأصلية صاحبة الأرض والبلاد )، وإذا ما استمر “العرب” في مُقاومة الجُيُوش الفرنسية الغازية فلا بُدّ من “حصارهم بين حراب بنادقنا والصحراء وتجويعهم لدفعهم للاستسلام (…) فاحتلال مُدنهم وتدميرها… هي حملات مفيدة”

يُحاول ألكسيس دو توكفيل استخلاص الدّرُوس من التجربة الأمريكية ليستنتج إن إبادة “القبائل المُتخلّفة” ضرورية أحيانًا لإنجاز الدّيمقراطية ( ديمقراطية الرّجال البيض الأوروبيين المتحضرين) ومن هزيمة فرنسا في أمريكا أمام الإمبراطورية البريطانية، ومن “نجاح تجربة الإستعمار الإستيطاني الأوروبي في أمريكا”، ولم يَكُنْ هذا “النّجاح” مُمْكِنًا لولا المجاز والإبادة الجماعية، وهو ما يريد أن تُنجزه فرنسا في الجزائر لاستعادة مَجْدِها، ويَعْتَبِرُ وضع “سُكّان الجزائر” مُشابهًا لوضع “قبائل الهنود الحمر” فما الدّاعي لمعاملتهم بشكل مختلف؟

بعد حوالي 180 سنة من نشْر تقارير ألكسيس دو توكفيل، يريد دونالد ترامب – والمسؤولون والمُساعدون الذين عَيّنهم – فَرْضَ “السّلام الأمريكي” الذي يتضمّن إخلاء الأراضي الفلسطينية المحتلة ( سواء احتُلّت سنة 1948 أو 1967) بالقُوّة وحدها لإغلاق مِلَفّ القضية الفلسطينية، وهو الإستنتاج المنطقي للتعيينات التي أعلنها دونالد ترامب للفريق الذي يدير السياسة الأميركية في الوطن العربي، في وزارة الخارجية وسفارة أمريكا والمُستشارين والمبعوثين الخاصين الخ.

أظْهَرت القرارات الأولى للإدارة الجديدة (دونالد ترامب) مدى العجرفة الأمريكية ومدى تَبَنِّيها الأهداف الصّهيونية مثل تهجير الفلسطينيين من غزة والضّفّة العربية – بعد فشل محاولات إبادتهم بالكامل – وتوطينهم في البلدان العربية، ومن بينها أول الدّول المُطبّعة مثل مصر والأردن، استكمالا لنكبة 1948، وتمويل عُملاء الإمبريالية في الخليج إعادة إعمار غزة بعد التّهجير القَسْرِي للفلسطينيين منها ومن الضّفّة الغربية

مجموعة من المسيحيين الإنجِيلِيِّين الصهاينة والمؤيدين للعدو بشكل مُطْلَق وبدون شُرُوط، والذين اشتهر بإنكار وجود شعب فلسطيني، أو حتى أشخاص فلسطينيين، وقاد بعضهم حملة للتنديد ب”المعلومات الكاذبة التي تهدف تشويه إسرائيل من خلال المُبالغة في الحديث عن الضحايا الفلسطينيين في غزة” التي لم يتراجعوا عن الدّعوة لتدميرها و “طرد جميع الفلسطينيين المتواجدين بين البحر الأبيض المتوسّط ونهر الأرْدُنّ”، وإن لم يرحلوا، وجب تجويعهم من خلال حَظْر نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين ( أنروا التي أنْشأتها الأمم المتحدة بعد النّكبة للعناية باللاجئين حتى يعودوا إلى وطنهم ويستعيدوا ممتلكاتهم) وإلصاق تهمة مُعاداة السّامية بأي شخص ينتقد أي جانب من السياسات الصهيونية، وملاحقة واضطهاد أي ناقد للكيان الصهيوني

أصبح دونالد ترامب يتدخّل مُباشرة بَدَل الوكيل الصّهيوني وهدّدَ الشعب الفلسطيني بالجحيم وبالتهجير القَسْرِي وحَظْر عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، مما يُبيّن اندماج أهداف الإمبريالية والصّهيونية وانتماءَهُما إلى نفس المُعَسْكَر، وإن الإمبريالية ليست مُتواطئة بل طرف في الصراع العربي الصّهيوني، ويُبيّن إن بقاء الكيان الصهيوني مُرتَهِنٌ للدّعم الإمبريالي غير المحدود.

يريد دونالد ترامب – والمسؤولون والمُساعدون الذين عَيّنهم – فَرْضَ “السّلام الأمريكي” الذي يتضمّن إخلاء الأراضي الفلسطينية المحتلة ( سواء احتُلّت سنة 1948 أو 1967) بالقُوّة وحدها لإغلاق مِلَفّ القضية الفلسطينية، وهو الإستنتاج المنطقي للتعيينات التي أعلنها دونالد ترامب للفريق الذي يدير السياسة الأميركية في الوطن العربي، في وزارة الخارجية وسفارة أمريكا والمُستشارين والمبعوثين الخاصين الخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

11 + 11 =