لمقاومة وفرص العدو الاسرائيلي / د. ماجد العبلي
محاولة المقاومة في غزة وفي جنوب لبنان والعراق واليمن بدعم من إيران وسوريا لتغيير المعادلات الاستراتيجية للصراع مع الكيان الاسرائيلي لصالح محور المقاومة باءت بالفشل لأسباب متشعبة يمكن تناولها لاحقا..
هذه المحاولات شكلت تهديدا جوهريا للكيان ، ولكنها بفشلها تحولت من كونها(تهديدات) لتصبح (فرصا) استثنائية للكيان والغرب الاستعماري العنصري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه المحاولات شكلت اضطرابا كبيرا في الإقليم، وبدل أن يشكل هذا الاضطراب ضغطا على الكيان لإجباره على تقديم تنازلات، فقد تبين واقعيا أن هذا الاضطراب منح الكيان حرية تفوق التوقعات للعدوان وتجاوز كل (الخطوط الحمراء) التي كانت راسخة في الإقليم لزمن طويل، وتجاوز كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية تحت ذريعة الدفاع عن النفس.
وبما أن الاضطراب العسكري في الإقليم، والفراغ السياسي (بعيد سقوط نظام الأسد) منح الكيان فرصا ذهبية غير متوقعة لتحقيق أهدافه الاستراتيجية التي كانت مؤجلة منذ زمن بعيد؛ فإن العقل خلص إلى استنتاج خطير مفاده: (أن الاضطراب والفراغ السياسي في الإقليم هو (هدية الرب) للكيان)، بينما الاستقرار يعيق أو يؤخر تحقيق الأهداف لعقود طويلة. وعليه فإن المزيد من الاضطراب والفراغ السياسي في الإقليم يؤدي إلى تحقيق المزيد من الأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية الأمريكية، وخاصة في ظل هذه الفرصة التاريخية في الإقليم بعد انهيار محور المقاومة (تحييد سوريا وخنق حزب الله وتهشيم المقاومة في غزة، وإبعاد إيران).
ولطالما كان الذكاء الاسرائيلي يتمثل بربط أهدافه الاستراتيجية بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية الغربية الاستعمارية الكبرى، بحيث يمكنه الادعاء بأنه في كل عدوان له على الأمة العربية إنما يسعى لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية الغربية الاستعمارية في الوقت نفسه الذي يسعى فيه لتحقيق أهدافه وفق قاعدة (تكامل الأهداف).
ومن خلال مراجعة الأهداف الاستراتيجية للكيان في الإقليم يمكننا استنتاج جغرافيا الاضطرابات القادمة التي سيعمل على إشعالها.
وإذا عرفنا أن (رؤية) الكيان تتمثل بأن يكون الدولة السيدة في الإقليم دون منازع، وأن (رسالته) تتمثل بضمان التفوق الشامل الحاسم المستدام على كل دول الإقليم ووحداته. فإنه يمكن استنتاج أهدافه الاستراتيجية على النحو التالي:
أولا: ضمان التوكيل الغربي الاستعماري للكيان ليكون الحارس الأوحد للمصالح الاستراتيجية الأمريكية الغربية الاستعمارية.
ثانيا: ضمان الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتفوق الكيان استراتيجيا على كل القوى الإقليمية.
ثالثا: استثمار الدعم الغربي الاستعماري للتوسع على حساب دول الإقليم ووحداته.
وبات من المعروف، حسب الخرائط التي ينشرها الكيان، أنه يرى أن الوقت حان لكي يوسع جغرافيا دولته لتشمل إضافة لكل فلسطين كلا من لبنان وسوريا والأردن والجزء الغربي من أراضي العراق والجزء الشمالي من أراضي السعودية والكويت لتطل على الخليج العربي، وسيناء وشرق مصر حتى تسيطر على قناة السويس والساحل الغربي للبحر الأحمر، وربما تتوسع جنوبا لتحتل السودان إذا تهيأت لها الفرصة، (وربما تحلم باحتلال كل دول الوطن العربي).
وإذا كانت الأداة التمهيدية (الجديدة) لتوسع الكيان على حساب الدول العربية المحيطة به هي إشعال الاضطرابات الداخلية و/أو إحداث الفراغ السياسي في هذه الدول، وإذا كانت المنهجية الأمريكية تقوم على تحقيق الأهداف الكبيرة عبر تجزئتها وتحقيقها وفق قاعدة (خطوة تلو الخطوة step by step)، فإنه يمكن الاستنتاج بأن الخطوات الاسرائيلية الأمريكية في الإقليم ستكون على النحو التالي:
١-إشعال حرب أهلية في كل من لبنان وسوريا، واستثمار ذلك للعبث في بناها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية حتى تحين لحظة احتلالها (لحماية شعوبها من دوامة الموت والبؤس!).
٢-إيجاد فراغ سياسي في الأردن لتهجير الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية إليه، ثم إشعال حرب أهلية فيه يتم استثمارها أيضا للعبث في البنى السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للأردن، حتى تحين لحظة احتلالها (لحماية شعبها من دوامة الموت والبؤس!).
٣-تطبيق سيناريو الأردن في مصر لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى سيناء.. إلخ.
٤-تطبيق سيناريو الأردن (المعدل) تباعا في كل من: العراق والكويت ثم السعودية.
كل ما سبق يمثل السيناريو الأسوأ بالنسبة لنا نحن العرب، في حين يمثل السيناريو الأفضل بالنسبة للكيان وربما للغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن تحققه مشروط بأربعة معطيات هي:
١-استمرار التفكك والضعف العربي على المستويين الرسمي والشعبي على هذه الشاكلة التي نحياها حاليا.
٢-تحييد كل من إيران وتركيا.
٣-استمرار بنية النظام الدولي على ما هو عليه الآن من حيث توازن القوى والتحالفات الدولية.
٤-استمرار اعتماد الغرب الاستعماري للكيان كوكيل أوحد لحماية مصالحه الاستراتيجية في الإقليم.
ورغم ذلك فإن الأمل بالله يظل معقودا على الشعب العربي الذي استطاع مرة تلو المرة عبر التاريخ أن ينهض من حضيض ضعفه ويحرر أرضه ويطرد الغزاة أو يحتويهم أو يعرّبهم.. وربما يفعل ذلك مع سكان دولة الكيان يوما ما..