بشار الأسد: لمن المُلك اليوم!!؟ / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الجمعة 13/12/2024 م …
ما أن أعلن عن سقوط النظام السوري وهروب بشار الاسد المخزي والمهين الى موسكو حتى سارع الكيان الإسرائيلي لاقتناص الفرصة فاجتاح ما تبقى من هضبة الجولان، وسط صمت دولي لذلك الاجتياح والانتهاك لسيادة سوريا، باستثناء صدور تصريح خجول لمبعوث الأمم المتحدة في سوريا (غير بيدرسون) بأن تلك الاعمال تُعد انتهاكا فاضحا لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وصدور بيانات الشجب والإدانة والاستنكار (المعتادة) لأنظمتنا العربية الموقرة!!
لقد شنت إسرائيل غارات جوية جاوزت العشرات إن لم نقل المئات على مناطق متفرقة من سوريا طالت مدنا عديدة منها طرطوس واللاذقية وبانياس مستغلة انهيار معنويات ضباط وجنود النظام وتخليهم عن أسلحتهم ومعداتهم ومغادرتهم لمعسكراتهم، فطالت البنية التحتية العسكرية السورية، فشملت تلك الضربات الجوية مستودعات الأسلحة الاستراتيجية والكتائب المدرعة، علاوة على مستودعات أسلحة بالقرب من مطار المزة في دمشق، وأوكار الطائرات المقاتلة والهليكوبتر، كما واستهدفت أيضًا القاعدة البحرية السورية في اللاذقية غرب سوريا، في محاولة منها لإنهاء قدرات سوريا العسكرية، هذا كما ونشرت إسرائيل قوات برية داخل وخارج المنطقة العازلة منزوعة السلاح التي أُنشئت في عام 1974، حيث تقدمت القوات الإسرائيلية حتى قرية بقعصم، التي تقع في سفوح جبل الشيخ السوري، الذي استولت عليه القوات الإسرائيلية يوم الأحد المنصرم، على بُعد حوالي 25 كيلومترًا من دمشق، وعلى بُعد عدة كيلومترات بعد الجانب السوري من المنطقة العازلة!!
لقد جاء اجتياح القوات الإسرائيلية لهضبة الجولان على هوى مَنْ هو مؤمن ومقتنع من أبناء جلدتنا بنظرية المؤامرة القائلة بأن انهيار النظام السوري واستيلاء قوات المعارضة للمدن السورية إنما هو مخطط مرسوم ومعد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وبتنفيذ مباشر من قوات المعارضة السورية ذاتها، بل وتحدثوا مطولا عن تزامن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وما قامت به المعارضة السورية الموجودة في أدلب السورية!!
لقد انشغل بشار الأسد طيلة فترة رئاسته بأمور تدعم نظام حكمه ورئاسته لسوريا دون أن يفكر يوما ما بتحرير هضبة الجولان التي استولت عليها إسرائيل عام 1967 دون قتال يذكر وانسحاب الجيش السوري منها بأوامر مباشرة من والده حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك، ولقد تردد في الاعلام بأن إسرائيل كانت قد اشترت هضبة الجولان من حافظ الأسد حين كان وزيرا للدفاع آنذاك ودفعت مبلغ 100 مليون دولار بشيك تسلمه كل من حافظ ورفعت الأسد، وأودع في حساباتهما في أحد بنوك سويسرا، ولمن لا يعلم ما أهمية هضبة الجولان بالنسبة لإسرائيل ومخاطر استحواذها عليها، فأورد الحقائق التالية كما وردت في المواقع الالكترونية مع ذكر مصادر نشرها:
– ما نشرته وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني وأقتبسه نصا: “تنبع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة من موقعها المطل على منطقة الجليل الإسرائيلية، وأنها تزود بحيرة طبريا (بحر الجليل)، المصدر الرئيسي للمياه لإسرائيل، بثلث مياهها“… انتهى الاقتباس.
– وفي دراسة نشرها معهد القدس للاستراتيجية والأمن (إسرائيلي غير حكومي) عام 2019 قال وأقتبسه نصا: “توفر الهضبة الاستراتيجية مزايا دفاعية لا تقدر بثمن وتعزز قوة الردع الإسرائيلية“، وأضاف أن “مرتفعات الجولان عبارة عن هضبة صخرية يتراوح ارتفاعها في الغالب بين 1000 و1200 متر، وتبلغ مساحتها الإجمالية 1800 كيلومتر مربع إلى الشمال الشرقي من إسرائيل، ويمثل نهر الأردن وبحر الجليل حدودها الغربية، ويمثل نهر اليرموك نهايتها الجنوبية، ويحدها خط مستجمعات المياه من الشرق“، و”يمثل جبل الشيخ (الذي يقع جزئيا داخل إسرائيل) الطرف الشمالي للمرتفعات، حيث يوفر الجبل وسيلة ممتازة لمراقبة المنطقة بأكملها حتى دمشق، التي تبعد نحو 60 كيلومترا فقط إلى الشرق، وحتى خليج حيفا على البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب، وتسيطر مرتفعات الجولان على وادي نهر الأردن، والجليل الإسرائيلي إلى الغرب منه، والمداخل المؤدية إلى دمشق إلى الشرق منه”، واعتبر أن “سيطرة إسرائيل على إحدى قمم جبل الشيخ في شمال الجولان توفر لها أيضا قدرات مذهلة في جمع المعلومات الاستخبارية، فهي تمكن من استخدام المراقبة الإلكترونية في عمق الأراضي السورية، مما يوفر لإسرائيل القدرة على الإنذار المبكر في حالة وقوع هجوم وشيك”، ورأى المعهد أن “قرب الجولان من دمشق له قيمة ردع هائلة، لأنه يضع العاصمة، المركز العصبي للنظام السوري، في متناول القوة العسكرية الإسرائيلية”!!.. انتهى الاقتباس.
وعودة أخرى لأبناء جلدتنا العرب المؤمنين بنظرية المؤامرة، فلقد خاض هؤلاء في تحليلات وتفسيرات في بداية اندلاع احداث المشهد السوري، واستمروا على مواقفهم تلك حتى لحظة سقوط النظام السوري وفرار الرئيس بشار الأسد خارج البلاد دون أن يُعلم أو ينبئ أقرب مساعديه ومعاونيه وبضمنهم شقيقه ماهر الأسد بقرار وساعة هروبه، وغمزوا ولمزوا بوطنية وأهداف الثوّار، ووصفوهم بأنهم صنيعة مؤامرة دولية كبرى أركانها الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والكيان الإسرائيلي، بقصد إجهاض محور المقاومة بزعامة ايران، واصفين الثوار بصفات (الإرهاب) و (التكفير) وغيرها من المفردات السياسية التي استحدثتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عقدين من الزمن!!، وأن المعارضين السوريين ينفذون خطة ومشروعا صهيونيا للهيمنة على سوريا، كمرحلة ثانية في طريق تحقيق إسرائيل لحلم دولتها الكبرى، وزادت تلميحاتهم تلك إثر قيام الكيان الإسرائيلي باجتياح باقي هضبة الجولان، وقصف المعسكرات السورية بغارات جوية، متناسين أن من أسقط بشار الأسد إنما هم مواطنون سوريون تم اضطهادهم وتشريدهم وتهجيرهم منذ مجزرة حماه عام 1982 صعودا، وانهم قد ثاروا ضد الظلم والطغيان، كما وراح البعض من أبناء جلدتنا ممن آمن بنظرية المؤامرة تلك يطرح تساؤلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- عن أسباب ومغزى تزامن قيام المعارضة السورية باجتياح المدن السورية مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين حزب الله اللبناني والكيان الإسرائيلي!!؟
2- وأين كان دور المعارضة السورية إبان العدوان الإسرائيلي الغاشم والمستمر على غزة ثم جنوب لبنان، وأين كانت قوة المتمردين واسلحتهم من نُصْرَة غزة طيلة أكثر من عام!!!؟
لقد تناسى هؤلاء حقيقة جوهرية مفادها أن إسرائيل كانت ولا زالت نهازة للفرص، فهي تستثمر حالة الضعف والوهن الذي يصيب العرب لتعبث في مقدراتهم، كما وفاتهم أيضا بأن نظام بشار الأسد لم يكن يهدد إسرائيل طيلة فترة رئاسته ورئاسة أبيه حافظ الأسد، فنظام الأسد (الأب والوريث الابن) لم يطلق أية رصاصة يوما على الاحتلال من الأراضي السورية منذ عام 1973 حتى يوم هروب بشار الأسد من سوريا، ورغم ذلك يحلو لبشار الأسد أن يصف نظامه بأنه نظام مقاومة وممانعة!!
هذا أولا …
وثانيا … وردا على التساؤل رقم (2) أعلاه، فأقول ما يلي:
1- أن من كان يمسك سوريا هو النظام السوري بمساعدة حلفائه من روسيا وايران، فكيف تتمكن المعارضة من تقديم يد العون لأبناء غزة!!؟
2- أن المعارضة كانت متجمعة محاصرة في أقصى شمال سوريا وفي أدلب تحديدا، فكيف يتسنى لهؤلاء المعارضين لنظام بشار أسد أن ينصروا غزة إذن ويقدموا يد العون لجنوب لبنان!؟
وأسترسل بالتوضيح زيادة كي يعي المشككون من أبناء جلدتنا حقيقة الأمر الذي التبس عليهم أو أنهم قد انساقوا خلف دعايات مغرضة، بأن الجيش (العربي) السوري بقيادة بشار أسد كان يقف متفرجا ساكنا (رغم أنه يندرج ضمن محور المقاومة!!) طيلة عام وشهرين إزاء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة وجنوب لبنان، والأدهى من هذا وذاك، فإن نظام بشار الأسد وقف صامتا وكأن الطير على رأسه فيما كانت إسرائيل تقصف دمشق وحمص ولم يطلق رصاصة واحدة!!، كما أنه ترك حزب الله اللبناني يقاتل دولة الاحتلال لوحده دون مساعدة منه ولو بإطلاق طلقة واحدة على العدو الإسرائيلي رغم انه يندرج ضمن محور وحدة ساحات المقاومة كما يعلم الجميع!!
وإزاء هذه المعطيات والحقائق المتمثلة بالبعد الجغرافي لغزة عن مواقع تواجد المعارضة طيلة فترة العدوان الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان، من جانب، ومن جانب آخر تواجد قوات نظام بشار الأسد بينها وبين الجولان، فكيف يتسنى للمعارضة المحاصرة في شمال سوريا أن تساند غزة!!؟
لقد تناسى هؤلاء المشككون بوطنية واهداف المعارضة بإسقاط نظام بشار الأسد، ما كان النظام المخلوع قد اقترفه من جرائم وحشية طيلة فترة حكم (الأسدين، الأب والابن) التي امتدت قرابة نصف قرن، فتسبب ذلك الحكم بمقتل 202000 مواطنا سوريا، و15000 تم قتلهم تحت التعذيب، ونزوح وهجرة الملايين منهم خارج البلاد، ولجوء ما تبقى منهم ومحاصرتهم في مدينة إدلب، وإقامة معسكرات ومراكز نفوذ لدول إقليمية ودولية على الأراضي السورية، وإزاء هذا المشهد السوري المخزي، فإن خير وصف للدولة السورية في عهد بشار الأسد قد جاء ذكره من قبل الصحيفة الأميركية نيويورك تايمز حيث ذكرت بأن العديد من المراقبين يعتبرونها بأنها “قوقعة جوفاء”، كما وإن أدق وصف لنظام بشار أسد ذاك الذي جاء على لسان أندرو تابلر – وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومسؤول حكومي أميركي سابق في القضايا الأمنية- بأنه وأقتبس نصا “سيارة قديمة تم تجميعها بقطع غيار من قبل ميكانيكيين مجهولين”!!!.
ختاما أقول …
بأن الشام في خطر، وأن الكيان الإسرائيلي يتمدد، وفي ظل هذه التحديات، تبرز التساؤلات المحورية والجوهرية التالية:
كيف يمكن لقادة سوريا الجدد الخروج بسوريا من دائرة الانشغال الذاتي المستمر؟
وكيف تستطيع القيادة السورية الجديدة تبني سياسات عقلانية تعزز السيادة الوطنية، وتدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتلعب دورًا محوريًا في القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟
نبتهل إلى الله تعالى صادقين مخلصين بأن يسدد أقدام قادة سوريا الجدد، وأن يجنبوا سوريا الفتن والصراعات الداخلية، وان يبذلوا قصارى جهدهم في بناء سوريا الجديدة وفق الأسس العروبية والإسلامية الصحيحة لتتصدى للمؤامرات الصهيو-أمريكية ومخططاتها الرامية لتحقيق شعار (دولة إسرائيل الكبرى)، وأن يضعوا هم وقادة انظمتنا العربية في حسبانهم ما ورد على لسان عمر بن عبد العزيز رحمه الله حيث قال:
“الأموات محبوسون في قبورهم، نادمون على ما فرطوا، والأحياء في الدنيا يقتتلون على ما ندِم عليه أهل القبور، فلا هؤلاء إلى هؤلاء يرجعون، ولا هؤلاء بهؤلاء يعتبرون”.