“قانون غزو لاهاي” بلطجة أمريكية بامتياز!! / سماك العبوشي

0 240
سماك العبوشي ( العراق ) – الأحد 24/11/2024 م …

لكل عصر طاغ متجبر متغطرس أخذته العزة بالإثم، فنسي نفسه واغترّ بقوته وأخذته الخُيَلاء فراح يبطش بالقاصي والداني ويفعل الاعاجيب التي يندى لها جبين الإنسانية، غير آبه بصرخات المظلومين وآهات المنكوبين، متناسيا قوة الله وبطشه وأخذه الظالمين المتكبرين ولو بعد حين!! 

هذا لعمري ما تعلمناه من دروس تاريخ الأمم، وكيف كان فرعون وقومه من أشد الأمم تكبرا وأعظمها تجبرا وعلوا، ونادرا ما يذكر القرآن قصتهم إلا ويذكر عنهم صفة الكِبْر، وما ترتب عليها من آثار سيئة ذاقوا بسببها وبال أمرهم، فأذله الله وبطانته وأغرقهم في اليم وهو وبطانته وجيشه في قمة الجبروت والغطرسة، وهكذا كان مصير قوم عاد وثمود وهود وصالح ولوط والنمرود، وغيرهم من الجبابرة والعتاة الذين طغوا في الأرض وعاثوا فيها فسادا، فصب عليهم رب الأرباب سبحانه وتعالى ألوان العذاب، وجعلهم عبرة وآية لكل متجبر مستكبر!!  

وفي عالم السياسة اليوم، حيث يسود العالمَ الظلمُ والقهرُ والطغيانُ، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ولعل خير مثال للطغاة والمتجبرين المتغطرسين هي الولايات المتحدة الأمريكية بعينها، حيث نراها قد طغت وتغطرست وحسبت أنها القوة الأعظم وفوق الجميع، فراحت تمارس بكل كِبْر وخيلاء وغطرسة دور الشرطي والآمر الناهي مسموع الأوامر مطاع الرغبات، تتبع سياسة العصا والجزرة من أجل الاستحواذ والاستئثار بكل شيء، فهي لا تسمح بأن ينافسها أحد في قيادة العالم، وفعلت كل ما بوسعها لتبقى هي الأولى في كل شيء، حتى في الظلم والتجبر والطغيان، تماما كما كان حال فرعون الذي هلك وصار عبرة للمعتبرين أصحاب البصيرة!!.

بعد أن رأينا وسمعنا وتلمسنا لمس اليد انحياز الولايات المتحدة الامريكية التام والمطلق للكيان الغاصب من خلال دعمها الدبلوماسي والسياسي والعسكري اللامحدود والمتواصل، وقيامها بإجهاض صدور قرارات دولية بإدانة الكيان الغاصب من خلال استخدامها حق النقض الفيتو لتعطيل جهود إيقاف العدوان الصهيوني على غزة ولأكثر من مرة، ها هي الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بخصوص نتنياهو ويوآف غالانت، تعود من جديد لتؤكد انحيازها التام للكيان الإسرائيلي ، وتستمر باستعراض عضلات جبروتها وغطرستها واستخفافها بالعالم أجمع، من خلال إدانتها شديدة اللهجة لهذا القرار والذي وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ”المشين”!!، كما وبذلت جُلّ طاقتها فعملت على حشد دولي لمنع تنفيذه، ثم راحت أخيرا تلوّح باستهزاء وعجرفة بما يسمى بـ “قانون غزو لاهاي” في محاولة منها لإرباك المشهد وإفراغ وتعطيل قرار الإدانة الذي صدر من محكمة الجنايات الدولية بحق مُجْرمَيّ الحرب (نتنياهو) و (يوآف غالانت)، وبذا تكون – وبامتياز قل نظيره – قد نزعت عنها ما كان قد تبقى من ورق التوت الذي كان يستر عورتها ويكشف زيف مواقفها!!  

ورب سائل يسأل: ما هو “قانون غزو لاهاي”!؟

وما قصته!؟، وما خطورته وتداعيات تنفيذه أمريكيا!!؟

وباختصار شديد، ولمن لا يعرف شيئا عن “قانون غزو لاهاي”، فأدناه أبرز مضامينه: 

1-   “قانون لاهاي” يُعرَف بقانون “حماية أعضاء الخدمة الأمريكية”، وسُميّ هكذا لأن الهدف منه كان حماية أفراد الجيش الأمريكي والمسؤولين في الحكومة من التعرض للمحاكمات الجنائية الدولية!!

2-   صدر هذا القانون سيء الصيت عن الكونجرس الأمريكي عام 2002.

3-   تسميته بـ “قانون غزو لاهاي” هو تسمية عُرفية انتشرت بسبب المادة 2008 من القانون التي تنص على السماح للرئيس باستخدام (الوسائل الضرورية كافة!!!) لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية سواء كان محتجزًا أو معتقلًا من قبل المحكمة الجنائية العليا أو بالنيابة عنها أو بأمر منها!!.

4-   خطورة هذا القانون أنه ينص على منع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة أي إجراءات أو متابعات قانونية ضد الأشخاص المشمولين بحماية الولايات المتحدة الأمريكية، أو المتحالفين معها، أو الذين كانوا محميين منها، أو كانوا متحالفين معها، مع ضمان عدم إلقاء القبض على أي منهم أو احتجازه أو محاكمته، سواء من لدن المحكمة الجنائية الدولية أو من ينوب عنها!!، ولقد ذهب الكثير من المنتقدين إلى تفسير ما ورد في نص القانون إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تستخدم كل الطرق – بما فيها تنفيذ عملية عسكرية و(غزو) المحكمة في مدينة لاهاي بهولندا (حيث مقر المحكمة الجنائية الدولية)- وذلك لإطلاق سراح أي محتجز، وهكذا أصبح هذا النص يعرف باسم “قانون غزو لاهاي!!

الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد لعبت دورا فعالا في صياغة نظام روما الأساسي، والذي أدى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وكانت أن وقعت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية عام 2000 على نظام روما الأساسي للمحكمة في عهد بيل كلينتون، ولكنها لم تصدق عليه حيث تنصلت منها في عهده، ثم قامت الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش بتاريخ 6 مايو/ أيار 2002 بسحب توقيعها رسمياً!!. 

والمضحك في الأمر وما يزيد من الأمر سخرية وتهكما ويكشف زيف مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك التناقض الصريح والبيّن تجاه قرارات المحكمة الجنائية الدولية، وباتت تشكل علامة فارقة في ازدواجية المعايير والتطبيق، وفي مثال صارخ لتبيان هذه الازدواجية المقيتة للولايات المتحدة الأمريكية، ما رأيناه في العام الماضي من دعوة ومطالبة السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام لإدارة بايدن إلى دعم قضيتها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، في حين رأيناه اليوم يهدد بفرض عقوبات صارمة على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (كريم خان) ومسؤولين آخرين في المحكمة بسبب اتهام إسرائيل، في إشارة واضحة لا لبس فيها ولا تقبل التأويل بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ضد أعدائها وخصومها فقط!! 

وهناك شواهد أخرى على ممارسات الإدارة الامريكية بهذا الخصوص:

1- في عام 2018، أعلن جون بولتون، مستشار الأمن القومي لدونالد ترامب، عن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن حاولت الضغط على المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع إسرائيل، محذرا من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، قائلاً إنه لا يمكن لأي محكمة دولية أن تحل محل ما وصفه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بـ”القوة الصالحة” لأمريكا!!

2- كما وسبق أن فرضت واشنطن في عهد ترامب في يونيو/ حزيران 2020 عقوبات على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة وموظفين آخرين بالمحكمة، شملت تجميد أصولهم وحظر السفر عليهم، بسبب التحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات التحالف الغربي في أفغانستان وقوات الاحتلال الإسرائيلية في فلسطين!!.

3- ما كشفه المدعي العام للجنائية الدولية في تعقيبه على التهديدات الأمريكية، بأن قادة منتخبين تحدثوا معه “بشكل صريح” بشأن سعيه لإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين إثر حرب غزة، مضيفاً أن زعيماً بارزاً قال له إن المحكمة أنشئت لـ”أفريقيا والبلطجية مثل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”!! 

ختاما …

وهكذا … فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة حثيثة على فرض قانون الغاب، حيث القوي يتسيد المشهد ويفرض إرادته قسرا، فيما الضعيف يؤكل حقه ويضيع صوته فلا يسمع!!

كما وبت الأن على قناعة ويقين تام أن ما نراه من غطرسة وعدوانية شديدة للكيان الغاصب واستمرار ارتكابها للمجازر في غزة وجنوب لبنان، أقول … إنما هي نابعة ولاشك من يقين هذا الكيان المارق بأن هناك من يقف في ظهره ويسانده في كل ما يقترفه ويمارسه، وبت على ثقة تامة بأن الولايات المتحدة الأمريكية (فرعون ونمرود العصر) قد منحت الكيان الغاصب التطمينات اللازمة لاقتراف المزيد من جرائم الإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الانسان سواء في غزة أو الضفة أو في جنوب لبنان من خلال تلويحهم بقانون غزو لاهاي بعد صدور قرار محكمة الجنايات الدولية!!

قال تعالى في محكم آياته:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ  وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ  فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ” (القصص: 38 – 42)

وقال تعالى :

فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ  فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ” (فصلت: 15، 16).

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

واحد × خمسة =