يا ولاة أمرنا أما آن لكم أن تستيقظوا؟! / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الجمعة 15/11/2024 م …
إستهلال وتنويه:
لمقالي هذا شقان قد يبدوان للوهلة الأولى أنهما منفصلان غير مترابطين، غير أن الحقيقة تؤكد أنهما مترابطان ارتباطا وثيقا، ويكملان بعضهما بعضا في محصلتهما ويلتقيان في غاية واحدة، ليتشكل منهما المشهد المطلوب شرحه بكامل تفاصيله وأبعاده، الشق الأول متعلق بالشأن الأمريكي الداخلي، والشق الثاني متعلق بالشأن الإسرائيلي الداخلي أيضا.
الشق الأول (أمريكيا):
ما أن زَفـّت إلينا وكالات الانباء الدولية وتناقلت القنوات الفضائية العالمية نبـأ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الامريكية ليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، حتى بدأ المحللون السياسيون العرب والأجانب بخوض غمار نقاشاتهم المطولة في محاولة منهم لرسم صورة المرحلة القادمة من قيادة ترامب للولايات المتحدة الأمريكية وتأثيرات وتداعيات عودته القوية على الأحداث الساخنة الجارية في منطقتنا العربية تحديدا، فمنهم من كان متفائلا فرسم مشهدا ورديا لعودته، مدعيا وزاعما أنه جاء ليوقف النزاعات والصراعات والحروب في المنطقة، فيما راح البعض الآخر (وأنا العبد الفقير أحدهم ولاشك) يفند ذلك الرأي ويذكر أمرا مغايرا تماما، وأن عودته ستكون شؤما على عموم منطقتنا العربية، ومستقبل القضية الفلسطينية تحديدا، وأنها ستكون استكمالا لخطوته السابقة حين أعلن بتاريخ 6 ديسمبر/ كانون أول/ 2017 قراره بنقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس، ومعترفا بخطوته تلك رسميا بأن القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، فكانت خطوته تلك بلا شك ودون مواربة قد شكلت تحولا كبيرا عن ما يقرب من سبعة عقود من الحياد الأمريكي بهذا الشأن، وأسقطت القناع عن وجهها الحقيقي الذي لطالما حاولت (ومازالت) تتستر خلفه وأنها طرف محايد ونزيه في السنوات الأخيرة !!
لو استعرضنا أسماء شخصيتين تحديدا من هذه الشخصيات التي اختارها الرئيس دونالد ترامب في إدارته الجديدة، وسلطنا الأضواء على خلفيات مَن تم تعيينهما في هذه الإدارة، لأدركنا أن الأمر لم يكن محض صُدفة البتة، بل سنجدها مرسومة بدقة متناهية ومخطط لها من جهة عليا متمثلة بـ (الحكومة الخفية) التي تدير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي في حقيقتها من قررت فوز الرئيس الأمريكي ترامب نفسه، تلك الشخصيتان المؤثرتان تتمثل في مركزين حساسين في الإدارة الأمريكية ولهما مساس مباشر وتأثير كبير على قضايانا العربية عموما والفلسطينية على وجه الخصوص، وهما وزير الخارجية الأمريكية، وسفير الولايات المتحدة الامريكية في الكيان الإسرائيلي، لنستشف بعدها إن تلك الاختيارات إنما جاءت لتتماهى تماما والمرحلة الخطيرة القادمة التي تزمع إسرائيل تنفيذ مخططها في منطقتنا العربية، وهاتان الشخصيتان هما كالتالي:
1- السيناتور الجمهوري (عن ولاية فلوريدا)، ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي، ماركو روبيو، والذي اختاره ترامب ( أو فرض عليه) ليكون وزيرا للخارجية، ولمن لا يعرف مواقفه، فهو من أعرب في عدة مناسبات عن دعمه القوي وغير المشروط لإسرائيل خلال فترة عدوانها المتواصل والجاري الان في غزة، واصفا حماس بأنها منظمة إرهابية، هذا كما ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عنه قوله إن “حماس هي المسؤولة بنسبة 100%” عن الكم الهائل من الضحايا المدنيين الفلسطينيين!!.
2- الحاكم السابق لأركنساس، مايك هاكابي، الذي أختير ليكون سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، وهو من المسيحيين المتطرفين والذي لا يؤمن بدولة فلسطينية اطلاقا ويرفضها رفضا قاطعا، والمؤيد للمستوطنات، هذه الشخصية السياسية المثيرة للجدل ومقدم البرامج التلفزيونية الذي يتبجح ويتباهى بأنه قد زار إسرائيل أكثر من 100 مرة، كان قد دعا لتهجير أبناء غزة طيلة عام كامل من العدوان الإسرائيلي عليها، كما أنه عارض على الدوام دعوات الإدارة الأمريكية في عهد بايدن لإيقاف القتال في غزة، كما أنه يُعرف بعلاقته الوثيقة بـ (جماعة الهيكل) التي تنادي وتدعو لهدم المسجد الأقصى، كما أنه مؤيد قوي لضم الضفة لإسرائيل مصرحا بامتلاك الاخيرة لسند ملكيتها، كما أنه دائم التصريح “لا يوجد استيطان، بل بلدات ومجتمعات شرعية”!!، وانه لا ضفة غربية بل هناك “يهودا والسامرة”!!
فهل أدركتم الأن سر اختيار هاتين الشخصيتين!؟
وهذا بعض من غيض فيض الشق الأول الأمريكي.!!
الشق الثاني (إسرائيليا):
لقد وظفت واستثمرت حكومات إسرائيل المتعاقبة اتفاقية أوسلو من أجل توسيع المشروع الاستيطاني في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفرض وقائع على الأرض تحول دون تطبيق ما يسمى وهما وزيفا بـ (حل الدولتين) وذلك للوصول إلى خطة الحسم، بفرض سيادة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وضمها لنفوذ إسرائيل، ولقد نقلت هيئة البث الإسرائيلية الثلاثاء عن النتن ياهو تأكيده ضرورة إعادة قضية ضم الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته عند تسلم الرئيس الأميركي ترامب مهامه في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، ولقد أبدى قادة اليمين الإسرائيلي تفاؤلا بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستفسح الطريق أمام ضم الضفة الغربية، وبالتالي المضي قدما نحو تحقيق دولة إسرائيل الكبرى، وليس صدفة أبدا ظهور لافتة في القدس المحتلة تهنئ ترامب بالفوز وتدعوه لتحقيق شعار “اسرائيل الكبرى”!!
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فما أن تم تعيين جدعون ساعر وزيرا لخارجية إسرائيل حتى خرج للإعلام مصرحا وداعيا لتعزيز علاقات إسرائيل بالمجتمعات الكردية والدرزية في الشرق الأوسط، ومعلنا بأن الأقليات في المنطقة ستحتاج الى التماسك فيما بينها، هذا كما وسارع بتنظيم القصائد العصماء في الغزل والتحبب والتقرب منها بالقول بأن الشعب الكردي أمة عظيمة، وهي احدى الأمم العظيمة التي لا تتمتع باستقلال سياسي، وغالبا ما تعاني من الاضطهاد في المنطقة، وأن هناك مصالح مشتركة بين إسرائيل وبينها لابد من تمتينها وتقويتها لمصلحة هذه الأقليات في المنطقة!!
وأتوقف هنا قليلا، لأنوه عن مقالي السابق المعنون “إسرائيل الكبرى” المنشور بتاريخ 12 /11/2024 في عدة مواقع الكترونية والذي تطرقت فيه إلى أحلام وطموحات الكيان الغاصب في إسرائيل لتوسيع حدوده لتشمل مفهوم “دولة إسرائيل الكبرى” الممتدة في الرقعة الجغرافية كل فلسطين – بعد ضم الضفة وغزة اليه-، ولبنان، وسوريا، والأردن، وأجزاء من العراق، وأجزاء من أرض بلاد الحرمين الشريفين وانتهاء بسيناء المصرية، وكيف أنه من أجل تحقيق حلمه ذاك، ولأنه يدرك ويعي تماما إمكانات إسرائيل البشرية المحدودة من جانب، ولزرع الفتنة العرقية في دولنا العربية ذات الفسيسفاء العرقي المتنوع من جانب آخر، فإنه سيعيد بدهاء وخبث إحياء تجربة العميل سعد حداد لينفذها هذه المرة في أقطار عربية تضم أقليات عرقية ضمن فسيفسائها الاجتماعي الجميل، بحثا عن ضعاف النفوس بينها، في محاولة خبيثة دنيئة ماكرة منه لضرب الوحدة الوطنية لبعض بلداننا العربية ولدق إسفين الخلافات وتأجيج الصراعات القومية لا سمح الله، وها هو اليوم وزير خارجية الكيان الغاصب يعزف أسطوانته المشروخة تلك لينفث سمومه تلك ويهيئ الأجواء تمهيدا لبدء تنفيذ ما رسموه وخططوا له!!
لقد أثبتت الأيام والوقائع بأن العدو الإسرائيلي بمساندة ومعاونة الغرب لهم إنما كان قد خطط لعشرات السنين لتحقيق هدفه، وسار عليه بتأن وهدوء في سبيل ذلك، وأن كل ما جرى في السابق من اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو وغيرها من طرح حل الدولتين ما هي الا محطات ووسائل لكسب الوقت لتنفيذ مخططها الذي تزمع تنفيذه في المرحلة القادمة، فكما أن المشروع الاستيطاني ظل منذ البداية يستخدم أسلوب المضي في التنفيذ “شبرا بشبر وخطوة بخطوة”، فكذلك طريقة “الضم الزاحف” أو “الضم الفعلي” فهي تتم من خلال مئات القرارات التي تبدو صغيرة، لكنها في محصلتها تكون مؤثرة وعظيمة الشأن ولصالح إسرائيل ذاتها!!
وهكذا يكون قد اكتمل المشهد بجمع الشقين الأول (الأمريكي) والثاني (الإسرائيلي) وصار واضحا جليا للعيان ولأصحاب البصيرة من قادتنا وحكامنا العرب ليدركوا ويعوا حجم المأساة القادمة قبل وقوعها، إلا أنه للأسف الشديد، ورغم وضوح الرؤية وما نراه ونلمسه من مخاطر تتهدد منطقتنا العربية، وفي خضم وقمة تداعيات أحداث غزة ولبنان المأساوية الدامية، وتوارد الانباء الإسرائيلية عن النية بضم الضفة وغزة الى الكيان، فقد عُقدَ مؤتمر القمة العربي الإسلامي (الطارئ العاجل) في الرياض ليُصدر بيانا ختاميا مهلهلا لا يتناسب وحجم الكارثة التي نحن بصددها، فراح القادة العرب والمسلمون – إلا من رحم ربي- يمارسون فنون الشجب والتنديد في خطبهم وكلماتهم ويستنكرون، وجلّ ما أعلنوا عنه نيتهم اللجوء للأمم المتحدة لتجميد عضوية إسرائيل!!!
إن القمم العربية والإسلامية الطارئة والعاجلة وما يصدر عنها من بيانات وادانات وشجب لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا توقف مجازر غزة واجتياحات أرض لبنان، فالمطلوب الآن إصدار واتخاذ قرارات رادعة لإسرائيل ومن يساندها، ومنها على أقل تقدير:
1-الغاء سياسات التطبيع التي كانت من ثمار اتفاقيات أبراهام التي اسفرت عن تطبيع ثلاث دول عربية مع الكيان الغاصب، وقيام الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية بطرد السفراء الإسرائيليين من عواصمهم وقطع علاقاتهم الدبلوماسية مع ضرورة سحب السفراء العرب من هناك!!.
2- تحمل الدول العربية والإسلامية لمسؤولياتها الشرعية والقومية تجاه غزة العزة والصمود ودعم دولة جنوب أفريقيا بقضيتها التي رفعتها في محكمة العدل الدولية بتاريخ 29 كانون الأول/ ديسمبر 2023 ضد إسرائيل والمشاركة الفاعلة بها، أسوة بنيكاراغوا التي كانت اول دولة تتقدم بطلب رسمي إلى المحكمة العليا للأمم المتحدة وذلك يوم 23 يناير/كانون الثاني 2024 للحصول على إذن بالتدخل “كطرف” في القضية، ثم تلتها كولومبيا وليبيا، وفي أواخر مايو/ أيار الماضي، تقدمت المكسيك أيضا بطلب مماثل، وانضمت إليها تشيلي مطلع يوليو/ تموز الماضي، ثم لحقت كوبا وإسبانيا بالدول السابقة في أواخر الشهر ذاته!!.
3- قيام الدول العربية والإسلامية قاطبة بدورها الشرعي والقومي تجاه غزة من خلال مفاتحة محكمة الجنايات الدولية للإسراع بتنفيذ أوامر القاء القبض على النتن ياهو وغالانت !!
4- الإعلان الفوري عن إنهاء الجسر البري التجاري الذي ينقل البضائع من موانئ الامارات العربية المتحدة والبحرين في الخليج العربي إلى إسرائيل عبر أقطار عربية، متجاوزا الممر المائي للبحر الأحمر!!.
5- إعلان مصر الفوري بإعادة فتح معبر رفح الحدودي وتسهيل مرور شاحنات المساعدات الإنسانية لقطاع غزة!!
ختاما …
أقول لقادة وحكام دولنا العربية والإسلامية قاطبة ومذكرا إياهم بما جاء في محكم آياته:
“سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ” …(الزخرف : 19).
“اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا”…(الإسراء:14).
وقال تعالى في محكم آياته واصفا المنافقين:
“وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” …(آل عمران: 167، 168)