كفى استهتارا بعقولنا يا أولي أمرنا / ابراهيم أبراش
ابراهيم أبراش ( فلسطين ) – الأربعاء 14/11/2024 م …
في كثير من الأحيان وعندما يمارس كُتاب ومثقفون نقدا بناءً للحالة الفلسطينية وهم جزء منها، سواء للقيادات أو الأحزاب السياسية يجدون من يرد بأن الوقت ليس وقت فتح الملفات الداخلية وانتقاد بعضنا البعض ويجب توحيد الجهود في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي يهدد وجودنا الوطني الخ.
صحيح، إن إسرائيل هي العدو الرئيس ويجب أن يتوحد الجميع في مواجهته، ولكن عندما يطول الصراع وتتراجع الحالة الوطنية وتعزز الانقسام ولا تحدث الوحدة الوطنية بالرغم من عشرات لقاءات المصالحة العبثية حتى مع حرب الإبادة والتطهير العرقي على غزة وكل القضية الوطنية، عندها لا يكفي القول بمسؤولية الاحتلال والأطراف الخارجية، فهؤلاء ما كانوا ينجحوا في مخططاتهم وتدخلهم إن لم يجدوا من يساعدهم ويسهل مأموريتهم من داخلنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وهنا يجب أن نعترف بوجود خلل في النظام السياسي والطبقة السياسية الفلسطينية وحتى المجتمع المدني بما فيه رجال ثقافة وفكر.
نعم الفلسطينيون شعب صامد ومقاوم وصاحب قضية عادلة إلا أنه غير مبرئ من العيوب وليسوا عالم الملائكة والآخرون عالم الشياطين.
ونتساءل من الذي يُعيق الوحدة الوطنية؟ ومن المسؤول عن انتشار الفساد في مؤسسات السلطتين وفي المجتمع؟ ولماذا لا يتحرك الشعب ليأخذ دوره في اختيار قياداته وفي مواجهة الفساد والفاسدين؟
ولماذا ينتشر الفساد حتى داخل مؤسسات المجتمع المدني؟
وإذا توقفنا عن انتقاد أوضاعنا الداخلية بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية، كما يريد من يدعون الحرص على الوحدة الوطنية، فهل السكوت يضمن أن الحالة الوطنية ستتحسن إلى الأفضل؟
إن الصمت على سياسات الحكام وأولي الأمر وخصوصاً زمن الأزمات والنكسات السياسية يخلق وهماً عند الحكام أنهم على صواب والخلل إما في الشعب أو في أطراف خارجية وبالتالي يبرئون أنفسهم من المسؤولية.
وفي نفس السياق فبالرغم من كل ما لحق بشعبنا من موت ودمار وخصوصا في قطاع غزة وما تتعرض له القضية الوطنية من خطر وجودي فإن الأحزاب الفلسطينية ما زالت عاجزة عن تحقيق أي مصالحة أو وحدة وطنية حتى اختلفوا على مجرد تشكيل لجنة لإسناد أهالي قطاع غزة، في الوقت الذي تواصل اسرائيل عدوانها وتتوسع فيه وتُتهيأ لضم الضفة الغربية!
ضمن هذا المشهد كيف سننتصر أو على الأقل نحافظ على وجودنا الوطني ونترك للأجيال القادمة فرصة استكمال مشروع التحرير والعودة؟
صحيح لا يوجد حتى الآن وضوح في أهداف إسرائيل تجاه غزة وما إن كانت ستنسحب منه أم تُعيد الاحتلال والاستيطان فيه أو في الجزء الشمالي منه، ولا حول اليوم التالي لوقف الحرب على غزة وضمن أي شروط سيتم وهل سيكون في إطار صفقة تبادل تكون حماس طرفاً فيها أم بدون حماس؟ وهل إسرائيل معنية بالقضاء النهائي على حماس أو معنية بوجود بقاياها في غزة للحفاظ على الانقسام؟ ولكن الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية معروفة وهي تتجاوز فلسطين.
وسط كل هذا الغموض والمقصود من طرف اسرائيل في التعامل مع قطاع غزة أعلن الرئيس أبو مازن من تركيا وفي جلسة للبرلمان التركي في أغسطس استعداده وكل القيادة للذهاب لقطاع غزة ومد نفوذ السلطة له، وكان رد إسرائيل وحركة حماس سريعاً برفض عودة السلطة لغزة!.
مع تواصل جرائم إسرائيل وخصوصاً في شمال القطاع تقدمت مصر بمبادرة تشكيل لجنة إسناد مجتمعي لغزة تتبع السلطة الفلسطينية فاختلفت حماس ومنظمة التحرير حول المرجعية السياسية والمالية للجنة، وهل ستباشر عملها قبل وقف الحرب أم بعده؟ ومن سيستلم المساعدات وأموال إعادة الإعمار وهل ستكون حماس مشاركة في اللجنة، وعلاقة اللجنة بحكومة حماس أو بقاياها في غزة ؟ ولم يراعي المتحاورون حال الشعب في غزة وما يخطط العدو لغزة وكل القضية ولا موقف إسرائيل من اللجنة وعودة السلطة لغزة، وكان العناد الأكبر من حركة حماس التي تصر على استمرار سلطتها في غزة.
مع مجيء ترامب توقف الحديث عن اللجنة وبات الكل الفلسطيني والعربي ينتظر مبادرة جديدة من ترامب والتي لا يبدو أنها ستكون أفضل من صفقة القرن الترامبية.
وهكذا في الوقت الذي يختلف فيه الفلسطينيون على مجرد تشكيل لجنة لإنقاذ أهالي غزة من الموت والجوع، تواصل إسرائيل حربها ومخططاتها في غزة والضفة ولا تُعير أي اهتمام لا للسلطة ولا للمقاومة ومحورها ولا للمؤتمرات العربية والإسلامية ولا للمنتظم الدولي وكانت خطوتها الأخيرة هي الإعلان عن استعدادها لضم الضفة في نفس يوم انعقاد القمة العربية والإسلامية في الرياض حول دعم قيام الدولة الفلسطينية!
فمتى سنرتقي الطبقة السياسية الفلسطينية لمستوى الحدث وخطورته وتُثبت أنها تمثل الشعب أو على الأقل تشعر بمعاناته؟
صحيح هناك فروقات بين موقف منظمة التحرير وحركة حماس لصالح المنظمة ولكن المسؤولية في النهاية عن تردي الوضع الفلسطيني الداخلي يتحمله الجميع.
الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة قد تكون أكثر خطورة من المرحلة التي سبقت نكبة ٤٨ وإن لم يتم تدارك الأمر فنحن مقبلون على نكبة جديدة، لن تنهي القضية الفلسطينية بالتأكيد لأن حياة الشعوب وحركات التحرر الوطني لا ترتهن بوجود الأحزاب وحياة قادتها، ولكنها ستؤدي لانهيار النظام السياسي والسلطة وستضع الشعب والقضية في متاهة جديدة.