ميليشيا إسرائيلية في غزة / محمد عايش

تحاول إسرائيل تشكيل ميليشيا موالية لها في قطاع غزة لتنفيذ أجندتها والعمل لحسابها، ولتكون بديلاً لحكم حركة حماس في المستقبل، وهذا هو أحدث سيناريو بدأت القوات الإسرائيلية تعمل عليه، بعد فشل المشاريع السابقة التي كان من بينها التهجير الجماعي، أو تشكيل حزام أمني في الشمال، أو القضاء على حكم حركة حماس والإتيان بنظام بديل يحكم الفلسطينيين في القطاع ولا يتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
استراتيجية تشكيل ميليشيا موالية للاحتلال في غزة سبق أن جربها الإسرائيليون في لبنان، عندما شكلوا «جيش لبنان الجنوبي» العميل لهم في عام 1976، الذي كان بقيادة الجنرال سعد حداد، ثم ورث قيادته العميل أنطوان لحد، الذي ظل يدير هذه الميليشيا لحساب الاحتلال الإسرائيلي حتى انسحابه من الأراضي اللبنانية في عام 2000، عندما انحلت هذه الميليشيا تبعاً لذلك وانتهت بشكل كامل، وفرّ لحد نفسه هارباً من لبنان وانتقل إلى اسرائيل ليعمل نادلاً في أحد المطاعم حتى وفاته في عام 2015.
استراتيجية تأسيس ميليشيا موالية للاحتلال سبق أن جربتها إسرائيل في جنوب لبنان، وكان الفشل الذريع نتيجتها، حيث انهارت في نهاية المطاف ولم يجد مقاتلوها أي مأوى لهم في لبنان
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل تقوم بتسليح «عشائر في غزة من المعارضين لحكم حركة حماس»، وأضاف: «ما الخطأ في هذا؟ هذا الأمر لا يُنقذ سوى أرواح الجنود الإسرائيليين». وجاءت تصريحات نتنياهو بعد أن أكدت تقارير إعلامية إسرائيلية، أن نتنياهو وافق على تزويد «جماعة ياسر أبو شباب» في جنوب غزة بالأسلحة. اللافت في ظهور هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة هي أنها تعني بالضرورة فشل الخطط السابقة، حيث لا يبدو أن سيناريو التهجير الجماعي للفلسطينيين يُمكن أن ينجح، كما لا يبدو أن حكم حركة حماس في القطاع يُمكن أن ينتهي بالسهولة التي كان يتصورها نتنياهو عندما قرر خوض الحرب على قطاع غزة في أواخر عام 2023. الأهم من ذلك أن إسرائيل لم تعد تقبل بحكم حركة فتح، ولا بالسلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، ولا تريد السماح بعودة السلطة إلى غزة، كما أنها – أي تل أبيب – ترى في سلطة محمود عباس أيضاً تهديداً مباشراً لمصالحها، وبذلك فإن نتنياهو يرفض حركة فتح وحركة حماس معاً، ويتعامل مع كل الفلسطينيين على أنهم أعداء لإسرائيل، وأي وجود لهم هو تهديد لأمن الدولة العبرية. ثمة إشارة ثانية مهمة، وهي أنّ لجوء إسرائيل لسيناريو الميليشيا الموالية لها هو أحد تجليات فشل الحرب على غزة، إذ من المؤكد أن إسرائيل لم تذهب إلى القطاع من أجل هذه الغاية، بل كانت تريد سحق حماس والقضاء على حكمها بشكل كامل، وكان نتنياهو يعتقد بأن هذه المهمة يُمكن إنجازها بسهولة، وكان الحديث داخل إسرائيل في بداية الحرب يدور عن ستة شهور، بينما تقترب هذه الحرب اليوم من إكمال عامين على اندلاعها.
استراتيجية تأسيس ميليشيا وكيلة موالية للاحتلال تقوم بتنفيذ مهمته، سبق أن جربتها إسرائيل في جنوب لبنان، وكان الفشل الذريع هو نتيجة تلك التجربة، حيث انهارت في نهاية المطاف ولم يجد مقاتلوها أي مأوى لهم في لبنان، وفور انهيارها عادت المقاومة الوطنية إلى الجنوب، وتبين أن هذه الميليشيا لم تنجح في تحقيق الأمن للإسرائيليين، واضطر الاحتلال للانسحاب من الأراضي التي يحتلها في لبنان في أيار/ مايو من عام ألفين، وذلك تحت ضربات المقاومة.
كما إن لجوء نتنياهو إلى هذه الاستراتيجية ليس سوى أحد أشكال التخبط الإسرائيلي في غزة، وفقدان البوصلة، وفشل المشاريع كافة التي يحاول نتنياهو فرضها على الفلسطينيين، وأغلب الظن أن أي ميليشيا ستنشأ في القطاع وتعمل لحساب الاحتلال لن تدوم طويلاً.